الدكتور حسين عمر توقه
المقدمة:
فليعذرني القارىء لأنني أكتب مدفوعاً بالقهر. يغمر الأسى قلبي وتملأ الدموع عيوني.
هم يتقدمون ونحن نتخلف. هم يعيشون ونحن ننتحر. هم على باطل ونحن على حق. فلماذا ينتصر الباطل ويندحر الحق في هذا الزمن الحزين. أعذروني يا أبنائي لأنني أورثتكم تاريخاً مليئاً بهزائم الأيام.
كشف وزير العلوم “الإسرائيلي” البروفيسور دائيل هرشكوفتش في المؤتمر الدولي للبحث في التطور التكنولوجي في مجال الطيران والفضاء المعقود في القدس المحتلة أن عدد الأقمار الصناعية “الإسرائيلية” المنتشرة في الفضاء اليوم يفوق عدد الأقمار الصناعية الأوروبية مجتمعة، وأكثر من نصف عدد الأقمار الأمريكية.
وفي نفس المؤتمر صرح رئيس شركة “رفائيل” للصناعات العسكرية “الإسرائيلية” الجنرال إيلان بيران أنه في عام 2015 ستصبح “إسرائيل” قادرة على تدمير أي صاروخ يطلق بإتجاهها أيا كان نوعه وحجمه ومداه. وتدمير أي طائرة حربية تقترب من أجوائها وتدمير أي تهديد يأتيها من الفضاء.
الغارة “الإسرائيلية” على مركز جمرايا:
تأسس مركز جمرايا للأبحاث العلمية في سوريا في الثمانينات من القرن الماضي، ويقع المركز شمال غربي دمشق خلف جبل قاسيون، ومن المعتقد أنه تجري في هذا الموقع أهم الأبحاث السورية، كما يتم تطوير وتخزين الأسلحة هناك، كما تضم المنطقة بعضا من أهم القواعد العسكرية الإستراتيجية، حيث يقع بالقرب من جمرايا مقر الكتيبة 105 بالحرس الجمهوري والفرقة الرابعة بالحرس الجمهوري، وتفيد المعلومات الإستخبارية بأن هناك مخازن لصواريخ الفاتح – 110 الإيرانية الصنع. ولقد تعرض المركز ذاته إلى غارة “إسرائيلية” سابقة.
في علم الإستخبار هناك ست أسئلة هامة يسألها الخبراء أولها ماذا؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف؟ ولماذا؟ وأخيرا من؟.
فمن حيث السؤال الأول ماذا؟؟ فإن الطائرات “الإسرائيلية” قامت بالإغارة على مواقع سوريا هامة ومخازن للسلاح نظراً لإستمرار الإنفجارات الناجمة عن هذه الغارة لساعات طويلة.
وبالنسبة للسؤال الثاني متى؟؟ فقد وقعت الغارة فجر يوم الأحد الموافق 5/5/2013.
وبالنسبة إلى السؤال الثالث أين؟ فلقد تم استهداف منطقة وادي بردى شمال غرب دمشق وجبل قاسيون ومنطقة الصبورة ومنطقة التل ومعربا.
أما بالنسبة إلى السؤال الرابع كيف؟ فنحن نعلم أن الطائرات “الإسرائيلية” قد اخترقت المجال الجوي السوري وحلقت فوق جبل قاسيون ولا نعلم حتى الآن هل استخدمت “إسرائيل” صواريخ كروز جو – أرض لتدمير هذه المواقع السورية أم أنها استخدمت قنابل خارقة للتحصينات لتدمير المواقع السورية شبيهة بالقنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات المعدة بهدف تدمير المواقع النووية الإيرانية تحت الأرض مثل موقع (فوردو) أم أنها استخدت كلا النوعين. وهنا فإننا نتساءل لماذا لم يتم إطلاق أي طلقة من قبل الدفاعات السورية لمقاومة الطائرات “الإسرائيلية” أو التصدي لها؟ وللإجابة على مثل هذا التساؤل فمما لا شك فيه أن الطائرات “الإسرائيلية” قد استخدمت منظومة (سايبس) وهي عبارة عن نظام توجيه تنقل كاميرا خاصة صورا حقيقية وفورية للموقع المستهدف والذي تم إدخال إحداثياته مسبقا في ذاكرة حاسوب القنبلة أو الصاروخ، ويمكن لهذا النظام (سايبس) التغلب على أنظمة للتشويش الإلكتروني وتعطيلها. وحسب تصريحات المحرر العسكري في صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” أن الطائرة التي استخدمت بالفعل في قصف سوريا هي طائرة من نوع “سوبر هيركيوليز” ألأمريكية ويطلق عليها الطيارون “الإسرائيليون” اسم “شمشون” وتستخدم لعمليات التشويش على الرادارات الخاصة بالعدو، وهي ذات الطيارة التي استخدمت من قبل في ضرب الأهداف السورية، حيث تم التشويش على الرادارات السورية وتعطيلها ولم تتمكن قوات الدفاع الجوي السورية من صد الصواريخ “الإسرائيلية”. ولكن التقارير الصحفية تفيد أنه قد تم استخدام أكثر من نوع من الطائرات ومن بينها طائرات إف 15.
