في مؤتمر ميونخ للأمن قالت المسشارة الألمانية ميركل بوضوح وشفافية أنه يجب على المسلمين ومؤسساتهم الدينية وعلمائهم إيجاد فاصل واضح بين الإسلام والإرهاب الإسلاموي وأن مسؤولية محاربة الإرهاب تقع على المسلمين أولا .
هذه الدعوة سبقتها دعوات مشابهة كثيرة في الغرب وهي دعوات حقيقية لضرورة الإصلاح الديني ولعل كلام ميركل أكثر دقة حين قالت بضرورة توضيح الفارق وإيجاد فاصل واضح وهنا يكمن مربط الفرس حيث لم تقم أية مؤسسة دينية ولا هيئة من الهيئات الرسمية بإيجاد خط فاصل بين الإثنين وما زالت النصوص الدينية متداخلة يستخدمها المعتدلون والمتطرفون بنفس الفهم في كثير من الأحيان واختلافات في الرؤى والتأويل في أحايين أخرى ومن اللافت أنه لم تقم جهة إسلامية بإيجاد صيغة للإسلام الحقيقي ثم نبذت ما عداه من إسلامات إن صح التعبير بمعنى أوضح لم تقم مؤسسة دينية نافذة كالأزهر أو هيئة علماء المسلمين بإيجاد شكل محدد غير مميع لهذا الدين ثم أمرت بأن ما عداه فهو كفر ولا يمثل هذا الدين ولذلك نجد أن الأزهر قد رفض تكفير الدواعش ما يجعل المطلب الغربي بضرورة وضع خط فاصل غير قابل للتطبيق .
دعوة ميركل مثلها مثل غيرها قوبلت بردود تسطيحية من جانب الإعلام والمؤسسات العربية والإسلامية وظل النقاش يدور حول استخدام مصطلحات غير مناسبة من قبل الغرب مثل الإرهاب الإسلامي أو الإسلام الراديكالي دون الولوج إلى عمق المشكلة وإيجاد حل لها والتفكير بجدية إزاء هذه الدعوات و على جانب آخر نجد أن بعض المؤسسات الإسلامية قد عزفت إسطوانتها المشروخة حول تآمر الغرب على الإسلام و أنه لا يحق لهم التدخل في عقيدة المسلمين وما إلى ذلك من هذه الإسطوانات التي رافقت قديما دعوة أمريكا بضرورة تغيير المناهج في العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي لم تثمر شيئا وظلت تلك المناهح كما هي تدرس ثقافة العنف وإلغاء الآخر بكل أريحية ويسر .
رغم أن الضحايا الأكبر للإرهاب الإسلاموي هم من المسلمين حيث تستهدف الإنفجارات أسواقهم ومتاجرهم بل وأحيانا مساجدهم إلا أنهم مصرون ألا يقدمو أي جديد في مجال مكافحة الإرهاب لا على مستوى الفكر ولا حتى على مستوى محاربته عسكريا بشكل جدي سوى صفقات عسكرية مع الغرب كما فعلت دول الخليج بانضمامها للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب حفاظا على ماء وجهها من جهة وخوفا من تضعضع كراسيها من جهة أخرى .
علينا كمسلمين قبل أن نردد أسطوانتنا المكررة في وجه الغرب حول وجود إسلام حقيقي وإسلام مزيف أن نسائل أنفسنا ما هو الخط الفاصل بين إسلام داعش وإسلام ابن تيمية والذي ما زلنا نسميه بشيخ الإسلام وما هو الخط الفاصل بين إسلام داعش وفقه أحمد ابن حنبل الذي يبيح قتل تارك الصلاة وما هو الخط الفاصل بين إسلام داعش وفقه الجواري الذي ما زال يدرس في مناهج الأزهر بما فيه جواز سبي النساء في الحروب والغزوات .
نحن لا نواجه المشكلة بجدية ونلف وندور حول الموضوع ونبتعد عن الجذر والأساس فالمنظمات المتطرفة لم تأت من فراغ وشيوخ الجهل والفتاوى لا يعيشون في كوكب المريخ بل يطلون علينا عبر الفضائيات الكثيرة ليفرغو علينا قيح أفكارهم كل يوم ورواتبهم هي عشرة أضعاف رواتب علماء العلوم التجريبية والأطباء والمهندسين أو المخترعين الذين يحلمون بربع رواتبهم لتمويل مشروع اختراعهم الذي قد يفيد البشرية جمعاء .
الأزمة عميقة وهي أزمة فكر بالدرجة الأولى ولا يمكن محاربة الإرهاب عسكريا فقط ما بقيت مناهجنا وإعلامنا تنتج الإرهاب كل يوم وكما يقول بعض المثقفين السعوديين المتنورين أن وزارة التعليم عندنا تصنع الإرهاب ووزارة الدفاع تحاربه وفي كل الأحوال فإن المؤسسات الدينية قد أصابها الجمود والحالات الفردية من المتنورين تنتهي بالقتل أو الحبس وكل ما قدمته هيئة علماء المسلمين أنها أفتت في القاهرة أيام مرسي بفتح باب الجهاد في سورية فتكالب على إثره كل غثاء الأرض عليها حتى تركوها قاعا صفصفا من الدمار وفي المحصلة وكما هي المقولة الشهيرة إذا أردتم إنهاء الذباب جففو المستتقعات .