خطر إرهاب القاعدة هو حديث اليوم والحدث في العراق وسورية. وثمة من الحكام من يطرحون، ولحسابات سياسية وشخصية، أنفسهم أبطالا في مكافحة القاعدة، بينما هم من أبطال تشجيع الإرهاب.
الفرع الإرهابي من الإسلام السياسي بدأ مع نشأة الإخوان المصريين، الذين نفذوا في الأربعينات سلسلة عمليات اغتيال سياسية، وقاموا بمحاولة قتل عبد الناصر نفسه، بعد فترة من شهر العسل. هذه حقائق معروفة للجميع، ومعروف أن العقيدة الإخوانية القائمة على العنف تتوجت مع سيد قطب، الذي تخرجت على أفكاره وأفكار المودودي أجيال من الإرهابيين، من سعوديين ومصريين وباكستانيين وغيرهم. والخمينية استقت الكثير من القطبية، كما كتبنا مرارا. ونظام الخميني مارس عمليات إرهاب الدولة منذ قيامه، كخطف الرهائن الأميركيين، وتفجيرات مكة والخبر والكويت ولبنان، والتي كان لحزب الدعوة ضلع في أكثرها. ونظام الفقيه هو من قام بخطف الطائرات، ومن أبرز مخططي ومنفذي عمليات الإرهاب الإيرانية هذه في الثمانينات المدعو أبو مهدي المهندس وعماد مغنية. وفي الكويت، ومع سلسلة من التفجيرات الإرهابية، كشفت السلطات رسميا في حينه الحقائق عن دور الحرس الثوري وعلاقتهم بالإرهابيين المنفذين، مع ذكر أسمائهم. ونظام الفقيه هو من اغتال القائد الكردي قاسملو وشابور بختيار. كل هذا قبل ظهور القاعدة رسميا في أواخر الثمانينات.
هذه حقائق تذكر، ونحن نرى في العراق محاولات ومناورات لتجزئة المقصود بالإرهاب الإسلامي، وتجزئة الكفاح ضده. فالسيد الملكي يتحدث ليل نهار عن القاعدة ” السنية” وحدها ويسكت عن الإرهابيين الإسلاميين الشيعة في العراق، الموالين لإيران، من أمثال كتائب أهل الحق وكتائب اليوم الموعود وتنظيم بدر ومليشيا حزب الله البطاطي، وهي مليشيات تمارس القتل والتطهير الطائفي، وفي نوع من “تقسيم العمل” مع القاعدة.
إن هؤلاء مقربون من السلطة، ولا يمسهم احد، بل من زعمائهم من يشغلون مناصب مهمة في الدولة.
وحين تنفجر عشر سيارات مفخفخة مرة واحدة في بعداد، فمن الواجب التساؤل عن كيفية إمكان وصول القاعدة- المتهمة وحدها- برغم الحواجز والانتشار العسكري والأمني والجيوش الجرارة لما يسمى بالحرب على داهش في الأنبار. كيف أمكن للقاعدة اختراق كل تلك الجيوش والحواجز وأجهزة الكشف والرصد؟؟ وهل نسينا تصريحات موظف سابق في السفارة السورية ببغداد، إذ اعترف بان السفير السابق كان يشرف على تصدير السيارات المفخفخة من الباب الخلفي للسفارة؟ فلم لا تكون سفارة ما أخرى تفعل الجريمة نفسها لتثبيت الفكرة بأن القاعدة تلتهم العراق كله، وأن على المجتمع الدولي دعم حكومة المالكي وتسليح قواتها في وجه خطر الإرهاب وتهيئته لولاية ثالثة؟
إن محاربة القاعدة وكل تنظيم إرهابي دموي مماثل ، سنيا أو شيعياـ واجب وطني مقدس، ولابد من تكاتف كل الوطنيين العراقيين لمحاربته ودعم القوات العراقية حين تقوم حقا بهذا الواجب الملح. ولكن محاربة الإرهاب الإسلامي لا تتم بالجانب الأمني وحسب، برغم أهميته. ونعرف أن سنوات 2008 و2009 و2010 شهدت تحسنا في الوضع الأمني في الحرب على القاعدة وذلك بفضل زيادة القوات الأمريكية وقيام الصحوات ” السنية” في غرب العراق، ولكن المالكي فرط بتلك النجاحات بممارسة سياساته الطائفية والاستبدادية. ومع مظاهرات واعتصامات الأنبار، راح يهاجم أهاليها ويعتبر حركاتهم السلمية ” فقاعات”، رغم اعترافه مرة بأن لهم مطالب مشروعة. وقد ظل يماطل ولا ينزل عن بغلة العناد وعن سياسة التمييز، متهما أهالي الأنبار بالإرهاب القاعدي، ومستغلا تلك التحركات لتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين من أهل السنة. ثم كان ما كان من هجوم عسكري دموي على الاعتصام، وتراجع القوات واستغلال القاعديين الفراغ لدخول بعض المدن الغربية وتهديد أمن سكانها والأمن العراقي. ولحد اليوم، لا يكف حاكم العراق عن إعلان رفض الحوار لبحث تلك المطالب وتلبية ما هو مشروع منها، كإطلاق سراح الأبرياء، ولاسيما من النساء، والعناية بمناطق الغرب العراقي، كما يجري مع المدن الشيعية، والكف عن الاعتقالات الاعتباطية وعن مساعي التطهير المذهبي.
