ثائر الناشف: الحوار المتمدن
لا يستطيع الإنسان أن يخفي دوافعه الجنسية ، مهما حاول الكبت أو السيطرة المطلقة على نفسه ، سواء انعزل داخل حجرة الدين ، أو زهد عن الدنيا بكل شرورها وآثامها ومفاسدها ، أو اعتكف في عالم اللاهوت .
فالدافع الجنسي ، دافع لا يستطيع الدين طمسه أو منعه أو حتى حصره في فئة بعينها دون غيرها ، أو تقييده بمجموعة أحكام ونصوص من فحوى الشريعة أو العقيدة ، فهو دافع ظاهر كالدوافع العضوية الأخرى، مثلما يظهر على الحيوان دون ضوابط ، يظهر عند الإنسان بضوابط اجتماعية وأخرى أخلاقية ، تختلف بين المجموعات البشرية ، وفقا لطبيعة كل مجتمع وكل عقيدة على حدا .
ينقسم الجنس في العقائد الإسلامية عموديا بين المذهبين السني والشيعي ، وأفقيا بين ما يرتبط بالمذهبين السابقين من فرق وملل ونحل ، فكل فريق أو مجموعة مذهبية طقوسها الخاصة بممارسة الجنس وتشريعه، بل وتحريمه أحيانا ضمن قواعدها الفقهية، ولدى بعضها الآخر قواعدها التي تبيح لها إطلاقه لحدود الاستباحة الكاملة .
وبالتقييم الموضوعي الشامل ، يظهر أن مفهوم الجنس أكثر تشعباً عند التيارات الشيعية، عما لدى التيارات السنية ، نظرا للتفسير الفلسفي الذي تعتمد عليه طوائف وتيارات الشيعة في فهم وإباحة العملية الجنسية ، عما هو عليه الحال لدى التيارات السنية من تقييد نسبي لها .
وقد يكون التفسير الفلسفي لدى التيارات الشيعية ، نابع من عقدة نقص مركب تجاه كل ما يتعلق بدافع الجنس ، رغم أنه دافع عضوي يشترك فيه جميع البشر في العالم على اختلاف أجناسهم وأديانهم ، وهو ما اصطلح على تسميته في العلم البشري وعوالم الطب والنفس بالدافع الجنسي .
فهذا الدافع العضوي ، يبدو أكثر إباحة لدى التيارات الشيعية منه لدى التيارات السنية ، التي تحصر مثل هكذا إباحة جنسية بالزواج العرفي أو زواج المسيار، الذي يتم بين الشريكين بعيدا عن أي ضوابط اجتماعية قانوينة أو قيود شرعية مدنية، وبفتاوى يختلف الكثير من رجال الدين السنة في تبريرها وفقا لطبيعة كل مجتمع ولمنهج كل تيار سني في تبرير أو رفض هذا الإباحة كما يبدو جليا بين التيارين الصوفي المحافظ والسلفي الشهواني.
في حين تتفق معظم التيارات الشيعية على ضرورة إطلاق الدافع الجنسي بين عوام الناس ، سواء كان منضبطا بقيود مدنية اجتماعية كالزواج العادي ، أو خارج الانضباط الاجتماعي من خلال الاعتماد على الفتاوى التي يطلقها المراجع ورجال الدين .
وأحيانا يبدو السباق محموماً بين التيارات الشيعية في إصدار الفتاوى التي تبيح الجنس ضمن ما يعرف بزواج المتعة ، وتحاول بعض الفتاوى أن تتمايز عن بعضها الآخر ، في سياق عملية تنافسية بين مراجع الشيعة في إصدار الفتاوى الإباحية ، أو ربما لخلق حالة من التمايز عن التيارات السنية ، ولا يهم إن كانت هذه الفتاوى تستند إلى ما يبررها من أحكام فقهية في النص القرآني، أو كانت بحسب التفسير الفلسفي والعقلي والشهواني لبعض المراجع الشيعية دون غيرها .
ويقترن الدافع الجنسي في العقائد الإسلامية أحيانا بأهداف سياسية ، أو قد يكون كلمة السر ، أو العصا السحرية في الوصول إلى أي هدف سياسي ، مثلما تستخدمه بعض الدوائر الاستخبارية العالمية وتبيحه في نطاق خدمة أهدافها الأمنية والسياسية ، فيصار أيضا إلى تبرير استخدامه لتحقيق هذا الهدف بين التيارات السنية والشيعية التي تتنافس أشد المنافسة على تحقيق أهدافها السياسية بأي وسيلة كانت .
