تتوالى منذ أسابيع هجمة على قيادات في الائتلاف الوطني السوري، وتركز الهجمة على اتهامات بالفساد وباستخدام المال السياسي، وإقامة المطابخ السرية، التي تصنع سياسة الائتلاف. وتضيف إلى ما سبق تخطئة المسار السياسي للائتلاف في العام المنصرم من عمره، وهي الفترة التي تولى فيها رئاسة الائتلاف عضو الكتلة الديمقراطية أحمد الجربا، فيما شارك عدد من كوادر الكتلة ومقربون منهم مسؤوليات قيادية فيه، وهو وضع يقارب الوضع الحالي للائتلاف، حيث يتولى رئاسته هادي البحرة العضو في الكتلة الديمقراطية، يشاركه عدد من كوادر الكتلة ومقربون منهم في مسؤوليات قيادية بالائتلاف.
والحق أنه في الحالتين فإن وصول الجربا وكذلك البحرة وفريقهما إلى قيادة الائتلاف جرى بالوسائل الديمقراطية المعروفة وعبر صندوق الانتخاب، وفازوا على منافسين آخرين كانوا مرشحين لتولي المسؤوليات ذاتها وسط رقابة ومعايير قانونية، مستندة إلى وثائق الائتلاف، التي لم يكن بين من وضعوها أحمد الجربا وهادي البحرة وأغلبية فريقيهما، مما يعني أن التشكيك في وصولهما إلى مواقعهما لا يتجاوز الكيدية السياسية، إن لم نقل الكيدية الشخصية، أو الاثنتين معا. وهذا ما يمكن تلمسه بصورة عملية ومؤكدة لدى مراجعة محتويات الهجمات في وسائل الإعلام.
وقول أصحاب الهجمات بوجود الفساد والمال السياسي لا يتجاوز هو الآخر فكرة الكيدية السياسية والشخصية، لأن القائلين بتلك الاتهامات لم يقدموا أي إثباتات حول مزاعمهم، بل إنهم لن يستطيعوا أن يقدموا مثل تلك الإثباتات لعدم وجودها أصلا، خاصة في ظل وجود منافسين ومعارضين أقوياء لهم داخل الائتلاف، ووسط إصرار فريقي الجربا والبحرة على مشاركة الآخرين في أنشطة الائتلاف وتحركاته في المستويات الداخلية والخارجية.
أما في موضوع المطبخ السري المزعوم في الائتلاف فإن تعريف المطبخ السري يجعلنا في حالة من الالتباس، هل هو قيادة الائتلاف التي كان بعض ممن يشنون الهجمات بين كوادرها الرئيسة؟ أم هو في حلقة أضيق تتألف من الرئاسة وحلقة من المستشارين والخبراء الملتفين حولها؟ وفي كل الأحوال، ليس من الشائع في أي مؤسسة أو هيئة أن يجري طرح وتداول موضوعات تحظى بأهمية استراتيجية بصورة علنية وعلى نطاق واسع خاصة إذا كان وضع المؤسسة أو الهيئة كحال الائتلاف الذي يواجه بيئة دولية وإقليمية مركبة ومعقدة، ونظاما دمويا له تحالفات لا تقل خطرا عنه على السوريين وعلى الائتلاف.
وإذا كان الائتلاف الوطني وقيادته خلال العام الماضي لم يزعم أبدا أنه قام بكل ما ينبغي، وما يفترض أن يقوم به من أجل قضية الشعب السوري وثورته، فمما لا شك فيه أنه سعى لتحقيق تقدم في جملة من الموضوعات الدبلوماسية والسياسية، وكل هذه الخطوات جاءت مختلفة عن محصلة المرحلة التأسيسية، التي سبقت مجيء فريق الكتلة الديمقراطية برئاسة الجربا إلى قيادة الائتلاف.
لقد مضى الائتلاف في العام الماضي لتشكيل الحكومة السورية المؤقتة، وأنجزها، وعملت الحكومة ولو بإنجازات محدودة، كما يؤكد فريق الكتلة الديمقراطية الذي شارك في إقالة الحكومة مؤخرا نتيجة تقصيرها، وجرى ضم ممثلين عن المجلس الوطني الكردي في إطار توسعة التمثيل السياسي للسوريين في الائتلاف، وذهب الائتلاف إلى «جنيف 2» في إطار المعركة السياسية مع نظام بشار الأسد حتى لا يترك للأخير فرصة الاستفراد بالرأي العام وبالمجتمع الدولي وإقناعهما بأنه «المتعاون مع المجتمع الدولي» و«القابل للحلول السياسية»، وأن المعارضة وعلى رأسها الائتلاف في واد آخر، وأنهم مجرد «قتلة ومتطرفين» و«راغبين في الاستيلاء على السلطة الشرعية».
وزاد الائتلاف على عمله السابق نشاطا دبلوماسيا ملحوظا، فيه عشرات من اللقاءات والزيارات لعواصم عربية وأجنبية، بينها الأكثر صلة وعلاقة بالقضية السورية من أجل تعزيز مكانتها، وتقوية مركز الائتلاف الوطني في المعادلة السياسية بعد أن كاد الائتلاف يصبح خارج المعادلة قبيل مجيء الجربا وفريقه إلى رئاسة الائتلاف، حيث لم تتم دعوته إلى اجتماع الدوحة في صيف عام 2013 كما هو معروف.
صحيح أن ما تقدم لا يمثل طموحات ما ينبغي أن يكون عليه حال الائتلاف، وهو يواجه نظاما أوقع العالم في الحيرة والعجز بفعل ما ارتكبه من جرائم، وما خلفه من مشاكل وتحديات.. فكيف يكون حال الائتلاف بقدراته المحدودة ووسط بيئة إقليمية وعالمية مرتبكة وعاجزة عن اتخاذ مواقف جادة ومسؤولة؟
لقد بنى الائتلاف في عامه الماضي ما يعتقد أنه أساس لاستراتيجية وخطط هدفها العودة إلى سوريا، وهي عودة سياسية وعسكرية وبشرية واقتصادية، تقوم على فكرة انتقال الائتلاف والحكومة والأجهزة التابعة لها إلى منطقة آمنة من الأراضي السورية خلال الأشهر القليلة المقبلة، والخشية أن هدف الهجمات على الائتلاف وقيادته السابقة والحالية هو تقويض هذه الخطة، التي يفترض أن يشارك فيها كل الائتلاف وطاقات سورية من خارج الائتلاف. لقد صار عهد الجربا وفريقه جزءا من تاريخ الائتلاف، يمكن أن نحكم عليها بالوقائع، أما مرحلة البحرة وفريقه فهي مرحلة ماثلة، سوف نحكم على نتائجها في وقت لاحق. وفي كل الأحوال علينا أن نخرج من زمن المكائد السياسية والشخصية، ومن لديه وثائق وأسانيد حقيقية فعليه أن يقدمها للتحقق منها، وإذا ثبتت مصداقيتها فإن كل من ارتكب مخالفات أو أخطاء ينبغي أن يتعرض للمساءلة، وهذه قضية لا مساومة فيها، ولا ينبغي المساومة فيها.
نقلا عن الشرق الاوسط