كان الإعلام الأموي شديد التأثير بالأمة, نتيجة الخبث والمكر المستخدم, بالاضافة لابتعاد الأمة عن النصوص النبوية الصريحة, نتيجة منع تدوين الحديث من زمن خلافة أبو بكر, الى أن وصلت السلطة للأمويين, الذي جندوا بعض الكذابين للإكثار من الأحاديث المختلقة, التي تجمل صورتهم وتنقص من قدر أعدائهم, بالاضافة للدور اليهودي عبر بث الإسرائيليات في الأمة.
مما اوجد مجتمع غريب العقائد, يأخذ دينه من السلطة والكذابين واليهود, وهذا المثلث يعطيه ما يراه مناسب له, حيث منهجهم في دوام التسلط على الأمة وتسفيه الوعي, فليس مهما عندهم رقيي المجتمع وارتفاع وعيه الفكري, بل يسعون بجعل المجتمع مجرد أغنام تتبعهم, وكما صرح معاوية علنا من دون أي خجل, فقد جاء عن سعيد بن سويد قال : صلى بنا معاوية الجمعة بالنخيلة في الضحى, ثم خطبنا فقال : ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، وقد أعرف أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتآمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون.
وهنا لك أن تتصور مقدار التزييف الذي عمدت إليه السلطة, كي تبرر فضائعها واستمرار سطوتها على الحكم, ومن هنا ندرك مقدار التزييف الذي جابه النهضة الحسينية, بهدف تبرير أفعال السلطة, واثبات شريعة اللاحق عبر تنزيه السابق, لذلك حتى العباسيون الذين نهضوا بعنوان نصرة أهل بيت النبي, فما أن سيطروا على الحكم حتى تخلوا عن شعاراتهم, وسعوا لتبرير أفعال يزيد وأمثاله, كي يثبتوا شريعتهم هم.
وتسلمت الأجيال الإرث التاريخي من دون فحص بالأغلب, بل تم اعتباره تاريخ مقدس لا يجب المساس به, مع انه يحمل جبل من الأكاذيب, لذا نجد من المهم توضيح أسباب نهضة الحسين للجماهير في عصرنا الحالي.
● النهضة ضد خط الانحراف الأموي
كانت فترة حكم معاوية فترة مظلمة حيث ساد الظلم, وتعرضت الكثير من المدن لفواجع, وجاء يزيد ليكرس الظلم بصورة أبشع من أبيه, وعمد الإعلام آنذاك على تصوير يزيد على غير ما هو عليه, بل أسبغوا عليه صفات الأنبياء والقديسين, مع انه متجاهر بشرب الخمر, ومشهور بزنا المحارم, يتجاهر بالتمثل بإشعار كفار قريش, كابيات ابن الزبعرى المشهورة.
وقد شرع الخليفة الأموي يزيد بمسح معالم الإسلام, وعمد للممارسة العلنية لأفعال الجاهلية كالاستعانة باليهود, والطعن العلني بالرسالة المحمدية, والأمة ساكتة اتعبها الظلم والفقر والتفريق, مما يعني أن عملية حرف الأمة عن مسارها مستمرة من دون عوائق.
وهذا يعني أن ما تكبده الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله, ومن أجله ضحى المضحون, كل هذا مهدد بالزوال أن بقي الأمر من دون مواجهة يزيد, لذلك وجب على الحسين عليه السلام أن ينتفض, ضد الجور والطغيان, ويكشف الأمويين على حقيقتهم, فكانت نهضته ضد سلطة الجور اليزيدي, ولو كان بذلك قتله وأصحابه مادام الهدف هو الحفاظ على الإسلام.
● لماذا الخروج من مكة؟
بعد موت معاوية استولى ابنه يزيد على مسند الخلافة، وادّعى أنه خليفة رسول الله والقائم مقامه, فكتب يزيد كتاباً إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (والى المدينة) يُخبره بموت معاوية، ويأمره بأخذ البيعة من أهل المدينة عامّة ومن الحسين بن علي خاصّة, فأرسل الوليد إلى الإمام الحسين وقرأ عليه كتاب يزيد ، فقال الحسين: أيها الوليد : إنّك تعلم أنا أهلُ بيتٍ بنا فَتَح الله وبنا يَختم ، ومِثْلي لا يبايع ليزيد شارب الخمور وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة, وقد أوردت المصادر بان يزيد قد بثّ جلاوزته لاغتيال الحسين عليه السلام ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة .
من هذه الرواية نكتشف أن الإمام الحسين قد اجبر على الخروج من مكة, لأنه أن بقي فيكون محصورا بين خيارين لا ثالث لهما, الأول يتم اغتياله بالحرم المكي, والثاني أن يبايع يزيد وهذا ما لا يمكن.
فسواء كتب له أهل العراق أو لم يكتبوا, فانه كان سيخرج من مكة, كي يخرج من حصار الخيارين, ويقوم بالحركة الاصلاحية.
● الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كان احد أهم أسباب خروج الإمام الحسين هو قضية الإصلاح وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والذي كان احد أهم شعارات النهضة الحسينية, حيث قال الإمام الحسين : “أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي”.
