في اكتوبر عام 1822 نشر المواطن الاسكتلندي غريغور ماك غريغور اعلانا مثيرا للدهشة قال فيه انه لم يكن فقط ابنا لاحد رجال المصارف بل اميرا لبلاد البويايس التي تقع على طول النهر الاسود في الهندوراس . وتعد البويايس منطقة تكبر مقاطعة وليز في بريطانيا بشيء قليل. ارضها من الخصوبة بحيث يمكن فيها انتاج ثلاثة محاصيل من الذرة في السنة الواحدة وماءها عذب ومنعش ويروي العطشان وتوجد كتل من الذهب في قعر انهارها واشجارها محملة بالفواكه وغاباتها مليئة بالطرائد. و من خلال ذلك تمكن غريغور ماك غريغو من عرض بديلا لإسكتلندا التي تتميز بجوها المظلم و الممطر وتربتها الصخرية وذلك برسمه هذه الصورة الرائعة والمشابهة لجنة عدن.
وقال في الاعلان الذي نشره ان ما ينقص بويايس هو المستوطنون والمستثمرون الراغبون لتطوير واستغلال مواردها الى اقصى حد . والمعروف ان الاستثمار في امريكا الوسطى والجنوبية كان في ذلك الوقت كان يلقى رواجا كبيرا و بويايس تبدو مكانا جذابا للاستثمار بشكل خاص.
ولم تملك اسكتلندا آنذاك اية مستعمرات في العالم . فهل من الممكن ان تستحوذ على بويايس لتكون لها فيها موطئ قدم هناك .
اوهل سيكون المرء في اسكتلندا ضحية لهذا الاحتيال؟ كان لماك غريغور اسلوب البائع الماهر. وعندما تتمعن في اسس ومتطلبات فن الاحتيال فلا عجب ان يقع العديد من الناس ضحايا لهذا الاحتيال.
ادرك المحتالون منذ زمن بعيد ان الاقناع وسيلة تركز على تواجد مظهرين من مظاهر التحفيز البشري ا ولهما : تشجيع رغبة الناس للقيام بعمل ما وثانيهما تعطيل رغبة الناس في الامتناع عن القيام بعمل ما . في سنة 2003 قام عالمان امريكيان من علماء النفس الاجتماعي بالتوصل الى اكتشاف هذه الفكرة وتمكنا من تحديد وتسمية نوعين من التكتيكات الاقناعية
الاول سمياه “الفا” وكان اكثر تدولا ويعتمد على زيادة الرغبة في عمل شيء ما والثاني “اوميغا” ويعتمد على التقليل من المقاومة التي تحيط بعمل شيء ما . في التكتيك الاول تفعل ما شئت من اجل جعل طرحك مهما كان اكثر جاذبية- تقوم بزيادة التأكيد على الفكرة واسباب اهميتها واهميتك ومقدار الكسب وغير ذلك . في التكتيك الثاني تعرض شيء سهل جدا لا يتطلب ذكاء وحينها تخال المرء يقول لماذا لا اقوم بذلك؟ وما الذي سأخسره؟
و قد سميا هذا التعايش بطريقة التجنب الإقناعية . بإمكانك ان تقنعني بعمل شيء ما بجعلي اريد تناوله وتقليل اهمية أي سبب لضرورة تجنبه . واستنادا الى بعض المتخصصين ان الناس عادة اكثر ما يحتمل ان ينجرفوا الى أحد هذين التكتيكين.
حيث ان بعض الناس تهمهم المكاسب الايجابية المحتملة والبعض الاخر يهمهم التركيز على الخسائر وتجنب الاخطاء. هذه المقاربة التي تعتمد على مزاوجة التكتيكات الاثنتين تستهوي النوعين من الناس وهذه المزاوجة تجعل المقاربة مرغوبة على نطاق عالمي اوسع. ومن السهل على القارئ ملاحظة كيفية استغلال ماك غريغر لهذه المزاوجة .
فعلى سبيل المثال اجرى ماك عريغور العديد من المقابلات الصحافية في الصحف الوطنية وقد طاف المدن منوها بفوائد الاستثمار والاستيطان في بوينايس. وقد بين ما تتضمه المشاركة في هذه العملية من شجاعة وقوة قائلا انها لا تثبت فقط ذكاء المرء بل واقعيته. مضيفا ان سكان المرتفعات في اسكتلندا يتميزون بالصلابة وروح المغامرة . ان بوينايس ستكون مرة واحدة تحديا واختبارا وهبة حسب قوله. وطلب من الناس الذين بحاجة الى المزيد اقناع و لمعرفة فضائل شعب هذه الجزيرة الرجوع الى كتاب مؤلفه غير معروف اسمه ( سترنج ويز) في الحقيقة هو ماك غريغور نفسه. وقد حثت مطبوعاته الناس من خلال وعوده القوية واغراءات هذه الفرصة الى عدم تفويتها .
