فرثيا أو بارثيا كانت حضارة إيرانية متواجدة في الجزء الشمالي الشرقي من إيران الحالية، وكانت في أوج عظمتها، فالأسرة الفرثية حكمت كل إيران، بالإضافة لدول عديدة كالعراق، أرمينيا، جورجيا، شرق تركيا، شرق سوريا، تركمانستان، أفغانستان، طاجيكستان، باكستان، الكويت ، الساحل الشرقي للملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة، البحرين, قطر, لبنان, وفلسطين .
البارثيون أو الفرثيون
(Parthians )
شعب من الشعوب الإيرانية القديمة (عرفوا في البداية باسم بارني
Parni)
استقرت هذه المجاميع والأقوام بعد ترحال في منطقة فرثية (خراسان) الجزء الشرقي من إيران، وتمكنت هذه الأقوام التخلص من السيطرة السلوقية خلال القرن الثالث قبل الميلاد، وإقامة حكم أرستقراطي إقطاعي بزعامة ” أرشاك “
(Arshak)
زعيم إحدى قبائلهم الذي أسس سلالة ملكية حاكمة عرفت باسمه (الأرشكيون)، دامت قرابة خمسة قرون. وقد عُرف ملوكها في المصادر التاريخية العربية باسم (ملوك الطوائف).
أنتشرت السيادة الفرثية على بلاد بابل خلفاً للسلوقيين في عهد أرطبان أو أردوان الثاني “أرتبانوس” عند الأغريق (128ـــ124ق.م)، وشهدت مملكتهم ازدهاراً واتساعاً في عهد ميترادتس الثاني (88 ق .م ــ 12م)، وصار الفرات منذ عام 66 ق.م حدّها الغربي مع الامبراطورية الرومانية.
ظهرت بوادر نهاية المملكة الفرثية في الجانب الآخر (الشرقي) منها في إقليم فارس ـ الذي كان يتمتع منذ قرون بحكم ذاتي مستقلا عن المملكة الفرثية .
في 220 م ، قامت أسرة اقطاعية من سلالة ساسان بقيادة ” أردشير ” بشن حملات عسكرية هجومية على مراكز سلطة المملكة ، وكانت خاتمتها الفاصلة في تاريخ إيران من حملة خريف 224 م.
وفي 226 م توّج الساساني أردشير نفسه على العرش في طيسفون وأنهى السيادة الفرثية في بلاد بابل.
عدّ الفرثيون أنفسهم ورثة الأخمينيين، وأدعوا الانتساب إليهم، واتبعوا في مملكتهم نظاماً مزيجاً من التقاليد الإيرانية والهلنستية، لكن السلطة المركزية كانت ضعيفة ومهلهلة، وذلك لأن الأسر الأرستقراطية الإقطاعية الكبيرة كانت تتحكم باختيار الملك وتتوارث أهم الوظائف والقيادات.
قُسمت المملكة إلى مقاطعات كبيرة يحكمها قادة عسكريون وولايات يحكمها ولاة (ستاربة). بينما كانت المدن الإغريقية تتمتع بحكم ذاتي .
أما عن عواصم الفرثيين فكانت أولها ” هيكاتومبيلوس ” الواقعة في خراسان، ثم انتقلت إلى اقباتان (همذان) في ميديا، وصارت منذ القرن الأول قبل الميلاد طيسفون الواقعة على نهر دجلة.
كان البارثيون يتكلمون اللغة البهلوية (الأيرانية الوسيطة) وهي إحدى اللهجات الإيرانية الشمالية. ولكنهم استعملوا اللغة الإغريقية في مراسلاتهم مع المدن الإغريقية. واستخدموا علوم الإغريق وأساليبهم الإدارية. كما استخدموا التقويم السلوقي إلى جانب تقويمهم الفرثي، الذي يبتدأ من تأسيس السلالة الأرشاكية في عام 247 ق.م.
اعتنق الفرثيون الديانة المزدكية الإيرانية الشعبية، لكنهم كانوا متسامحين مع الديانات الأخرى.
ان الآثار الفرثية التي عثر عليها في إيران قليلة، أبرزها هياكل النار الحجرية في “برسبوليس” و “نورآباد ” ومشاهد منقوشة على صخور (صخرة تانجي سرواك).
أما في بلاد الرافدين فقد كشف عنها في مواقع عدة أبرزها:
1ــ أوروك (الوركاء): كشف فيها عن مبانٍ سكنية وثلاثة معابد فرثية هي:
ــ معبد صغير في الساحة الجنوبية للمبنى (بيت رش).
ــ معبد الإله ميثرا (المخلّص) : وهو عبارة عن مبنى نصف دائري .
ــ معبد غاريوس : في جنوبي المدينة.
2ــ نيبّور (نُفَّر): ضمت ثلاث مواقع من العصر الفرثي، من آثارها:
ــ معبد صغير في القسم الشرقي من المدينة.
ــ (القصر الصغير) في وسط القسم الغربي: تتوسطه ساحة ذات أعمدة من الآجر المفخور. ويختلف الباحثون في تأريخه بالعصر السلوقي المتأخر أو الفرثي المبكر.
3ــ بابل: ظهرت فيها ثلاث مواقع فرثية ضمن الشواهد المعمارية القديمة، كما كُشف عن:
ــ قلعة فرثية في أقصى الشمال.
ــ مبنى شمال معبد عشتار يشبه معبد غاريوس في أوروك.
ــ آثار ميناء فرثي متأخر كان يستخدم عند ظاهرة الجزر لمياه شط العرب في البصرة جنوب العراق.
ــ قبور متفرقة ومقبرة كبيرة في شرقي المدينة (تل حُميره) وبيوت سكنية كثيرة.
4ــ سلوقية دجلة (تل عمر): كُشف فيها عن معبدين فرثيين وفيما بينهما مسرح، وعن أبنية ودمى طينية وقطع فخارية. توسعت هذه المدينة خلال التواجد الفرثي في الضفة اليسرى لدجلة، حيث نشأت مدينة طيسفون (المدائن).
5- الحضر: ابتكر الفرثيون أسلوباً جديداً في تصميم مخططها على شكل دائرة يحيط بها سوران في كل منهما أربع بوابات. كُشف فيها عن عدة معابد أهمها معبد الشمس وعن قصر ذي سقف مقبّب زُيّنت جدرانه الخارجية بوجوه بشرية منحوتة بارزة.
6- دورا ـ أوروبوس (الصالحية): أُعيد فيها بناء معبد ” أرتيموس “، وبني معبد للإلهة” أترجاتيس ” (31م) وآخر للإلهة ” أزّانا ثكونا ” وسبعة معابد أخرى. وكُشف فيها عن عدد من المنحوتات الطقسية التي يظهر فيها تأثير الفن التدمري بوضوح.
تأثر الفرثيون بادئ الأمر بالحضارة الهلنستية تأثراً كبيراً، ثم برز بينهم تيار مولع بالنمط الإيراني الشرقي الذي دعا إلى نبذها. وبقيت حضارتهم ممتزجة بملامح هلنستية وبابلية آشورية قديمة.
يتمثل الطابع الفني البارثي المميز في تجسيد الشخصيات المؤثرة والفاعلة في مجتمعه ، وتميّز أزيائهم وزيادة الاهتمام بجماليتها. كما تظهر في شواهدهم المعمارية عناصر وأساليب فنية متميزة.
تركت أعمالهم الفنية تأثيراً واضحاً في الفن الساساني، وهي تعدّ مرحلة أساسية من تاريخ الحضارة الإيرانية.