فبقاءه في مكة لن يمكنه من قضية الإصلاح والنهوض ضد حكم يزيد, بل أن الخروج والاتجاه نحو العراق كان هو افصل سيناريو يمكن أن يحدث هزة للأمة الإسلامية, خصوصا أن الإمام كان يهدف لإنقاذ الأمة وليس لتحقيق نصر عسكري, والدليل انه عند خروجه من مكة كان معه المئات, وعندما جاءه خبر مقتل ابن عمه مسلم ابن عقيل اخبرهم وقال لهم أن الموت ينتظرهم, فمن يريد الشهادة فليبقى ومن يريد الحياة فليغادر, وهكذا تفرق عنه جمع الدنيا,ولم يبق معه من الأصحاب الا السبعون.
فالنصر على يزيد لا يكون بالعسكر, بل بالموقف والتضحية والدم, وهذا ما زلزل سلطان يزيد لاحقا.
● إعادة الأمة الى مفهوم الثقلين
بعد رحيل النبي الخاتم(ص) تم تغييب دور أهل بيت النبي (ع),بسبب متطلبات السياسة والحصول على شرعية الحكم, واستمر هذا الأمر الى أن تاهت الأمة عن حقيقة المطلوب منها, نتيجة التزييف والتعسف والعنف والترغيب الذي مارسته مختلف السلطات وعبر عقود, الى أن وصلنا عام 60 للهجرة والأمور متغيرة كليا عن ما كان في زمن الرسول الخاتم.
لذلك تشكل وعي معارض للسلطة الحاكمة, يدعوا لإقامة العدل والإنصاف, ويحاول الحفاظ على الرسالة المحمدية بعيدة عن دين السلطة الهجين.
جاءت حركة الإمام الحسين, والذي ضم الجانب الأكبر من المعارضة لحكم الأمويين, وأعلن الإمام الحسين مبادئ نص عليها رسول الله (ص), وعمد الى تذكير الأمة بخطورة الانحراف أو التخلف عن هذه المبادئ, فكان المهم عن الإمام إعادة الروح لنصوص الرسول الخاتم التي غيبها نظم الحكم, وعمل على إنهاء غفلة الأمة.
ففي الطريق إلى كربلاء صلى بجماعة معه بوجود جيش الحر بن يزيد ألرياحي, فخطب الإمام (عليه السلام) بعد الصلاة قائلاً: (( أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر من المدعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان)).
كما أنه انبأ ببقاء هذه الإمامة إلى عهد القائم, فعندما يخاطب أصحابه بقوله: ((إني غداً أقتل وكلكم تقتلون معي، ولا يبقى منكم أحد حتى القاسم وعبد الله الرضيع إلا وليي علياً زين العابدين، لأن الله لم يقطع نسلي منه وهو أبو الأئمة الثمانية)).
وهنا وضع الإمام(ع) النقاط على الحروف مجدداً فبعد التحديد الذي بينه رسول الله(ص) بإمامتهم ” الحسن والحسين” بعد شهادة أبيهم الإمام علي (ع), فإنه ينبئ باستمرار الإمامة من نسل الحسين, وفي شخص الإمام زين العابدين وهو ما يعتمد عليه بعض العلماء في إثبات تحديد الأئمة, لأنه ورغم علم الأمويين بأن الإمام زين العابدين هو القائم بالأمر بعد أبيه, لم يستطيعوا أن يقتلوه, ولم يكن لهم ذلك لان الله ناصره, ومعده للخلافة التي لا بد من استكمال سلسلتها الشريفة.
هنا نفهم أهمية نهضة الحسين التي أخرجت السر للعلن,وإعادة ما تم تغييبه لسنوات طويلة, بفعل الأشرار الذين سيطرت عليهم شهوة الحكم, فإعادة مشروع النبي وتشديده على إتباع الأوصياء من بعده.
● إعادة الروح للأمة
بعد 50 عاما من رحيل نبي الأمة, كان هناك خط خطير ظهر في يوم السقفية, واستمر في السطوة على مركز القرار, وتسبب في عملية انحراف خطيرة في جسد الأمة, وكان هدف الحكام أن تموت روح الآمة, ويتحول المسلمون لمجرد أغنام تتبع السلطة لا تناقش ولا تفهم, وهكذا عمدوا على تربية الأمة وتكريس الأحاديث المختلقة والإسرائيليات عبر اليهود, الذين دخلوا فجاء للإسلام بعد رحيل الرسول الخاتم(ص), ليتم تسليمهم المساجد للخطابة والتفسير أمثال كعب الأحبار, فكانت ثقافة الطاعة العمياء للسلطة هي ما يتم تكريسه.
فجاءت حركة الحسين العظيمة لتبين للناس أهمية الثورة على الظلم, وان الحكام ليسوا خلفاء الله في الأرض بل يجب الخروج على كل ظالم, وبهذا نسف الإمام الحسين ما تعب عليه خط السقيفة على مدى 50 عاما, وحصلت بعد شهادة الإمام الحسين ثورات كثيرة كلها رفعت شعارات الحسين كمبادئ لتحركهم, وأصبح لخط المعارضة تأثير كبير في الأمة.