لله عبر تاريخ طويل لم يكن في غالب الحال سوى صوت الضعف والخوف والجهل والطمع في نفوسنا، لم يكن أكثر من صوت التبرير بدواخلنا، الله كان اعظم استراتيجياتنا..
نخاف الحياة ومجهوليتها ووحدتنا فنصرخ مناديين بإله ينقذنا ويبرر لنا كل ذلك، نخاف من تلك العدمية التي قد تنتظرنا في حال موتنا ورحيلنا فنتوق لاختلاق ذلك الله الكريم الذي يرحب بنا على حياة أخرى أبدية واكثر ديمومة، واكثر إنصافاً من هذه الحياة القصيرة التي لم نعش فيها سوى ما يرغمنا على الشعور بالظلم وعدم الكفاية، نشعر بالضعف على هذه الحياة فنلجأ لاختلاق كائن اكثر قوة منا، واعلى منا بقوته وقدرته ليوفر لنا الحماية والأمان، ويعوض بدواخلنا ذلك النقص المغروس بنفوسنا منذ الولادة، منذ تلك الصرخة الخائفة التي اعلنها منذ اللحظة التي قدمنا فيها على هذه الحياة، وتلك الحاجة النفسية التي تتوق إلى وجود ما هو اعلى واقوى، إلى وجود ما هو أكثر أبوية وأمومية، إننا نسقط حاجتنا الناقصة للأبوة والأمومة في آلهتنا أيضاً، وخاصة في عصور الذكورية نسقط ذلك الأب القوي الباطش الحامي المتربع في اعلى درجات الأعالي حيث يمكنه فرض سلطته وحمايته لنا، نشعر أيضاً بالطمع وبالحاجة إلى تبرير أطماعنا فنجعل الله هو الماركة المقدسة لكل أطماعنا وتبريراتنا الجشعة، سوى تلك الأطماع الدنيوية التي نفترضها بسم الله بكل الحيل والأساليب الملتوية، أو تلك الأطماع الأخروية التي افترضتها أحاسيسنا التي تشعر بأنها لم تنل من الحياة ولن تنال منها ما يكفي لسد رمق حاجتها وأطماعها، فتضطر لاختلاق تلك العوالم المتخمة بالملذات الأبدية الوفيرة التي افتقرت لها هنا في عالم النقص، في عالم لا يتساوى فيه الجميع، وتشبع فيه حاجات الجميع.
شعرنا بالظلم فاختلقنا الله العادل الذي سينصفنا تجاه كل ظلم نلاقيه في هذه الحياة، سينصفنا من الحياة التي ظلمتنا وممن ظلمونا عليها، سوى كان ذلك الإنصاف هنا على هذه الدنيا ام على تلك الدنيا الأخرى العادلة، التي ستتبخر المظالم فيها عن نفوسنا المرهقة. شعرنا بالجهل تجاه وجودنا وتبرير وجودنا وتجاه كل شيء على هذه الحياة فكان الأسهل لنا أن نجعل فكرة الإله هي المبرر لكل شيء وهي الجواب لكل سؤال صعب.. متعب.. مرهق.. محرج، من الممكن أن نواجهه على هذه الأرض.
ما أكثره هو الله في دوافعنا الظاهرة والباطنة، أن الله يتجلى أيضاً في نزعاتنا الغريزية في العنف، فنبرر به كل توتر في أعصابنا المشدودة، وانفعالاتنا المرتفعة، بكل عنف تاريخي مر الإنسان به، نبرر به كل اضطهاد وتسلط تاريخي كان من شأنه أن يحسب من ابشع الجرائم وأكثرها حقارة لولا ذلك الرداء الإلهي والمقدس الذي البسناه وبررناه به، ما أكثره فعلاً هو الله في حياتنا النفسية والنفعية، ما أكثره إلى ذلك الحد الذي بكل تصرفاتنا واقترافاتنا ومصالحنا بسمه نكاد نعلن أنه لم يكن موجوداً يوماً .. أليست كل هذه التناقضات والتلفيقات التي نجعله مبرراً لها تجعلنا نقر بذلك، ونعلن ذلك، بل ونقسم بذلك.. أليس كل قاتل ديني.. وكل سفاح ديني.. وكل سياسي ديني.. وكل عدو ديني؛ يصرخون ويعلنون لنا ألَّا وجود لله إلا في مصالحهم ووحشياتهم.. !
لم يكن الله عبر التاريخ وكل التاريخ إلا تلك الكلمة التي لحقتها الكثير من الدماء، والكثير من الأطماع المسلوبة، والكثير من التبريرات الفقيرة من كل منطق حقيقي وعلمي. ربما كان الله يوماً ما هو رؤيتنا الطفولية والبريئة والنفسية تجاه الحياة، لكنه سرعان ما تحول في نفوس البشر إلى سلاح إلى مبرر لكل شيء، وحينما أقول لكل شيء فأنا أعني كل شيء.