الماضي من الممكن أن يعطينا تفسير لما يجري في الحاضر, ويمكن للماضي أن يجهزنا بخارطة للمسير, فهو مكتنز على تجربة مريرة عاشتها الأمة في ذلك التاريخ الخطير, لذا كثيرا ما نفتش أوراق الماضي, كي نفهم أين يسير قطار الأمة ومتى يتوقف, وما هي ابرز المطبات التي تعترضه مستقبلا, خصوصا أننا اليوم نعيش مع جماعات سياسية غريبة وعجيبة, لكن يمكن فهم سلوكها عبر التنظير مع سلوكيات من سبقوهم.
اليوم نعيش مع أحزاب تنتهج سلوكيات مختلفة ومتنوعة, لكنها بالغالب لا تنتج شيئا مهما للوطن أو للجماهير, بل اغلب مكاسبها ذاتية النفع, وقد عبروا عن السلطة ب”الكعكة” وهم يتقاسمون مغانمها, محولين السلطة من مركز للخدمة والمسؤولية الى غنيمة وكعكة.
لكن الغريب هو استمرار متابعة الجماهير لهذه الأحزاب والذي يدلل على غياب الوعي عند فئة جماهيرية واسعة, مما يتيح الفرصة للاتجاهات السياسية المنحرفة في الصعود.
وسنركز على تاريخ الأمة الإسلامية, باعتبار أننا امتداد لما كان, وما يحصل أنما هو نتائج فعل ألامس.
أولا: الاتجاه السلطوي:
هذا الاتجاه كان هدفه الوصول للسلطة, لتحقيق أغراض ومنافع خاصة, وللوصول لمكاسب معنوية عبر هالة المنصب, ورغبة بمكاسب مادية ضخمة, أو الهدف إشباع نزعة الإنسان, للهيمنة والتسلط وإرضاء الشهوات, مصاديق هذا الاتجاه من الماضي هي حركة طلحة والزبير في البصرة,(1) ثم الحركة الأموية فالعباسية, وأصحاب هذا الاتجاه وان كانوا يختلفون في مستوى اندفاعهم, ودرجة تأثرهم بالأهداف المعلنة, الا أن قضية السلطة هي القضية الأولى لهم, نعم يتم استغلال الظروف الأخرى, لأنها تهيئ الفرص المناسبة لحركتهم.
في عصرنا الحالي نجد بعض الأحزاب أو الكتل العراقية, تنتهج نفس منهج السلطوي, حيث ترفع شعارات العدل والدفاع عن حقوق الناس, وتحقيق حكم الله في الأرض, وتخلط سلوكها ببعض الممارسات الدينية أو الإنسانية, لكن هي بالأساس هي تستهدف الوصول للسلطة فقط, وقد ضحكوا على فئات واسعة, انساقت ورائهم مرة بفعل قلة الوعي, ومرة أخرى بفعل تقديس الشخوص.
قراءة التاريخ تفضح ممارسات كثير من أحزاب السلطة ومنهجها السلطوي, المتلبسة بثوب العدل وشعارات المظلومية وادعائها كذبا وجورا أنها استمرار لخط الأنبياء والصالحين, وعلى المواطن الواعي أن يشخص هذه الأحزاب, ويفضح منهجهم للناس, كي تتعرى كذبة الأحزاب ويفلسون في الانتخابات القادمة, فتصديقهم ومتابعتهم يعتبر نوع من السذاجة, والخطيئة التي لا تغتفر.
ثانيا: الاتجاه الفوضوي
هو الاتجاه الذي كان رافضا للأوضاع السياسية القائمة, متأثرا بمواقف الرفض للسلطة لأسباب مختلفة, يأتي في مقدمتها الوازع الديني أو الإنساني عندما يتعرض المجتمع الى الظلم والاضطهاد, أو عندما تخرج السلطة عن الموازين الإنسانية والحدود الشرعية, لكن يختلط هذا مع المصالح الذاتية والجهل وأحيانا السذاجة, وهذا الاتجاه السياسي يتميز بغياب البرامج الواضحة(2), وغياب طريق التغيير والإصلاح, فقط إعلان الرفض بهمجية ورعونة أحيانا.
ولعل ابرز فريق سياسي تاريخي يمثل هذا الخط هو” الخوارج”, الذين يجدون دائما الفرصة للتحرك, خصوصا عندما تزداد الأوضاع السياسية سوءا, حيث تزداد القاعدة الجماهيرية الرافضة, فيركبون الموجة, وذكر الأمام علي (ع) تقييم عاما لحركة الخوارج واتجاههم السياسي, فعند الحديث عن شعار الخوارج (الحكم لله) قال الأمام علي ((كلمة حق يراد بها باطل)), وقد توقع لهم الأمام علي(ع) أن يتحولوا الى (( لصوص سلابين)).
ويمكن عد حركة الزنج والقرامطة في نفس السياق, حيث تختلط الحركات بمصالح ذاتية لشخص ما, فيحاول أن يستفيد من حالة الرفض العامة.