إن مكافحة الإرهاب الإسلامي لا تتم بقمع الحريات، ولا باعتبار العلمانية عدوا للإسلام والعراق، ولا بالتطهير الطائفي لمناطق سنية، ولا باحتضان مليشيات شيعية مسلحة تقتل وتخرب بلا محاسبة، ومن ذلك الحملات الدموية المتتالية على لاجئي أشرف وليبرتي والتهديد باكتساح ساحات الاعتصام الغربية. ومن يدري، فلعل لبعض هذه التنظيمات دورا كبيرا في ما يجري من تفجيرات في بغداد ومدن أخرى، وهو ليس بالأمر المستبعد بعد أن عرفنا أن إيران كانت من وراء تفجيرات سامراء.
إن مكافحة الإرهاب تستدعي سياسات مصالحة بناءة، وانفتاحا على كل فئات الشعب، وممارسة سياسة المواطنة والمساواة، واحترام الحريات وحقوق الإنسان، والتخلي عن الركض وراء المصالح والحسابات الإيرانية في العراق وسورية. وإن السياسات الطائفية التي مارستها الحكومة تحت شعار “أتباع الحسين” في وجه “أتباع يزيد”، و” بيننا بحار من الدم”، واحتقار البرلمان، والتهجم على كل الأطراف من وقت لآخر، واليوم على السيد عمار الحكيم لطرحه مشروعا لحل قضية الأنبار والمصالحة، وغير ذلك من مواقف، وأخرها اعتبار الانتفاضات العربية “وباء!!”؛ كل هذا ساهم ويساهم في تشجيع الإرهاب الإسلامي، بمذهبيه. وإن التصحيح يجري بتغيير السياسات وخضوع الحكام للمساءلة البرلمانية، وليس بكثرة الطائرات الهجومية، التي قد تقصف كردستان يوما ما لو استمر على هذا المنوال التدهور السياسي ومنهج استفزاز الآخرين وتوجيه الاتهامات الباطلة إليهم.
إن مشاكل العراق لا تنحصر فقط في محاربة القاعدة، التي قال لنا المالكي سابقا إن ضربات قاصمة وجهت لها. إن مشاكل العراق هي كارثة المحاصصة الطائفية، ونهج الاستبداد، والفساد، والدستور المتناقض، والفقر، وملايين الأرامل والأيتام، والتراجع التربوي، والتمييز الطائفي، وقمع الحريات؛ وهي أيضا خطر القاعدة، وإرهاب المليشيات الشيعية التي يجب نزع سلاحها واعتقال من مارسوا جرائم القتل من أفرادها، وهي في ممارسة سياسة خاضعة للتأثير الإيراني. إن المطلوب معالجة هذه المشاكل الكبرى مجتمعة، وليس اختزال كل شيء في الإرهاب القاعدي، ” السني” مع تعمد تناسي الإرهاب ” الشيعي”، الذي هو الوجه الآخر للقاعدة. إن محاولة المالكي والأسد وإيران وروسيا، وحتى أوباما، في اختصار مشاكل سورية والعراق والمنطقة في القاعدة تعني التهرب من معالجة جذور المشاكل، وتعني السماح للطغاة والمستبدين وحتى الإرهابيين بفعل ما يشاؤون على حساب مصالح الشعوب وأمن المنطقة. إنها لسياسة خطرة للغاية، بل كارثية..
المصدر ايلاف