علي الأمين السويد ـ الحوار المتمدن
اصبحت الإشاعة مادة سورية بإمتياز بعد أن انتشرت بكثافة مخيفة حتى بات على المحلل أو المهتم بالشأن السوري أن يستقرء عشرات المصادر المعلوماتية و الاخبارية ليتمكن من الوقوف على شيء من الحقيقة. و عملاً بالمبدأ القائل “الهجوم خير وسيلة للدفاع” نجد أنه من المفيد اقتحام هذا البعبع الاعلامي المسمى الاشاعة لنتعرف على الإستراتيجيات المتبعة في ترويجها بعد تعريفها و من ثم تلمس طرق كشف صدقيتها.
مــــاهي الإشــــاعة؟
هي رسالة ترمي الى اقناع جمهورٍ ما بهدف دفعه للإعتقاد أو التصرف بطريقة يرغب بها مصدِّر الإشــاعة. و بناء عليه فإن الاعلانات التجارية تدخل تحت تصنيف الاشاعة اكاديمياً. و قد تكون الاشاعة سلبية أو إيجابية و لكنها في الاثنتين تهدفان الى اقناع المستهدف بما تحويه من معلومات يراد ايصالها عبر الوسائط الاعلامية المتاحة. أما دورة حياة الاشاعة فهي متبدلة في طول العمر و الأهمية و ربما تستمر لفترة طويلة، و قد تختفي فجأة، و أكثر الاشاعات خطورة تلك التي تستخدم في زمن الحروب و الإضطرابات.
هنـــالك عدة استراتيجيات متبعة لبث الإشاعة نذكر منها:
أولاً ـ استراتيجية التأكيد المجرد
يعمد المعلن أو مروِّج الإشاعة الى الاعتماد على التأكيد المجرد على أن ما يقوله هو الحقيقة دون تقديم أدلة أو مسوغات تدعم تأكيداته. كأن يقول: “أؤكد لكم أن هذا المنتج هو من أفضل المنتجات على الإطلاق” دون أن يقول لماذا. وكمثال لاستخدام الإشاعة في الثورة السورية مثلاً هو حين يتحدث ممثل للنظام قائلاً بأن قيادته تؤكد بأن سوريا تتعرض لمؤامرة كونية. وهذا النوع من الإشاعات يعتبر بسيطاً و يمكن التأكد من صدقيته أو عدمها ببساطة ولا يتمسك بسيئها إلا صاحب مصلحة.
ثانياً ـ استراتيجية اللحاق بالقطيع (الإمعة)
يحاول مصدّر الإشاعة اقناع الآخرين بوجهة نظره بالإعتماد على فكرة أن “الجميع يفعل ذلك”. و هذه الطريقة تنجح مع شرائح عريضة من الناس الذين يؤمنون بأنه من غير المعقول أن يجتمع الناس على شراء هذا أو ذاك الجهاز على سبيل المثال و هم مخطئون في ذلك، أو أن يتبنوا الايمان بشئ أو الكفر بشيء آخر دون أن يكونوا مصيبين، ولهذا يفضل أن يسري عليه ما يسري على الجميع و هذا تعريف آخر للإمعة. و كمثال على هذا النوع هو موقف المحايد السوري الذي يقول: ” الناس تقول بأن ما يجري في سوريا فتنة.” و لمحاربة هذا النوع من الإشاعات يكفي تقصي الحقيقة و التحقق من الامر بسؤال عينات عشوائية من بعض هؤلاء الناس الذين تم الادعاء بأنهم يفعلون ذلك الأمر.
ثالثاً ـ استراتيجية الغــــلاف البـــــرَّاق
وتقضي هذه الطريقة بذكر إيجابيات المنتج حصراً و التي قد تكون حقيقية مع اغفال ذكر باقي الصفات التي عادة ما تكون جملة من السلبيات المخيفة. ومن أمثلة هذا النوع من الإشاعات هو حين يقدم مروّج منتجه على انه ذو مواصفات متطورة و رخيص الثمن، و عند استعماله و بعد التورط بدفع ثمنه يتضح انه لا يساوي ربع ثمنه. و تطبيق هذا النموذج على الوضع السوري يتجلى في دعاوي الحوار مع النظام التي يطلقها البعض ممن يلمِّعون أهدافهم بأغلفة براقة. ولاكتشاف زيف هذه الاشاعات يحتاج المرء للقيام بوضع الاشاعة في مختبر المنطق و تحت مجهر مقايسة التجارب.
رابعاً ـ استراتيجية تلميع العموميات
يقوم مروج الاشاعات باستخدام مفردات دبلوماسية تحمل معان إيجابية دون تصريح واضح لما يريده بشكل جلي كأن يدعي المعلن أو المروِّج بأن منتجه “عالمي” أو “يراعي مختلف الأذواق”، و كمثال للتوظيف الاشاعة في الحالة السورية مثلاً نجد ما روّجه النظام عن “الاصلاحات” والتي طبلت و زمرت لها الحكومة. و للنجاة من هذا الفخ ينصح بتحليل كل مفردة على حدى و تقليب أوجه معانيها الإيجابية و السلبية.