اليوم الساحة العراقية مليئة بهكذا أحزاب وكيانات, تحاول أن تستفيد من نقمة الجماهير لتحقق مصالح ذاتية, تكون بعيدة كل البعد عن شعاراتها, التي تضحك بها على الجماهير وتسفه وعي الأمة, ويمكن تشخيص كيانات سياسية عراقية معروفة للمتابع, تسلك نفس سلوك الخوارج, من رفع شعارات العدل ومظلومية الشعب, وهي بالباطن جزء كبير من الفساد الحكومي والمصيبة العراقية, ومستقبلها قد بينه الأمام علي بان يكونوا مجرد لصوص وسلابين.
على الإنسان الواعي أن يبتعد عن كل حزب يتشبه بمنهج الخوارج, وعلامتهم أنهم يطلقون كلمة الحق ويريدون بها الباطل, فتجدهم يتكلمون بالحق والعدل وهم غارقين بالفساد, والابتعاد عنهم واجب على كل إنسان عاقل.
ثالثا: الاتجاه النفاقي
هو اتجاه كان يتظاهر بالإسلام, أو يدعي الحرص على مصالح الإسلام العليا, آو يدعي انه يسعى للتطور الفكري والثقافي والاجتماعي, مع أن الواقع الروحي والنفسي لأصحابه بعيد كل البعد عن هذه الاطروحه, فلا دين ولا أيمان ولا أخلاص, بل الهدف الأكبر لهم هو الوقيعة بالإسلام والمسلمين, وتخريب البنية التحتية للمجتمع الإسلامي.(3)
ويمكن ملاحظة مصاديق هذا الاتجاه تاريخيا, في حركة الزنادقة أو حركات نصب العداء لأهل البيت, أو بعض علماء السوء كابن تيمية ورواة الحديث الكذابون ممن لهم ارتباطات سياسية, فكان تسلل هؤلاء بهدف الوقيعة بالإسلام.
وحقق هذا الخط أضرار بالغة وتخريب واسع بالأمة الإسلامية, وما نعيشه اليوم من مشاكل الا امتداد لما فعله هذا الاتجاه السياسي, هذا الاتجاه لم يكن ذا قيمة حقيقية لولا السلطة والصراعات النفعية التي سهلت لهو استخدمته في صراعاتها, كان مجرد أداة قذرة بيد السلطة الغاشمة واستخدم بطريقة بشعة كما فعلها معاوية ثم الأمويين ثم العباسيين.
الأداة الحالية هي الوهابية والإخوان والقاعدة وداعش, وحتى البعث ككيان منافق, هؤلاء هدفهم التدمير ونشر الخلاف وتكفير الصالحين, وإشاعة العنف والدعوة لتفكيك المجتمع, مستندين لنصوص محرفة جعلوها أساس دينهم, ومن علاماتهم بغض أهل بيت النبوة.
على المجتمع أن يتنبه لهذا الاتجاه, فهو خطير لان النفاق كالسرطان يحيل جسد الأمة الى كيان مريض لا شفاء منه.
الرابع: الاتجاه الإصلاحي
هو الاتجاه الذي كان يتحرك على أساس ردة الفعل ضد مظاهر الظلم والفساد والانحراف, التي كان يشهدها العالم الإسلامي, فيحاول هذا الاتجاه مقاومة الانحراف في المؤسسة الحاكمة, أو أصلاح هذا الفساد, آو الإعلان عن إدانته, مصاديق هذا الاتجاه تاريخيا هو حركة الطالبيين والعلويين, مثل حركة زيد بن علي والحسين صاحب فخ, وكذلك حركة احمد بن حنبل أمام الحنابلة, والكثير غيرهم.(4)
هذه الاتجاه اغلب من ادعوا التزامه, ما أن يصلون للسلطة يندمجون معها, ويرمون خلف ظهورهم وعودهم وبرنامجهم الإصلاحي, لكن رفعوا شعار الإصلاح للكسب الذاتي آو نوع من المزايدات, لكن يمكن الإشارة الى أن بعض الشخوص كمراجع الدين الصالحون في النجف, أو افراد من السياسيين المستقلين, قد كان لهم هذا الدور الإصلاحي, وكان جهودهم تتمثل في الدعوة والإرشاد فقط, لان الفعل والتغيير يحتاج لان تتقبل الاتجاهات الأخرى ما يراه الاتجاه الإصلاحي, وهو غير متحقق ألان.
على الجماهير أن تلتف حول هذا الاتجاه, فهو الطريق الوحيد للخلاص من محنة الوطن.
● الثمرة
على الجماهير أن تفحص وتميز ولا تتبع كل ناعق, وان تفهم أن زمن القديسين والملائكة انتهى, فالكل سواسية لا فرق الا بالتقوى والأخلاق والتربية, وان الساسة بشر عاديين يأكلون ويشربون ويتزوجون, فعبادة الشخوص عبارة عن جهل وضعف في العقيدة, والاهم أن تبحث عن النزيه الشريف الصادق , وان لا يكون سلطويا ولا فوضويا ولا منافقا, لتكون معه مدافعا عن منهجه ليقيم العدل وينصر المظلوم.