الاقناع والاحتيال
وهذه المزواجة للتكتيكين “الفا” و “اوميغا ” بدات اساسا توضح اغراءات فكرة ماك غريغورز ولكن مقاربته المكيفة تكيفا ذكيا تضمنت ايضا تكتيكا اخر ضاعف جذب الناس اليها.
حيث يحاجج احد خبراء الاقناع في علم النفس روبرت جياليني بالقول ان هناك ستة مبادئ تحكم علاقات الاقناع:
– التبادلية ( ساعدني اساعدك)
– التوافقية( لا تناقض في الاقوال والافعال)
– المقبولية الاجتماعية ( اثبات صدقية الانتماء )
– الصداقة او المحبة (الحال بالضبط كما يبدو ليس هناك خداع)
– الندرة (الاسراع قبل فوات الاوان)
– الثقة (يبدو انك تعرف ما تتحدث عنه)
انظر كم من هذه المبادي استخدامها ماك كريغور بالفطرة
– التبادلية: استثمر معي واعطيك فرصة العمر .
– المقبولية الاجتماعية : ستكون اسكتلنديا اصيلا اكثر من غيرك واكثر احتراما ومثالا يحتذى به
– الندرة: استعجل الان لأنه قد تفوتك الفرصة فلو اسكتلندا فوتت فرصة السيطرة على بويايس لتصبح امبراطورية عظيمة سيستغلها الاخرون.
– الثقة : بالتأكيد المتحدث يعرف ما يقول. اذا لم تثق بي على الاقل ثق به (مؤلف الكتاب ). ولو لم تثق بي فانا مع كل هذا نشرت ما اريده في افضل وسائل اعلام هذا الزمن.
وفعلت تكتيكات ماك غريغور فعلها وتجاوزت حدود النجاح . حيث تمكن ماك من جمع 200000 باون مباشرة اما قيمة سوق السندات فقد بلغت 1.3 مليون باون او حوالي 3 بليون في زمننا هذا-ولكنه اقنع سبع سفن لنقل المستوطنين المتلهفين للابحار عبر المحيط الاطلسي . وفي سبتمبر 1822 ويناير 1823 وصلت اول سفينتين )هندوراس باكيت( و)كنيرسلي كاسل( و كانت قد غادرتا الى البلاد الاسطورية وهما تحملان 250 شخصا وكانت المعنويات عالية لان معرفة ماك بالبحار كانت لا تضاهى. ولكن عندما وصل المستوطنون بعد مرور شهرين وجدوا الواقع يختلف تماما عن الاغراءات الواردة في كراسات ماك .لا موانئ لا تطوير ولا اي شيء انها ارض خالية.
لم تكن بويايس موجودة فعلا بل انها كانت من نسج خيال ماك الخصب. انه كان قد جر المستثمرين والمستوطنين الى منطقة نائية ومنعزلة من هندوراس وحالا بدا الاسكتلنديين الاشداء بالهلاك. وما تبقى منهم –الثلث فقط تم انقاذهم من قبل سفينة مارة واستدعى الاسطول البريطاني السفن الخمس الباقية قبل بلوغ غايتها وهرب ماك الى فرنسا .
واذا حصل له تأنيب ضمير فعلا كانت له طريقة غريبة في اظهاره حيث لم يمض وقت طويل على ما حدث بدا قصة بويايس مرة اخرى في فرنسا . ربما كانت استثماراته الاولية قد تبخرت ولكن اتقانه لفن الاقناع لم يتضاءل. في غضون اشهر كان لديه مجموعة جديدة من المستوطنين مستعدين للذهاب . الا ان فرنسا كانت اكثرا صرامة شيء ما من بريطانيا في متطلبات جوازات السفر : عندما رات الحكومة الفرنسية كما هائلا من الطلبات لجوازات السفر الى بلد لم يسمع به احد تم تشكيل لجنة للتحقيق في القضية . وبعدها القي ماك في السجن . وبعد عودة قصيرة الى ادنبرة \ اسكتلندا اضطر للهرب مرة اخرى بسبب ملاحقه غضب حاملي السندات الاسكتلنديين الاصليين. ومات في سنة 1845 في كاراكس \فنزويلا . والى يومنا هذا البلاد التي كانت تدعى بوينايس بقيت ارض هباب و من البراري غير المتطورة دليل \شاهد على سلطة من تكون بيده زمام الامور في الاقناع والاحتيال.
جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا،
المصدر ايلاف