لقبه عجيب الذي يطلقه عليه شباب الحي, فهو يكنى ب”أبو مخدة”, وهو شاب عاطل عن العمل, ونكرة , وفاشل دراسياً, بالكاد وصل للخامس الأدبي, وكان أبوه بعثياً حد النخاع, لم يقرا كتابا الا كتب أبوه البعثية, ذات ليلة جاءه عمه ألبعثي السابق والإسلامي الحالي, يقول له (حضر لي ملف بوثائقك وسأقوم بتعيينك معي في الأمانة العامة), تفاجئ “أبو مخدة” من هول المفاجئة, وبعد أسابيع صار يلقب بالأستاذ! وصار له مكتب وراتب كبير, وسافر الى اليونان ومصر ولبنان تحت عنوان الايفادات, ف” أبو مخدة ” ثروة قومية يجب الحفاظ عليها, ويعتبر من الضرورات تقديم الخدمات الحكومية الكبيرة له.
الأمانة العامة لمجلس الوزراء كيان ذو حظوة للنخبة الحاكمة, وهو تحت غطاء التعتيم للحفاظ عليه, منذ أكثر من عشر سنوات, عندما نتساءل من هم مدرائه, وما هي واجباته, ولماذا تغدق لهم العطايا من قبل الحكام! والأغرب لماذا يكون موظفيه بحصانة شديدة؟ كل هذه التساؤلات لا نجد لها جواب.
عندما استلم ألعبادي رئاسة الوزراء, كانت يجب أن تكون الخطوة الأولى التي يقوم بها ألعبادي, باعتباره رجل إصلاح, هو عملية تغيير وغربلة وتخفيض كبيرة لموظفي أمانة رئاسة الوزراء, لكنه لم يفعلها بسبب الخطوط الحمراء التي يخاف تجاوزها, والتوافقات السياسية التي ثبتت افراد معينين, بالاضافة لغياب الرؤية الحقيقة للعبادي في حرب الفساد, هذه المؤسسة اهتم بها كثيرا الرجل السيئ بريمر, لأنه ينفذ مخطط أمريكا في تشريع الفوضى, فاختار نوعية معينة من المستشارين والموظفين, مع تخصيص رواتب خرافية للموظفين, وصلاحيات كبيرة, لأنه يؤسس لإنشاء مركز الفساد العراقي, ومظلة حماية المفسدين.
●العقود الكبير من حصتها
ارٌيد لهذا الكيان أن تكون له سطوة على اغلب الوزارات, عبر ربط العقود الكبيرة بالأمانة العامة, بعد أن سحب البساط من تحت لجنة الشؤون الاقتصادية, بقرار إلغائها الغريب, فتحولت الأمانة لحصن كبير لفئة معينة وباشتراط الولاء للحكام, وإلا تم نفيه الى ابعد نقطة وظيفية,مع سلبه كل مميزات أيام العسل, التي عاشها تحت سقف الأمانة العامة.
وقد صنفت أمانة رئاسة الوزراء بحسب تقرير لهيئة النزاهة, بأنها البؤرة الأخطر للفساد في العراق, بحيث تحتل المركز الأول في كمية الفساد, وتأتي بعدها وزارات الدولة, حيث كشف موسى فرج رئيس هيئة النزاهة السابق, أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحولت الى أخطر بؤرة للفساد في العراق، بعد إلغاء لجنة الشؤون الاقتصادية التي كان يرأسها نائب رئيس الوزراء، وتم تحويل صلاحياتها الى الأمانة العامة، فمعظم العقود الضخمة تبرم من خلالها، مثل شراء طائرات ببلايين الدولارات، أو التعاقد لمشاريع أخرى، وعدم السماح لهيئة النزاهة، بالاطلاع آو التحقيق».
يتضح مقدار التعتيم لما يجري في هذا الكيان الوظيفي, والحصانة الغريبة التي جعلته بعيد عن أي رقابة ومحاسبة حقيقية, فقط شكليات لإثبات واقع مزيف, بالاضافة لخطورة تأثيره على مستقبل العراق.