ولطالما كانت الغاية تبرر الوسيلة ، فقد ظهر الميل إلى استخدام الجنس عند بعض التيارات الشيعية في سوريا ، كوسيلة لتدعيم الثقة المفقودة مع التيارات السنية ، وبنفس الوقت للتأثير عليها . فالجنس السياسي إذا جاز التعبير، كان إحدى الوسائل التي بررها نظام الأسد لنفسه اعتمادا على تفسيراته الفلسفية المستوحاة من فتاوى التيارات الشيعية التي يرتبط بها عضويا ، فمن خلال الجنس السياسي المستباح استطاع نظام الأسد الاحتفاظ بالسلطة لأطول فترة ، ومن خلاله أيضا استطاع أن يحافظ على ولاء قياداته الأمنية والسياسية والحزبية لدرجة لا يرقى لها الشك ، وهو ما تفعله بعض الأنظمة العربية الأخرى وإن كان بدرجة أقل وأكثر تنظميا وإخفاءا.
ومثلما يلعب الدافع الجنسي دوره في تحقيق الأهداف السياسية ، يلعب دورا أكبر في دعم مداخيل الاقتصاد ، من خلال عمليات الترويج السياحي التي تعتمدها بعض النظم السياسية التي تنتمي للتيارات الشيعية أو تلك التي تنتمي للتيارات السنية، فوزير الاقتصاد السوري السابق محمد نضال الشعار، كشف على موقعه الرسمي في صفحات التواصل الاجتماعي عن وجود خمسة وخمسين ألف شقة للدعارة في مختلف انحاء سوريا تعمل بترخيص وتصريح رسمي من وزارة الداخلية وأن العوائد الاقتصادية التاتجة عنها تشكل جزءاً من الدخل القومي لنظام الأسد .
وفي إيران كانت مؤسسة “أستان قدس الرضوي” وهي مؤسسة تشرف على شركات اقتصادية كبرى في إيران أعلنت عن أماكن شاغرة في مجال “مهنة المتعة” ودعت لاستقطاب فتيات ابتداءً من سن الـثانية عشر عاما وحتى سن الخامسة والثلاثين عاما ، وذلك بعد تزايد الطلب على خدمة المتعة من قبل الزوار الوافدين إلى مدينة مشهد، لخلق أجواء روحانية ومريحة للزوار ، والتقرب إلى الله من خلال العمل بهذه الشعيرة بحسب إعلان المؤسسة .
و المقصود من هذا الإعلان تأسيس مركز للأوقات القصيرة في مدينة مشهد أو مدينة الرضا، والهدف من وراء ذلك إيجاد أجواء روحانية وهادئة للزوار الذين يزورون حرم الإمام الثامن و هم بعيدون عن زوجاتهم .
وكانت مجلة فورن بوليسي قد أشارت إلى انخفاض معدلات الخصوبة لدى المجمتع الإيراني على مستوى العالم ، بسبب شيوع ظاهرة زواج المتعة في أوساط الشباب الإيراني غير المتزوج ، إذ وصلت نسبة الزيادة السكانية إلى 1.2 % في العام 2012 مقارنة بنسبة 3.9% في العام 1986 على الرغم من أن أكثر من نصف سكان إيران تقل أعمارهم عن 35 عاما .
كما ارتفعت نسبة الطلاق في ايران بصورة ملحوظة حيث قفزت من 50 ألف حالة طلاق في العام 2000 إلى 150 ألفاً في العام 2010. وتسجل الأرقام حالة طلاق بين كل سبع زيجات في إيران وترتفع إلى مستويات أعلى في المدن الكبرى بسبب ميول الرجال والنساء على حد سواء للاتجاه نحو ممارسة زواج المتعة بديلا عن الزواج الشرعي أو المدني .
وتحولت مهنة المتعة في إيران بحسب صحيفة فورن بوليسي إلى صناعة للجنس، بدأت مع مطلع تسعينات القرن الماضي وازدهرت وتنامت في مختلف انحاء المدن الإيرانية في ظل التشجيع المستمر من ملالي إيران .
وكانت صحيفة “انتخاب” الإيرانية قد أشارت أن عدد العاملات الإيرانيات بصناعة الجنس بلغ 85 ألفاً في طهران وحدها. و أن ما بين 10 و 12% من العاملات في صناعة الجنس متزوجات وهو رقم كبير جدا ، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن إيران من أكبر الدول في العالم التي تنتشر فيها الدعارة تحت غطاء زواج المتعة . كما تملك إيران أكبر مصانع الأقنعة الواقية في العالم التي تستخدم غالبا في مهنة المتعة .