خامساً ـ استراتيجية أفضل السيئين ( أحلى المرين)
هذه الإشاعة قد لا تستخدم في ترويج البضائع الا عند الاضطرار، و لكنها مفضلة الأنظمة الديكتاتورية فهي تضع الجمهور في دائرة الاختيار بين أمر سيء و أمر أسوأ. فإما أن يتم اختيار القبول بالنظام الراهن و المعروف بسيئاته و بحسانته، أو أن يتم اختيار نظام آخر. و قد جربت هذه الإشاعة من قبل كل الانظمة العربية الساقطة ماديا و معنوياً حيث ثقب الحكام آذاننا وهم يقولون :”إما نحن أو الإرهاب”. و لدحض مثل هذه الإشاعات يتوجب تحديد الخيار الذي يرغبه المتلقي بعيدا عن ثنائية المروِّج أو صاحب الإشاعة.
سادساً ـ استراتيجية التشهير
و تعتمد هذه الطريقة على استخدام لغة إزدرائية تحوي مفردات سوقية و نابية جداً لوصف الخصم. و يهدف هذا النوع من الإشاعات لخلق حالة من التجييش الجماهيري ضد المُشهّر به وقد تمت ملاحظة انتشار هذه التقنية في بث الإشاعات من خلال استهدافها ناشطين في الثورة و في الموالاة. و للكشف عن حقيقة دعاوي هذه الاشاعة ينصح بتحليل المعلومات و اعمال المنطق فيها و ربما سؤال المستهدف بالاشاعة أو أحدا من حوله عن حقيقتها.
سابعاً ـ استراتيجية تحييد العدو
يستخدم هذا النوع من الاشاعات في حالات الحروب و الاضطرابات حيث يتجه المروِّج الى الخروج بمظهر الجهة العادلة و المتوازنة التي تحرص على عدم الوقوع في فخ التعميم فيقوم بتصنيف من هم حوله و تسميتهم ثم يقوم بالتركيز على فئة بعينها يسميها ويضع مساؤئ العالم كله فيها ليسوغ لنفسه شن الحرب عليها و ليبرر أعمال القمع و الارهاب بحق باقي الفئات بحجة أنه يحارب تلك الفئة. وهذا كان واضحاً في سوريا حين قام النظام بتصنيف المعارضة كجماعات بعضها محق في طلباته و لكنها تحوي في طياتها جماعات ارهابية مندسة تهدف الى ضرب المقاومة و الممانعة و تقسيم سوريا. وهو إذ يشن حربه فإنما هو يقاتل هذه الجماعات المندسة فقط لا غير.
ثامناً ـ إدعاء تبني أفكار العامة
يعمد مروّج الإشاعات الى محاولة إقناع الجمهور بأنه يحاول إيصال قناعات العامة و أنه إذ يتحدث فإنما يتحدث من زاوية تأمين مصلحة هذا المواطن البسيط أو المسكين. و قد يعمد المتحدث لإستمالة جمهور بإستخدام وسائل جانبية كإستخدام لهجة الجمهور أو تقليدهم في اللباس أو مديح رموز تخص هذا الجمهور. فمثلاً يقوم أحد ضباط النظام بالتجييش الطائفي من خلال الاجتماع ببعض المؤيدين و الحديث باللهجة العامية عن رمز ديني مشترك كـأمير المؤمنين علي بن ابي طالب أو الصحابي الحسين بن علي رضي الله عنهما.
تاسعاً ـ استراتيجية التبسيط و القولبة المسبقة
ويقوم المروج لهذا النوع من الإشاعات بالاشارة الى أفراد بعينهم أو مجتمعات معينة بأنها تتصف بصفات معينة و أن تلك الصفات مسلمٌ بصدقيتها و لا يمكن لأحد من تلك المجتمعات الا أن يكون حاملا لتلك الصفات دون أن يكون قد اختبر هذه الجماعات بشكل شخصي. وهذا النوع من الإشاعات يعتبر من أشهر الإشاعات على الإطلاق، و يعاني العرب و المسلمون كثيراً من هذا النوع. فيعرف العربي في الغرب على أنه ” ثري و شبق جنسياً”. و يتم الإشارة الى المسلم على انه إرهابي حتى و لو كان ملحداً. و بنفس الطريقة ينظر العرب الى الغرب بشكل و يتعامل معهم على أساس أنهم بلا أخلاق اجتماعية و أنهم كفار.
عاشراً ـ استراتيجية الإستشهاد بالمشاهير
يجد المروّج للإعلان أو الاشاعة ضالته في الاستشهاد بأقوال بعض المشاهير المؤيدة لما يريد ان يقنع به جمهوره بحيث يحقق غايته في الترويج حتى و لو كان ما ينسبه الى ذلك المشهور كذباً. فمثلا عندما يريد أن يقنع منتج للعطور بأن عطره مميز يذكر أن نجما سينمائياً أو غيره يستخدم هذا العطر. أو مثلا حين يتحدث النظام بثقة تامة، و هو كاذب، أن ضرب سوريا من قبل الغرب هو تقوية للقاعدة ، و هذا ما يمكن أن يجعل الغرب، حسب ظن النظام، يفكر في اعادة حساباته. و لكشف حقيقة هذه الاشاعة ينصح بالنظر الى المشهور المؤيد لترويج تلك الاشاعة على انه شخص عادي وأن يعاد تقييم الاشاعة بالطرق السابقة.