● سطوة الحزب على الأمانة العامة
الملاحظ أن اغلب المنتسبين هناك هم من أعضاء حزب معين, أو من أقاربهم, وهذا اشتراط خلف الأبواب الموصدة, والتعيين هناك لم يكن عبر نظام مركزي حسب الاستحقاق, أو عبر إعلان فرص تعيين والشباب تقوم بالتقديم, بل خط لسلسلة من العلاقات والواسطة, لان المغانم هنالك كثيرة, والرواتب مختلفة عن سلم الرواتب الوطني, مع ايفادات لا تنقطع وحوافز خرافية وتوزيع قطع أراضي, كل هذا كان حكرا على موظفي الأمانة العامة, للتمييز وكسب الولاء المطلق, فتحول التشريع الى مطية بيد الحكام لتثبيت حكمهم, واستمرار مكاسبهم.
فهل من المعقول أن يتم تعيين شاب في الأمانة العامة ساخط على ذلك الحزب المحظوظ, بالتأكيد كلا, أو هل يمكن أن يكون مدير عام من حزب أخر, قطعا لا, وهل من الممكن تعيين صحفي في الأمانة العامة, كان ينتقد الحكومة بمقالاته, يقينا كلا, فهذه الأمور ترتقي الى رتبة المستحيلات, وهي حكرا على حزب واحد, هو يتحكم بما يجري هناك.
لكن ما حصل الى ألان هو ما جنيناه من الديمقراطية المشوهة, التي جاءت بها أمريكا, ونفذها ثلة من اللصوص.
يجب أن تكون فرص التعيين متاحة لكل العراقيين وليس حكرا على حزب معين, وان تكون لمن يستحق وليس لمن يزور شهادة, كي نكون بمأمن من الفساد والظلم.
● عدد هائل لكيان وظيفي صغير
تم تعيين الآلاف في الأمانة العامة, مع أنها كيان وظيفي لا يحتاج لهذا الكم, لكن تم التوسع بالتعيين, إرضاء للشخصيات والقادة السياسيين, بغرض الفوز بمغانم القرب من صناع القرار, والفوز بالراتب الخرافي ومزايا التعيين في الأمانة العامة, من حوافز ومخصصات وايفادات وأمور خفية أخرى, فلا ينال الدرجة الوظيفية هناك الا ذو حظ حزبي عظيم.
مع الإشارة الى أن قانون اجتثاث البعث قد عطل, باستثناءات حصلت للمئات من البعثيين, من الذين يشغلون وظائف حساسة, ومنها الأمانة العامة, وهذه خطيئة كبرى قد تم السكوت عنها.
هذا الكم من الموظفين الفائضين عن الحاجة, يكبد خزينة الدولة مليارات الدنانير سنويا, وكان من الأولى على الحكومة الجديدة هيكلة الأمانة العامة, وتوزيع موظفيها على الوزارات, والاحتفاظ بعدد محدود, وحتى هذا العدد يجب أن يكون من أهل الكفاءة والنزاهة, أي يكون هناك فحص وتمحيص قبل تثبيت العدد القليل.
ان البقاء على نفس الحال من دون أي حراك, يعني إمضاء الفساد والقبول بإتلاف المال العام.
لذا على المدعين أنهم من إتباع الإمام الحسين, وإنهم مصلحين, عليهم أن تتوجه خطوتهم الى عملية إزالة لهذه البؤرة, عبر خطوتين الأولى: اللغاء كل الامتيازات المخالفة للقانون, والتي صنعت الطبقية بين الموظفين, والعمل على مساواتهم بباقي موظفي الدولة, والأمر الثاني: هو القيام بعملية نقل كبيرة لموظفي الأمانة العامة, لخفض العدد لرقم معقول, يناسب العمل المطلوب في الأمانة العامة, كي تكون خطوة كبيرة في طريق الإصلاح الكامل ومحاربة الفساد وحفظ المال العام من الهدر.
● تساؤل:
هل ستنطلق ثورة التنظيف, وهل سيتم تغيير الواقع السيئ, الذي أوجده الاحتلال والبعثية والناقمين على العراق, عبر القيام بالخطوات الصحيحة للقضاء على الفساد, وهل سيتم تحقيق العدل بين موظفي الدولة, عبر إلغاء القوانين التي أسست الطبقية بين الموظفين, الأكيد أن الأيام ستبوح بأسرارها.