الأيدلوجيات سواء كانت سياسيّة أم دينيّة أم طائفيّة تحول بين البشر وبين استخدام عقولهم والتفكير على نحو سليم ” أحدهم ” ..
قرأتُ لكم :
( المقدّس هو رسول الموت والهلاك ) ..
يسأل الأستاذ حميد كشكولي في مقاله ” نيران فتنتكم تحرق الأبرياء ” السؤال التالي :
ماذا سيتبقى من حرية الرأي والتعبير إن جردت من حرية انتقاد المقدس ؟ فمنذ وجود الطبقات ، والاستغلال الطبقي والصراع الطبقي ، ظهرت المقدسات لكي يكمم الحكام أفواه الرعية والمحرومين باسمها وبواسطتها أيضا . لقد كان دوما الملك ، أو القائد والزعيم ، والله والوطن والتراب ، والعلم والإمام و الشيخ و المرجع الديني مقدسا ، وكذلك التوراة والإنجيل والقرآن والتقاليد والعادات مقدسة وفوق المساءلة والنقاش ، لأنها ببساطة شديدة مقدسة.
الطبقات الحاكمة حرمت دوما نضال الطبقات المضطهدة في سبيل حقوقها باسم المقدسات ، وبواسطتها، كفرت أي امرؤ يتجرأ على انتقاد الأوضاع الاجتماعية المجتمع الإنساني الحر لا يمكن أن يفرض المقدسات على بناته وبناته ، بل يحقق لأجلهم الرفاهية والحياة الحرة الكريمة ، و يؤمّن لهم كرامتهم الإنسانية و كل الحريات الفردية والجماعية ، وليس فيه ما يقف بوجه حرية الإنسان وتقدمه وفق الشرع والقانون .. ( كانت هذه المقدمة للمقال المذكور ) ..
( السؤال الحقيقي أين خفافيش الظلام من قراءة التاريخ ) ؟
كان للدكتور طلال الربيعي الإضافة التالية :
اعتقد انه إضافة إلى وجود السلطة القاهرة لما يسمى “المقدس”, فهنالك سلطة قاهرة أخرى لا تقل عزما وهي سلطة العيب : “اسكت, عيب ماذا ستقول الناس ؟ ” ( هذا الرأي يتطابق أيضاً مع ما تقوله الصديقة عائشة مشيش في الكثير من منشوراتها وتعليقاتها ) .
وسلطة العيب تحيل العديد من الناس لاشعوريا إلى ما يشبه الروبوتات لإرضاء تصورات المجتمع , بدلا من عيشهم لخصوصيتهم الفردية والفريدة وتلمس قوى الإبداع في دواخلهم . أما التغيير والسباحة ضد التيار فانه يقتضي شجاعة وعدم خشية العزلة إضافة إلى جهد فكري للبحث والتنقيب على عكس أتباع العادة الشائعة . وهذا التفكير يتطلب جهدا ووقتا إضافيا لا يمتلكه العديد أو يفضلون قضاءه بالهروب في الحياة الاستهلاكية الروتينية, فيتحول أسرى العادة إلى قوة محافظة تعرقل ظهور الجديد.
أما بخصوص المقدس , فيستطيع اي شخص , وبغض النظر عن قدراته العقلية , أن يصمت الجميع إذا نطق , مثلا, بعبارة “نحن مجتمع إسلامي, وهذا لا يناسبنا” ويدخلهم في إسطبل قطيعه.
القائل لهذه العبارة لا يستمد قوته من محتوى العبارة أو منطقها أو قوة حجتها آو من بلاغتها . كلا , انه يستمد قوته من صمت الآخرين وتقبل عبارته بدون احتجاج أو مقاومة أو حتى تساؤل . العبارة تستمد قوتها من إلغاء ذاتية الآخر وتعطيل قدراته التشكيكية بفحوى العبارة. إنها تستمد سطوتها من صمت الآخرين اللفظي والعقلي . إنها تحيلهم إلى أموات وان بدو أحياءا . وبذلك فان هذه العبارة , البسيطة والبريئة تماما في الظاهر, قادرة تماما على إماتة العقول والأجساد وممارسة إرهاب لا مثيل له.
فالشيطان يتجسد في عبارات بريئة كهذه , التي بالرغم من صغرها وعفويتها وبراءتها في الظاهر , فإنها قادرة على الانتصار على اعتى واعقد النظريات العلمية أو الفكرية في رمشة عين . إن هذه العبارة “المقدسة” قد تحالفت مع غريزة الموت لدى كل منا وبذلك فإنها تنجز أهدافها بكل جدارة من موت ودمار شامل. وان كان مؤلم جدا فلا اعتقد إني أجافي الحقيقة عندما استدعي العراق كمثال .
المقدس هو رسول الموت والهلاك.
( شكراً جزيلاً ) .