عفوا للتعبير، لكن المرء يحتار في البحث عن أشهر عدّامي التاريخ. هناك أسماء كثيرة تقفز فورا إلى الذاكرة وتقفز معها الحيرة في المفاضلة والمقارنة. ونحن، صحافيي القرن الماضي، كان علينا أن نتابع من خلال العمل المهني اليومي، وليس من خلال ترف الفضول، أخبار مجموعة من أبرز الأسماء في عموم التاريخ.. صاحب كل اسم أحاط نفسه، مثل جميع من سواه، بهالة قدسية خارقة. وقد قال ملك كمبوديا نوردوم سيهانوك عن سفاح بلاده بول بوت إنه كان كافرا بالذات الإلهية، لكنه يؤمن بأن العناية الإلهية بعثت به لتزعُّم البلاد.
يراوح عدد قتلى بول بوت خلال عقد السبعينات ما بين مليونين وخمسة ملايين رجل وامرأة وطفل. 200 ألف إلى 300 ألف هو عدد رفاقه في الحزب الشيوعي الذين أصدر أمرا مباشرا بإعدامهم. الأوامر الأخرى شملت جميع المثقفين ورجال العهد الماضي وزعماء الطوائف بلا استثناء، ووصل الأمر إلى إعدام كل من يضع نظارات طبية بيضاء لشبهة أنه قد يكون من المثقفين.
كان ماو تسي تونغ هو المثل الأعلى لبول بوت. وفي «الثورة الثقافية» التي شهدتها الصين عام 1966 تقول الأرقام الرسمية إن عدد القتلى جاوز المليونين. وكان هؤلاء أيضا من رجال النخبة أو محبي الموسيقى، أو الراغبين في قراءة الآداب الأجنبية. أراد ماو أن يبدأ تاريخ الصين من لحظة وصوله. وأما بول بوت فقد أعلن عام 1975 «العام صفر»، ومعه يبدأ تاريخ «كمبوديا الديمقراطية». ومن أجل ذلك أفرغ المدن من الناس وهجَّرهم تحت تهديد السلاح إلى الأرياف والحقول. منهم من أعدم مباشرة في حلقات جماعية، ومنهم من أُعطوا كميات قليلة من الأرز يعيشون عليها، فماتوا من المجاعة والأمراض والأوبئة.
تحولت كمبوديا في عهد بول بوت إلى مقبرة جماعية مفتوحة. ولم يبقَ يومها سوى أن تعلن فيتنام الحرب على رفيقها الشيوعي لتُسقط أحد أغرب الأنظمة في تاريخ العالم. ولم يبقَ له من معين سياسي سوى الصين، ففر إلى الأدغال يكمل حربه ضد الفيتناميين وضد شعبه ورفاقه، إلى أن توفي على سرير المرض في كوخ ريفي بعيد، قبل أن يكمل السنة الرابعة من الحكم.
في حين أن ليس من رقم دقيق لقتلى وموتى بول بوت، فإن الأمم المتحدة قد سجلت أرقام الذين فقدوا أطرافهم خلال ثورته الزراعية، وتصفير العدّاد، ومحاولة إقامة مجتمع خيالي، الحقيقة الوحيدة فيه هي الجنون والدماء. تعتز كمبوديا اليوم بأنها أكبر بلد لفاقدي الأطراف في العالم. ومن العبث طبعا أن يبحث الفاقدون عن الأطراف الضائعة، أو السنوات الضائعة، أو الأرواح الضائعة، التي قضى عليها رجل واحد لم تكن له سوى هواية واحدة: الإعدام.
الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :