الشرق الاوسط
يخبرنا التاريخ أن الثورة عادة ما تفجر ثورة مضادة: إن قوى القمع تكتسح لحظات التحرر التلقائية المبهجة، وغالبا ما يتخذ رد الفعل طابعا رسميا.
تكتسب الثورة المضادة زخما في العالم العربي، بعد عامين من الثورات التي أطاحت بحكام تونس ومصر وليبيا. لقد خاض الرئيس السوري بشار الأسد معركة حامية الوطيس للحفاظ على نظام حكمه الدكتاتوري؛ وأطاح جنرالات مصر حكومة جماعة الإخوان المسلمين. يبدو أن الثوار المجهولين يحققون النجاح بإقناعهم الناس بدعم أفكارهم!
لكن ستعتريني الدهشة إذا ما توقفت الثورات العربية بشكل دائم. إن القوى التي تقوض الحكم الدكتاتوري مضمنة في التكنولوجيا؛ فالمجتمع الذي يستطيع فيه أي شخص أن يرسل تغريدة أو ينشر مقطع فيديو تم التقاطه بهاتف جوال سيواجه صعوبة في قمع مواطنيه.
ثمة كتابان من شأنهما أن يساهما في توضيح ما يجري مجراه في العالم العربي. فهما يصفان الأسس التي يمكن أن يقوم عليها نظام جديد – اقتصادي واجتماعي سياسي. إن كليهما متناقضان، في أنهما يقفان في مواجهة تشاؤمية اللحظة، عندما يبدو أن الديمقراطيين يسارعون بالانسحاب، بينما يقف الخطباء الشعبيون في مركز السيطرة والتحكم.
الكتاب الأول هو «الصعود المستمر للشركات الناشئة: ثورة جديدة تعيد صياغة الشرق الأوسط». وهو من تأليف كريستوفر شرودر، وهو زميل سابق بشركة «واشنطن بوست كامباني» وصديق منذ فترة طويلة. كريس رجل ريادي، وعلى مدار الثلاثة أعوام الماضية، جاب أنحاء العالم العربي بحثا عن روح الأسرة.
إن ما اكتشفه شرودر سوف يدهش حتى أكثر المراقبين ضجرا. على الرغم من الاضطراب في الأعوام القليلة الماضية، فإن جيلا جديدا من رواد الأعمال يبتكر منتجات ويأتي بتمويل لها ويقوم بتسويقها.
يعرض شرودر توضيحات مقنعة لدعم قضيته: يتجول حول «احتفال بريادة مشروعات» في دبي ويجد امرأة سعودية قامت بتصميم وتسويق خط ملحقات «آي بود»، وسوري صمم مشروع رسوم متحركة على الكومبيوتر وكويتي ابتكر تطبيق ألعاب على الكومبيوتر تم تحميله من قبل أكثر من مليون مستخدم.
ربما يكون قد حرك هؤلاء المبادرين الصغار أحداث سياسية، ولكنهم متصلون بقوة بالقاعدة التكنولوجية العالمية التي وصفها كارل ماركس بأنها «وسيلة إنتاج».
يتفقد شرودر مشهد العمل باعتباره سوقا مفتوحة: altibbi.com، هو نسخة عربية من WebMD؛ وموقع souq.com هو أكبر موقع تجارة بالتجزئة في المنطقة، بامتلاكه 500 موظف و8 ملايين مستهلك؛ أما namshi.com، فهو موقع تجارة تجزئة إلكتروني للأحذية، مثل «زابوس»، والذي يبيع 12 ألف نوع مختلف من الأحذية. تمول النساء ثلث مشروعات التكنولوجيا الرائدة في العالم العربي، بحسب شرودر، وهو رقم لم يسمع به في وادي السيلكون.
إن القاعدة لنمو اقتصادي سريع موجودة هناك، في مهدها، عبر أنحاء العالم العربي. لكن ماذا عن ثقافة سياسية ممثلة في التسامح وسيادة القانون والتي من شأنها أن تسمح لمثل تلك الشركات والمشروعات الناشئة بالازدهار؟
هنا، أتحول إلى الكتاب الثاني على قائمة كتبي الصيفية المتناقضة. ويحمل هذا الكتاب اسم: «لماذا تعمل المقاومة المدنية: المنطق الاستراتيجي للصراع السلمي»، وهو من تأليف إريكا تشينوويث وماريا ستيفان. وقد لفت انتباهي إليه بيتر أكرمان، الرئيس المؤسس للمركز الدولي للصراع السلمي.
وفي هذه الدراسة، قامت كل من تشينوويث وستيفان بتحليل 323 حركة مقاومة في الفترة من عام 1900 إلى عام 2006. وكان ما اكتشفتاه هو أن الحملات السلمية للمقاومة المدنية (التي تشمل المظاهرات والإضرابات والمقاطعات التجارية) حققت نجاحات في نسبة 53 في المائة من المرات، فيما لم تحقق الحملات العنيفة نجاحا سوى في نسبة 26 في المائة من المرات. كما كشفتا أيضا أنه نظرا للمستويات الأعلى من مشاركة المواطنين، فإن احتمال أن تقود الحركات السلمية إلى نتيجة ديمقراطية يزيد بمقدار 10 أمثال عن الحركات العنيفة.
فلنطبق هذا التحليل على الثورات العربية. ثمة بارقة أمل بالنسبة لمصر اليوم، بحسب أكرمان، نظرا لأن حركة الاحتجاج الشعبية المعروفة باسم «تمرد» حشدت 22 مليون مصري في ربيع هذا العام للتوقيع على التماس يطالب بسحب الثقة من الرئيس المصري محمد مرسي. ويزيد هذا العدد بنحو الثلثين عن عدد من صوتوا لمرسي في المقام الأول.
إن جذور حركة تمرد متأصلة في حركة المظاهرات السلمية المعروفة باسم «كفاية»، التي تشكلت في عام 2004، والتي بدأت التعبئة الوطنية التي أدت في نهاية المطاف للإطاحة بالرئيس حسني مبارك.
لم تشهد مصر من قبل قط حملة احتجاج شعبي سلمية مثل «تمرد»، وقد أمدت بركيزة دعم شعبي للجنرالات الذين أسقطوا مرسي. وهذا لا يبرر أساليب الجنرالات، لكنه يذكرنا بأن الحركة المدنية المتنوعة العامة التي مثلتها «تمرد» ربما تمهد الطريق لديمقراطية حقيقية فاعلة بطريقة لا يمكن أن تفعلها حركة الإخوان المسلمين السرية المتآمرة.
أما عن سوريا وليبيا، فتشير إلى أنه يتعين على العناصر المحركة للتغيير أن تتبنى أساليب مقاومة سلمية.
من المؤكد أن هناك ملامح لثورة مضادة في العالم العربي. لكن هذين الكتابين يذكرانا بالاتجاهات الأكثر عمقا في الحياة الاقتصادية والسياسية في العالم العربي.
* خدمة «واشنطن بوست»