بقلم بابكر فيصل بابكر/
قلت في مقال سابق إن استخدام الإخوان المسلمين للقوة كوسيلة للتغيير وللتكفير وإقصاء المنافسين والخصوم، لم يكن ناتجا عن ردة فعل للعنف الذي مورس تجاههم من قبل النظام الناصري كما يزعمون، بل هو وليد المنهج الذي وضعه المرشد المؤسس حسن البنا وبنى عليه سيد قطب من بعده.
يعتبر كتاب “معالم في الطريق” للأستاذ سيد قطب أخطر وثيقة مؤسسة للفكر الجهادي العنيف الذي انتظم في مصر والعالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن الفائت وبداية القرن الحالي. وقد كان لهذا الكتاب الصغير الحجم أكبر الأثر في نفوس قادة الحركات الإسلامية العنيفة بمختلف مسمياتها.
وكان الدكتور عبد الله عزام الأب الروحي للمجاهدين العرب في أفغانستان وأستاذ أسامة بن لادن، وهو فلسطيني الجنسية تلقي تعليمه بجامعة القاهرة في مصر، قد كتب عن المصادر التي تأثر بها وشكلت أفكاره الجهادية بقوله: “والحق أنني ما تأثرت بكاتب كتب في الفكر الإسلامي أكثر مما تأثرت بسيد قطب، وأني لأشعر بفضل الله العظيم عليّ إذ شرح صدري وفتح قلبي لدراسة كتب سيد قطب، فقد وجهني سيد قطب فكريا وابن تيمية عقديا وابن القيم روحيا والنووي فقهيا. فهؤلاء أكثر أربعة أثروا في حياتي أثرا عميقا”.
طرح قطب في كتاب “معالم في الطريق” الأفكار الأساسية التي أصبحت المحرك الأول للجماعات العنيفة
ويقول عزام إن سيد قطب “مضي إلى ربه وترك التراث الضخم من الفكر الإسلامي الذي تحيا به الأجيال، بعد أن وضح معاني غابت عن الأذهان طويلا. وضح معاني ومصطلحات الطاغوت، الجاهلية، الحاكمية، العبودية، الألوهية، ووضح بوقفته المشرفة معاني البراء والولاء والتوحيد والتوكل علي الله والخشية منه والالتجاء إليه. والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار سيد في الجهاد الإسلامي وفي الجيل كله فوق الأرض كلها، إن بعضهم لا يطلب منك لباسا وإن كان عاريا ولا طعاما وإن كان جائعا ولا سلاحا وإن كان أعزل ولكنه يطلب منك كتب سيد قطب”.
ويذكر المحامي هاني السباعي العضو السابق في جماعة الجهاد أنه سأل الدكتور أيمن الظواهري مؤسس جماعة الجهاد المصرية والرجل الثاني في تنظيم “القاعدة” السؤال التالي: ما الذي دفعك إلى تأسيس هذه المجموعة وقد كنت لا تزال طالبا في الثانوية العامة في مدرسة المعادي؟ فأجابه الدكتور الظواهري بأنه تأثر أول ما تأثر بكتابات الأستاذ سيد قطب، تأثر بمشروع قطب من خلال القراءات والكتابات البليغة والوضوح في تشريح الواقع، وقد وصف الظواهري الأستاذ قطب بأنه “مثل الطبيب الشرعي الذي يشرح الجثة بمهنية وتقنية عالية وكأنه يعرفها بأدق تفاصيلها”.
وفي كتابه “فرسان تحت راية النبي” قال الدكتور الظواهري عن سيد قطب: “لقد أكد سيد قطب مدي أهمية قضية التوحيد في الإسلام وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد أو حول لمن يكون الحكم والسلطان، لمنهج الله ولشرعه أم للمناهج الأرضية والمبادئ المادية”.
وكذلك يقول إسماعيل نجل الدكتور السيد إمام عبد العزيز الشريف أمير جماعة الجهاد السابق والفقيه الأشهر للجماعات الإسلامية الذي وضع كتاب “العمدة في إعداد العدة” والذي يعتبر بمثابة دستور تنظيم “القاعدة”، إن الدراسة الجامعية كانت تحولا في مسار حياة والده إلى التدين والالتزام بمزيد من المظاهر الإسلامية، وقد كوَّن مكتبة متنوعة من الكتب الدينية، وكانت بدايته بالتركيز على القراءات الدينية، وحيث أنه كان متفوقا في دراسته بكلية الطب فقد كان دائما ما يمنح مكافآت مالية ينفق معظمها على شراء الكتب الدينية التي قرأ الكثير جدا منها بجانب دراسته الأكاديمية، وكان يداوم على حضور حلقات العلم مع رفاقه في أول مجموعة من مجموعات الجهاد في مصر عام 1968، كان أبرز من في هذه المجموعة الدكتور أيمن الظواهري، والدكتور أمين الدميري، ومن أهم الذين أثروا بكتاباتهم فيه الأستاذ سيد قطب وشيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان كثيرا ما يستشهد به خلال أحاديثه.
قد طرح قطب في كتاب “معالم في الطريق” الأفكار الأساسية التي أصبحت المحرك الأول للجماعات العنيفة، وهي أفكاره حول جاهلية المجتمع وحاكمية الله والجهاد الهجومي (الغزو) الهادف لتحرير البشر والتغيير العنيف ودار الإسلام ودار الكفر.
إن فكرة جاهلية المجتمع تعطي المبرر الأساسي لتكفير جميع المجتمعات الإسلامية
يشير قطب إلى أن “وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة، فالأمة المسلمة ليست أرضا كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوما كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي، إنما الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا. ولا بد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى”.
ويعتبر قطب أن “العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية، وهذا الإبداع العلمي الفائق. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية. تسند الحاكمية إلى البشر في صورة أدعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة وفيما لم يأذن الله به”.
إن فكرة جاهلية المجتمع المستندة إلى ادعاء الاعتداء على سلطان الله وحاكميته في الأرض، كما يقول قطب، تعطي المبرر الأساسي لتكفير جميع المجتمعات الإسلامية وبالتالي تمنح المشروعية لاستخدام العنف الممنهج الذي لا يستثني أحدا سوى الذين يؤمنون بتلك الفكرة، وهو الأمر الذي رأينا تجسيده الواقعي منذ أن أسس شكري مصطفى جماعة التكفير والهجرة وامتدت حلقاته إلى أن وصلت لتنظيمات “القاعدة” والدولة الإسلامية “داعش”.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال