الشرق الاوسط
كثيرون لا يذهبون إلى الأوبرا. أنا واحد منهم. المرات القليلة جدا التي حضرت فيها شيئا من ذلك كانت من أجل المغنين. مرة لسماع كيري تيكاناوا النيوزيلندية، ومرة لحضور بافاروتي. وإذا كان هناك من مرة ثالثة فلا أذكر متى وأين ومن أجل من.
لكنني أعرف، مثل غيري، أن الأوبرا نوع جميل من أنواع الفنون، وأنها دليل من دلائل رقي الفنون في بلد ما، مهما كان جمهورها محدودا. وأول انطباع أخذته عن فيينا أنني كلما سألت عن موقع قيل لي، تمر من الأوبرا شمالا. أو يمينا. نحن لسنا النمسا ولا عندنا سالزبورغ. هذه أيضا معلومة في أول سطر من البديهيات.
إذا كنا لا نؤيد الأوبرا ولا نحبها فلماذا نعاديها كما يفعل وزير «الثقافة» المصري في حكومة الدكتور قنديل؟ الوزير يكره الفنون على أنواعها، ويؤمن، مع الدكتور بشار الأسد أن دار الأوبرا تُشاد لكي يلقي فيها السيد الرئيس خطابا يهتف له جمهوره: «شبيحتك إلى الأبد». على هذا يمكن إضافة عنوان جديد إلى العناوين المسرحية العالمية، إضافة إلى «شبح الأوبرا» «شبيحة الأوبرا».
أحب أن أروي للسيد وزير الثقافة في مصر حكاية صغيرة مات بطلها العام الماضي عن 91 عاما و70 كتابا آخرها مجلد عنوانه «مذكرات في السياسة والثقافة». هذا الرجل يا صاحب المعالي كان ضابطا في الجيش. أي كان يفترض فيه أن يعرف عن سلاح المدفعية وسلاح الإشارة ودفتر العقوبات عند الشرطة العسكرية. لكنه اختار سلاحا أقوى وأمضى وأطول بقاء: الثقافة.
كان هذا الضابط العسكري عضوا في تنظيم «الضباط الأحرار». ولما تأملوا أنفسهم وجدوه الأكثر معرفة باللغات والفنون والآداب فقال له عبد الناصر، أنت قائد الجبهة الدائمة الأضواء. لم يكن أحد أمينا على ثقافة ومثقفي بلده مثل ثروت عكاشة، لأنه كان مثقفا مثلهم لا مثل ضباط المدفعية. انطلق من أن جميع المصريين ذواقة ومثقفون، ولم يرَ أن أي فن أعلى منهم. حول وزارة الثقافة إلى مطبعة لا تتوقف. وأعلى شأن المسرح، وفي حين تجاوزته المخابرات في اضطهاد بعض الكتاب تجاوزها في نشر الذوق والرقي والشفافيات.
عندما أصبح مدرسا في أعلى جامعات فرنسا اعتبرت الجامعة انضمامه تشريفا لها. لا يمكن أن تضع الثقافة في عهدة رجل يكرهها، لأن الإنسان عدو ما يجهل. المسألة الآن ليست في دار الأوبرا بالقاهرة، لكن الأوبرا عنوان لعام من ملاحقات ومطاردات السيد وزير الثقافة في مصر. الأخبار اليومية الأخرى تتابعونها بلا شك منذ تباشير العهد الأولى في كل الحقول. محاكمات أهل الفن ومحاصرة مكاتبهم ورشق سيرهم بالتعابير المبتذلة. لست مع الأوبرا، ولست ضدها، لكنني مع أن يكون وزير ثقافة مصر رجلا من قبيل ثروت عكاشة.