تحركت قوات الأمن في مصر بشكل حاسم لازالة مخيمات احتجاج الاخوان المسلمين في القاهرة متسببة في سفك دماء نجمت عن مواجهات يومية بين انصار “الاخوان” والمعارضين اذ بعد ستة اسابيع على الاطاحة بالرئيس محمد مرسي, لا تزال مصر منقسمة على نفسها بعمق وعنف – والسياسة الاميركية مترددة وغير حاسمة.
لكن مع ان الارتباك او التردد ليسا أمرا جديدا على ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، فإن هذا ليس المكان المناسب لترتبك فيه هذه الادارة او ترتكب اخطاء ستراتيجية, يجب ان نحدد بالضبط ما اولويات الولايات المتحدة في ضوء اهمية مصر الستراتيجية, وامكانية ممارسة اعمال عدائية يطول امدها هناك بين متقاتلين مسلحين.
من خلال تحديد مصالحنا, يمكننا ان نركز طاقاتنا ومواردنا على النهوض بهذه المصالح بطرق عملية, وتجنب المناقشات الاكاديمية حول قضايا لا يمكننا ان نؤثر فيها أساساً بشكل ملحوظ. وبسبب محدودية مواردنا, علينا ان نركز اهتمامنا ووقتنا السياسي وقدراتنا الاكثر واقعية على المكان الذي يمكن ان تعمل فيه هذه الامكانات بشكل أفضل.
أولاً: استمرار التزام مصر باتفاقيات “كامب ديفيد” للسلام مع اسرائيل عام 1979 امر ضروري, وكان قرار انور السادات الشجاع بالتفاوض المباشر مع اسرائيل حاسماً, ليس فقط لاعتماد هذه السياسة الاميركية في الشرق الاوسط عموماً, بل ايضا للتحول الكبير في مصر, بعد وفاة الديكتاتور جمال عبدالناصر, والابتعاد عن الاتحاد السوفياتي. تغير ولاء السادات كان بمثابة ثغرة استخدمتها الولايات المتحدة لتقويض نفوذ موسكو الاقليمي الواسع, وكان مؤشراً مبكراً على ان الحرب الباردة كان يمكن كسبها تماماً.
في عام ,1981 اغتال الاخوان المسلمين السادات بسبب مشكلاته معهم, وهو ما يعكس ان جماعة “الاخوان” في ذلك الحين, كما هي الحال اليوم, ازدرت فقط القادة المصريين الذين يسعون الى تحقيق السلام مع اسرائيل, ولو ان مرسي استمر فترة اطول قليلا في مكتب الرئاسة لكان من المرجح ان يلغي اتفاقيات “كامب ديفيد” تماماً. إن الغاء تلك المعاهدة قد يقلص نفوذ الولايات المتحدة في جميع انحاء الشرق الاوسط, ويجدد الفرصة لمناهضة الولايات المتحدة ولمعاداة اسرائيل من متشددين, بالاضافة الى التهديدات التي تتعرض لها الانظمة العربية الصديقة, والتي هي على استعداد للتعايش مع معاهدات السلام المصرية والاردنية مع اسرائيل. لا نخطئ في هذا, فإذا اعتبرت واشنطن معاهدة “كامب ديفيد” مفروغا منها فستختفي وبسرعة.
ثانيا: تدير مصر قناة السويس الحيوية اقتصاديا. واذا حظر المرور كما حصل في ازمة قناة السويس في العام ,1956 او بعد حرب الايام الستة العام ,1967 فإن اوروبا واميركا لابد ان تعانيان, وكذلك مصر ستعاني. ان سنوات عدم الاستقرار الداخلي بالفعل في شبه جزيرة سيناء وفرت ملاذا للارهابيين ودمرت الاقتصاد المصري, من حيث الاستثمار الاجنبي وتراجعت ايرادات السياحة, وحتى يستعاد الاستقرار السياسي, فإن الناتج المحلي الاجمالي للبلاد لابد ان يستمر في التآكل, ما يتسبب في افقار المجتمع بأسره وزيادة في اضعاف التماسك الاجتماعي الضعيف أصلاً.
ما تحتاج واشنطن الى فعله واضح. سياسة الولايات المتحدة ينبغي ان تركز فقط على دعم القادة المصريين الملتزمين بشكل لا لبس فيه باتفاقية “كامب ديفيد” نظراً الى ظروفها واهميتها الاقليمية الاوسع على حد سواء. ويجب علينا مساعدة أولئك الذين يضعون أولوية قصوى لاصلاح الاقتصاد المصري الضعيف بشدة, وتأمين الالتزامات الاقتصادية الدولية ولاسيما المرور الآمن عبر قناة السويس.
الجيش في مصر والعناصر “المؤيدة للديمقراطية” يدعمان “كامب ديفيد”, في حين لا يفعل “الاخوان” ذلك. فليس هناك, وفقاً لهذا, اي سبب يدعونا لمناصرة جماعة الاخوان المسلمين بما في ذلك ضمن “تحالف” حكومي, بصراحة, او حتى الترحيب بهم في العملية السياسية على الاطلاق.
بعد الحرب العالمية الثانية, ناضلنا بلا هواجس للحؤول دون فوز الاحزاب الشيوعية في الانتخابات الاوروبية الغربية, وهناك كل ما يدعو الى تأدية الدور نفسه هنا. وهذا يعني الابقاء على تدفق المساعدات للجيش المصري, والتي جذبت منذ العام 1979 قيادة هذا الجيش وجعلتها مقربة من واشنطن. يجب ان نعالج كل المشكلات القانونية الاميركية, ونشجع أوروبا والدول العربية الصديقة ان تحذو حذونا. كما ندع ايضا للاصدقاء المصريين المرونة اللازمة في المناقشات السياسية الداخلية.
وهذا لا يعني منحهم شيكا على بياض تماما. ما يعني رفض نهج اوباما بدعم جماعة الاخوان المسلمين أساساً, التي بقدر ما هي ميليشيا مسلحة فهي حزب سياسي, وتدين الحكومة الموقتة.
ما يحدث في مصر الان ليس جيداً. فعلينا الحرص على ان جهودنا لتحسين الامور لا تسيء الى الوضع وتفاقمه, او تعطل مصالحنا الاقليمية والعالمية الاوسع.
– سفير الولايات المتحدة السابق لدى الامم المتحدة
*نقلا عن “السياسية” الكويتية .. والمقالة نشرت في “نيويورك ديلي نيوز”