سوزان سامي جميل
في قضايا الفساد كافة، هناك يد تخطط وأخرى تنفذ وثالثة تلتزم الصمت في مقابل ثمن ما أو بسبب رادع الخوف أو لعدم الاكتراث طالما لن يمسها الضرر، وهذه الأيادي كلها ملوثة ومتهمة بالفساد مئة بالمئة، لكن اليد الأكثر فساداً وسوءاً واستحقاقاً للقطع هي تلك المحرِّضة وهي يد تعرف تفاصيل الفساد جيداً لكنها تكتفي بتوثيقها لاستخدامها فيما بعد ضد أولئك المفسدين وذلك في لعبة سياسية قذرة على حساب الشعب ومصالحه! الأسئلة التي تتبادر إلى أذهاننا وبإلحاح هي: من هم أصحاب تلكم الأيادي العابثة؟ وكيف نتخلص من عبثهم وقذارتهم؟ ولماذا هم كثر في دول الشرق الأوسط؟
كم من عمليات فساد بهذا التكتيك تم كشف الغطاء عنها ثم إعادته عليها كأن شيئاً لم يكن! في دول كثيرة وخاصة الشرق الأوسطية منها تنكشف عملية الفساد على يد بعض الشرفاء ثم يتم التغاضي عنها على يد آخرين لاشرفاء، ويمر الزمن دون أي تحرّك حقيقي من قبل القضاء أو الحكومة وهكذا…. حتى ينساها أو يتناساها الشعب، وإذا حدث وانتبه أحد المخلصين للحيلة السياسية وبدأ ينبش في قبور تلك الخفايا فإنه يتعرض للعقوبة الحتمية لتكميم الأفواه سواء بمفخخة أو كاتم صوت أو غيرها من وسائل القتل والاغتيالات المعروفة وكثيرة هي الأمثلة في العراق ( تكساس الثانية).
إن الكشف عن الفساد ليس في مصلحة المفسدين ولا الحكومة ولا الشعب؛ فالمفسدين اذا انكشف أمرهم سيخسرون الغنيمة والمصداقية وسيواجهون العقوبة والمحاكمة، أما الحكومة فسوف يفتضح أمرها فأفرادها غالياً مايكونوا شركاء شرعيين في الفساد إضافة إلى امتداد الدعوة الشعبية لفتح الملفات الباقية والتي قد تكون أشدّ خطورة من سابقتها! أما الشعب المسكين فسيكون هو الضحية الكبرى حيث سيفتح على نفسه أبواب جهنم اذا أعلن معرفته بالفساد وممارسيه، إذْ كلما تم الكشف عن أحد اللصوص وكالمعتاد يزداد البلد احتراقاً وتشويهاً وتفجيراً ويستمر النزيف بالتدفق ربما بكميات أكبر وكأن الشعب هو المسؤول عن فساد المسؤولين وعبثيتهم، ويبقى يدفع لوحده ثمن انتقام المسؤولين وأحقادهم تجاه بعضهم، لكن مهلاً، أليس الشعب مسؤولاً فعلاً عن ما يجري له؟ فإن كان في الحالتين كبش فداء للفساد وتُزهق أرواح أفراده مجاناً بسبب ذلك، فلماذا السكوت إذن؟ مادام دمهُ المسفوح هو النتيجة الدائمة إذن فليثور ويتكلم ويعرض المفسدين للمحاكمة ومرحباً بالطوفان.
الخراب قائمٌ حتى في حالة القبض على بعض المفسدين لأنهم يتكاثرون ويتوالدون بسرعة قصوى كالأميبيا وأذرعهم اخطبوتية طويلة جداً تصل لحدود لا علم لغير الله بها ثم أن الجهات المستفيدة والمشتركة في الفساد كثيرة وكبيرة ومتشعبة وهي تحيط بالوطن من كل جهاته ويباركها بعض اللاشرفاء من أبناء الوطن نفسه!!
الدول المجاورة تعمل بجدية للمحافظة على مسلسلات الدم العراقي الرخيص المنثور دون توقف، وهي تتلذذ بمشاهدة صور الدمار اللامنتهي، فذوو العلاقة وبإسم المذاهب والأديان يدعون المستفيدين أولاً والمتطرفين ثانية وسهلي الانقياد عديمي الشخصية ثالثة ليلعبوا دوراً رئيسياً في حصانة عروش ذوي العلاقة وكروشهم ومصالحهم السلطوية في البلد بشكل مباشر أو غير مباشر، فتجد بعد كل خلاف بين الاحزاب أو الكتل السياسية يبدأ مسلسل قصير أو طويل للذبح البشري المفخخ ليتوقف لفترة ثم يتأجج حسب متطلبات المرحلة والمناسبة.
الغرب بصورة عامة لا يعبأ بجدية بمجريات الوضع السياسي المتداعي للشعوب الشرق أوسطية تحديداً لأن هذه الشعوب وببساطة خير سوق لبضائعها التسليحية والغير تسليحية اضافة إلى أن التناحر والتذابح الداخلي في الشرق مسألة لا تسبب ضرراً معيناً على مصالح الغرب بل على العكس هي تخدمها وذلك بانشغال الشرقيين التام بتصفية أفراد شعوبهم وهدم البنى التحتية للبلاد والابتعاد عن استغلال التكنولوجيا الحديثة لاستقبال حياة عصرية متطورة بالاضافة إلى أن هذا التناحر والتقاتل الأعمى بين الشرق أوسطيين سيُبعد الانتباه عن الوجود الاسرائيلي الذي يتشعب ويتمدد بقوة الوباء ويخطط للهيمنة الكاملة على أراضٍ لازال الاعتقاد سائداً بأنها أراضي اسرائيلية الأصل، إضافة إلى أن الحروب المستمرة في دول الشرق الأوسط خاصة التي تعتنق الاسلام هي توثيق هام وأزلي للحاضر والمستقبل على عدم أهلية الاسلام والمسلمين للحكم وقيادة الشعوب لأن الاسلام وبشهادة ما حصل ويحصل هو دين الخراب والدمار والفساد وأصبح القضاء عليه أمراً محتماً.
إذن فإن المتناحرين والمحرضين على الحرب هم خدّام بامتياز وربما مجاناً للتخطيط الاسرائيلي الذكي، وأن كل ما جرى ويجري من سفك للدماء الشرقية هو تنفيذ مقنن كبير لمخططات صهيونية ذكية، ورغم أني أكره أن أستخدم اسرائيل وغيرها كشماعات لتعليق زلاّت الشرقيين وحكامهم لكني أعترف بأن ما حدث ويحدث هو بتحريض من بعض الأيادي العابثة في الخفاء والتي لها نوايا كثيرة لكنها كلها تصب في صالح الغرب.
نحن بحاجة إلى توعية الشعوب الشرق أوسطية (حُكاماً ومواطنين عاديين) بإنارة الطريق لمسيراتهم الحياتية من خلال نشر التعليم الفكري على أسس تربوية حديثة بعيدة عن التزمت والتعصّب سواء للدين أو للمذهب أو للقومية أو للجنس أو للون فالانسان ثم الانسان ثم الانسان لأنه روح الله على الأرض ولأن الله قد سخر كل شئ في الحياة من أرض وسماء وماء ثم أنزل الأديان والرسل كل ذلك لخدمة الانسان، الانسان وحده لاغير.