يوم آخر من الحياة»، هو كتاب آخر عن سلسلة الروائع التي تركها للصحافة والأدب والقراءة البديعة، البولندي ريزارد كابوشنسكي. يروي الكتاب قصة الأسابيع الأولى من حرب أنغولا. وكالعادة كان هناك ذلك المراسل الفقير. رجل موفد من وكالة أنباء رسمية شيوعية مبللة وصدئة بالتعابير التي تشبه الصفد الفارغ والمرصوف على الشواطئ الرملية المنسية، ومع ذلك، من تحت أكداس الفراغ وأكوام التعابير العفنة، يخرج هذا الصحافي الفريد ويترجم إلى لغات العالم، رغم أنه يكتب بلغة صعبة لا يقرأها سوى أهلها، إذا كانوا حقا يعرفون كيف يفككون أحرفها بعضها عن البعض.
يقدم كابوشنسكي لهذا الكتاب، الصغير الحجم كالمعتاد، لكي لا يتجاوز حجم «الريبورتاج» الصحافي، بقصيدة غير موقعة. هل هي من شعره، هو الذي بدأ حياته بمحاولات شعرية؟ لا يقول لنا. لكن إذا كنت تتابع أخبار سوريا، منذ أن بدأ حل درعا إلى اليوم، فهذه ترجمة لها:
«نحن بشر، عندما يأتي الخوف لا يستطيع النوم أن يأتي معه، ما من أحد يستطيع أن يفعل كل شيء معا.
البحار يحكي عن الريح، المزارع يحكي عن القطيع، الجندي عن الجراح، ما دمت أتنفس فإنني أتأمل، ما الحياة إلا حذر، لا حياة في الحرب، الإنسان ذئب للإنسان، في حدائق بيللونا (آلهة الحرب الرومانية) تنمو بذور الموت، نتائج المعارك دائما غير مؤكدة، ذلك الذي يستطيع الانتصار على نفسه في الانتصار، هو منتصر مرتين، إنك تعرف كيف تنتصر يا هانيبال، ولكن لا تعرف كيف تفيد من الانتصار، الخلاص الوحيد للمهزوم، هو ألا يتوقع الخلاص، لأننا مهزومون، نحاول أن نهزم، من كان أول من أشهر سيف الرعب؟»
من كان أول من واجه أطفال درعا برعب يراد منه إخافة الكبار؟ ولماذا لم يعرف هانيبال كيف يفيد من الانتصار، كيف يرسل إلى أطفال درعا، الثياب والمدارس، وإلى رعيانها ماء لسقي الأرض والقطيع، وإلى جنودها بلاسم لجراحهم؟ «ذلك الذي يستطيع الانتصار على نفسه منتصر مرتين» و«لا حياة في الحرب، الإنسان ذئب للإنسان»، وفي حدائق بيللونا، آلهة الحرب، تنمو بذور الموت، الحياة تنمو في الحدائق الأخرى.
أصبحنا نكتب عن سوريا كأننا نكتب في الماضي. حزن وأطلال ومعلقات. والدوائر المختصة توزع إحصاءاتها: قتلى، مصابون، معذبون، مهانون، معتقلون ومتفرقات أخرى. لقد وضع مغترب سوري جائزة مالية لمن يعتقل مراسلي «الجزيرة» و«العربية» في مواقع القتال، معك حق، جائزة أخرى من فضلك للذين يتزوجون النازحات السوريات بخمسمائة جنيه. الإنسان حقارة للإنسان.