مقدمة :
رغم مرور أيّاماً قلائل على الإنقلاب التركي الأخير مساء الجمعة 15 يوليوم 2016 ,فقد قيلَ وكُتِبَ عنه الكثير ,وبالتأكيد سيُقال أكثر في الأيام القادمة!
ليس لكون هذا الإنقلاب مُفاجئة غريبة للغالبيّة .إنّما لأنّ سيناريو ونتيجة الإنقلاب غريبة الى حدٍ بعيد!
المفروض في تعريف الإنقلاب العسكري (كما نفهمه عموماً) :
قيام الجيش (وقيادته) ,بإزاحة مفاجئة للسلطة أو الحكومة القائمة وعزلها نهائياً عن الساحة .ثمّ توّلي قيادة الجيش السلطة في تلك الدولة مؤقتاً الى حين (قد يطول كثيراً في بعض الأحيان خصوصاً في الدول البائسة) ,
ترتيب سيناريو مقبول آخر ,إنتخابات ديمقراطية مثلاً!
***
ماذا حصلَ في تركيا ؟
سأختصر الموضوع بنقل وجهة نظر باحث وكاتب في الشؤون العسكرية في إسطنبول إسمه (جاريث جنكيز) وأضع الرابط لكم (من فرانس 24)!
يقول :
من الواضح أنّ هذا الإنقلاب تمّ التخطيط له جيّداً ,لكن بإستخدام كتالوج وتكتيكات تعود لسبعينات القرن الماضي!
نعم كانت محاولة إنقلابيّة غريبة تنتمي للقرن العشرين ,سرعان ما إنهزمت أمام تكنلوجييا القرن الحادي والعشرين !( أظنّهُ يقصد دعوة أردوغان الشعب التركي عبر برنامج سكايب للنزول الى الشارع ومواجهة الإنقلابيين ,بصرف النظر عمّا سيُراق من دماء)!
يضيف الكاتب التركي القول :
عندما حاول مجلس السلام (هذه تسمية الإنقلابيين لحركتهم) القيام بما خططوا له ,بدت الصورة كما حدث في تشيلي 1973 وأنقرة عام 1980
(في الواقع ممّا لاحظناه على الشاشات لحظة بلحظة أنّ الإنقلابيين لم يكونوا دمويين ,بل على العكس من ذلك ,كانت جموع الشعب التركي وبالأخص الإسلاميين منهم يهاجمون بضراوة الجنود الذين بعضهم لم يكن يعلم حقيقة مايجري وظنّ أنّه في حركة تدريب كما وصلته الاوامر بذلك)!
من جهة ثانية يقول د. عبد الخالق حسين في مقال له بعنوان:
[المحاولة الإنقلابيّة زلزال هزّ عرش أردوغان] ما يلي :
لقد كشفت تلك المحاولة عن مدى الشقّ الذي أحدثه أردوغان وحزبه في الشعب التركي مدنيين وعسكريين!
لقد سيطر الإنقلابيّون على مؤسسات ومواقع مهمة في أنقرة وإسطنبول
ومدن أخرى .كانت محاولتهم تشبه البركان الذي يغلي تحت السطح وينتظر لحظة إنفجاره المناسبة .أو و ربّما هو زلزال ستكون له تداعياته وإرتجاعاته المستقبلية القريبة أو البعيدة!
لكنّ أردوغان كعادته إتهمَ جهات خارجية (والكيان الموازي) التابع لصديقه الإسلامي القديم (فتح الله كولان),الذي يعيش في الولايات المتحدة!
ويضيف الكاتب نقطة جديرة بالإنتباه عن شخصية أردوغان فيقول :
المعروف عن أردوغان أنّه إتبع نهج النازي هتلر عندما إستلم السلطة ديمقراطياً عام 1932 ,لكنّه بدأ بحصر جميع السلطات بيديه وتجريد خصومه منها عن طريق الترغيب والترهيب أوالبلطجة المباشرة!
