ربما لا تستحق الحياة كل مخاوفنا عليها..
ربما لا تستحق ذلك الخوف الذي يقف بيننا وبين أمنياتنا ورغباتنا الصاخبة..
ذلك الخوف الغيبي تحديداً، الذي يقف حاجزاً بين رغباتنا وبين أخلاقياتنا أكثر من وقوفه معها ومن أجلها.
ربما ليست الحياة والاخلاق والمخاوف أكثر من فقاعة منفوخة ببلاهتنا المضطربة، التي كانت سبباً لأن نعيش ونموت دون أن نلمس حقيقة أنفسنا قبل أن نتطاول على لمس حقيقة الوجود. فما أكثرها هي ادعاءاتنا نحو امتلاك الحقائق الكونية والوجودية البعيدة، وما أكثرها هي محاولاتنا في امتلاك كل ذلك فعلاً، لكن بالمقابل ما اقلها هي محاولاتنا في لمس حقيقة انفسنا والاقتراب منها بلا حواجز وشرائع، تلك الحقيقة التي وقفنا خائفين مرتجفين مدعين أمامها كل ما من شأنه أن يقف بيننا وبينها، فقد سخرنا كل أخلاق الغيب، ومخاوف الغيب المتراكمة في كبح جماح أنفسنا والسماح لها أن تعيش بكل ما أوتيت من رغبة في الحياة، من شهوة في الحياة. اننا لم ننفتح يوماً بشكل حقيقي وشجاع على انفسنا بكل ما فيها من رغبات وغرائز واحتياجات طبيعية.. لم ننفتح لها من دون أن نضع حاجزاً شرعياً وغيبياً بينها وبيننا. بين أرادتها بنا وبين نظرياتنا المتحفظة تجاهها والخائفة منها، والكابتة لها حد التحقير والشذوذ.
فقط لو دققنا قليلاً فسنجد أن الإنسان اليوم وصل بتطاوله ليضع قدمه على القمر ويحصي الكواكب والنجوم والمجرات، في نفس الوقت الذي لا يستطيع فيه حتى أن يلمس أعضاءه التناسلية من دون أن يشعر بالخوف والذنب والتردد، إلى أي مدى أبحرنا إلى خارج انفسنا، وتوقفنا عن الإبحار بدواخلنا، والانطلاق بكل أعضاءنا الحسية والإنسانية لتعيش بلا خوف بلا تردد بلا غيب بلا كبت مضطرب يطاردها ويرهق نفسيتها وسلوكياتها في الحياة ببساطة.
يقال أن الإنسان عرف خريطة العالم قبل أن يعرف خريطة جسده. أليس كل هذا الذي نمر به من وضع تلك العوائق والموانع بيننا وبين انفسنا، وبيننا وبين الآخرين لهي إحدى الغرابات البشرية التي تفنن البشر باختلاقها عبر التاريخ؟! الن تكون الحياة أكثر انفتاحاُ وبساطة وتعايشاً من دون كل تلك العوائق والمجازات الميتافيزيقية التي غلفنا فيها حقيقة انفسنا وبساطة متطلباتها، الن نحقق الكثير لو كشفنا عن كل ستار وحجاب يعوق رؤيتنا للحياة ولأنفسنا من دون خوف، من دون أحجبة، من دون تشريعات غير مبرره نطوق بها الكثير من تفاصيلنا ورغباتنا الحرة؟! الن يكون من الأفضل لنا لو خلعنا عن انفسنا بعض تلك الأردية الثقيلة التي حجبتنا والتي تعوقنا عن الحركة وفق سيرورة إنسانية بحتة، تلك التي تعوقنا عن الحركة والرقص مع الحياة ومع الآخرين دوننا على هذه الحياة، الرقص بلا حواجز بلا مخاوف غير أرضية وطبيعية، الرقص بكل نشوة الإنسان وطبيعته الحقيقية، لا تلك الزائفة التي تختبئ وراء الأحجيات الغيبية. الرقص من أجل الحياة وفي سبيلها، ومن منطلقات النفس الإنسانية الخالصة والشجاعة في فهم وإدراك ما هو منها وما هو في نفعها ومصلحتها.