هذا في الواقع سلوك غالبية (المرضى والشموليين والفاشيين) فقد رأينا ذلك مع (مرسي العيّاط) في مصر ,وقبله مع حماس في غزّة ,وقبلهم في الجزائر ,وأيّ جماعة إسلامية تستلم الحكم يكون غالباً شعارها (غير المُعلّن) :هذه كانت آخر الإنتخابات ,وداعاً للديمقراطية الغربية الكافرة!
***
الخلاصة :
نتائج وتداعيات هذا الإنقلاب التركي الأخير لم تنتهِ بعد !
مازلتُ أعتقد أنّ أردوغان سيواجه المأزق تلو الآخر ,بسبب سياسته الوصوليّة الشمولية الديكتاتورية الإسلاميّة التي يسميها هو الديمقراطية!
منظر الجنود العُراة من ملابسهم ,وخوذهم المُهانة في التراب لن تمّر بلا حساب لدى العسكريين الأتراك والجنرالات الذين يحترمون بلادهم و بيادتهم وشرفهم العسكري!
من يقول بإنّ نصف ديمقراطية في تركيا أفضل من لا ديمقراطية في غيرها .فأنا أقول بأنّ الشعوب لاترضى بأنصاف الحلول على المدى البعيد!
في الواقع شخصيّاً لم أعد في السنوات الأخيرة مهتماً للكتابة في شؤون السياسة والإقتصاد والآراء المختلفة التي توجع الرأس!
تفرغتُ تقريباً لمقالات علمية (لكن بطريقة أدبية) قد تنفع القاريء وتدفعه للتفكير بالطريقة العلمية النافعة للنهوض بواقعنا المُزري!
إنّما دفعني لهذا المقال بالدرجةِ الأولى ,كميّة من الرسائل الإلكترونية وصلتني من جهات عديدة كلّها تحمل (مقال محدّد) غير موّقع بإسم
يقول صاحبه بنظرية المؤامرة الأمريكية الكونيّة علينا ,نحن المجتمعات الإسلامية البائسة .كوننا قوّة مستقبلية خارقة ,بينما أمريكا أسقطت الإنقلابيين الذين كان من المفترض أنّهم سيحاربون داعشاً !
لن أفيض عليكم بذلك الهراء (غالباً هو بعثي داعشي),فقط وددتُ
تقديم نصيحة مخلصة للأحبّة القرّاء:
العرب والمسلمون (عموماً) ,والبدو (خصوصاً) يهيمون فرحاً وسعادة وبهجة عند سماعهم خبر أو منشور غريب ,بعيد عن المنطق والواقع!
وكلّما زادت غرابته ,زاد معه شعورهم بنشوة النصر ,لا أعرف لماذا؟
ربّما يفكرون أنّهم بإعادة ترويجهم لذلك المنشور الغريب البائس, سيكونون (حسب أحبتي المصريين) ,زي اللي جاب الذيب من ذيله !
يحلمون بالشهرة أو بالفوز بقصب السبق بنشر فكرة غريبة حتى إن كانت سخيفة جداً بعيدة عن أيّ واقع علمي أو عملي !
ففي حالة الإنقلاب التركي أعلاه ,فإنّ الولايات المتحدة نفسها هي المتهمة عند أردوغان .لكن هذا موضوع آخر ليس هنا مجاله !
لعلّك باخعٌ نفسكَ عزيزي القاريء بنظرية المؤامرة الكونية علينا فرفقاً بعقولنا ,فقد عانينا كثيراً وطويلاً من الخطاب القومي الديني البائس.
ألا هل نَصحتْ ؟ يا عقل فأشهد !
***
الروابط
1/ ماذا حدث في تركيا وما أسباب الإنقلاب !
http://www.france24.com/ar/20160716-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D
2 / المحاولة الأنقلابية زلزال يهزّ عرش أردوغان / د. عبد الخالق حسين
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=852
تحياتي لكم
رعد الحافظ
17 يوليو 2016
(ذكرى سوداء لإنقلاب البعث في 17 تموز 1968 في العراق)!