أما بالنسبة إلى السؤال الخامس لماذا؟ فحسب التصريحات “الإسرائيلية” فإن “إسرائيل” قامت بهذه العملية من أجل تدمير شحنة من الصواريخ التي كانت معدة لإرسالها إلى حزب الله.
وبالنسبة إلى السؤال السادس من؟ فإن الطائرات “الإسرائيلية” هي التي قامت بهذه الغارة.
ولا نريد هنا أن نتطرق إلى موضوع حساس جداً حول عدد الضحايا من بين أفراد الجيش السوري أو المدنيين لأن هذه المعلومات بحاجة إلى توثيق، وإن ما تردد على لسان بعض وكالات الأنباء أن الضحايا قد بلغوا 300 قتيل هو أمر لم يتم تأكيده أو نفيه من أي جهة رسمية، علماً بأن الجهات الرسمية السورية قد أعلنت استشهاد 15 من العسكريين.
الأقمار الصناعية “الإسرائيلية”:
لقد شهد العالم سباقاً جديداً يتعدى الحدود التي تعارفت عليها الجيوش طوال قرون خلت، وانتقلت في منتصف القرن الماضي إلى الفضاء وبدأت في استغلاله عن طريق إطلاق أقمار صناعية تبعها إطلاق مركبات إلى الفضاء في مدار حول الأرض. وشهدت الدول العظمى سباقاً لا يرحم بين القطبين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي، وظهرت أنواع متعددة من هذه الأقمار صاحبها تنافس مجنون على إنتاج أفضل الصواريخ لإطلاق هذه الأقمار الصناعية ذات الأنواع المختلفة والإستخدامات المتعددة، فهناك تسعة أنواع من هذه الأقمار: أقمار تجسس ذات كاميرات لأغراض التصوير، وأقمار تجسس ذات أجهزة تنصت إلكترونية، وأقمار خاصة بمسح ومراقبة البحار والمحيطات، وأقمار خاصة بالإنذار المبكر، والأقمار الخاصة بالطقس والأحوال الجوية، والأقمار الخاصة بالإتصالات، والأقمار الخاصة بالملاحة، والأقمار الخاصة بالبحث عن الثروات والمعادن الطبيعية، والأقمار الخاصة بمبادرة الدفاع الإستراتيجي، والأقمار الخاصة بالبث التلفزيوني.
يحق لنا الآن أن نتساءل كيف تتمكن “إسرائيل” من شن هجماتها وتتمكن بكل نجاح من القيام بهذه الغارات وبدون أي خسائر؟! تماماً كما حدث في عملية تدمير المفاعل النووي العراقي وفي تدمير الموقع النووي السوري.
إن “إسرائيل” قد تمكنت من القيام بهذه الغارات بواسطة الحصول على المعلومات الإستخبارية، إما بواسطة زرع العملاء على الأرض، أو بواسطة إختراق شبكات الإتصالات، أو بواسطة إختراق شبكات الإنترنت والكومبيوترات حيث أن كل جهاز كومبيوتر مزود بجهاز (CPU) وحدة المعالجة المركزية يصنع في شركة (إنتل) في “إسرائيل” والذين كانوا حتى قبل عامين يستطيعون من خلاله الإختراق والتعرف والكشف ومراقبة كل المعلومات في جهاز الكومبيوتر. أو بواسطة الأقمار الصناعية الخاصة بالتجسس وهو موضوع هذا المقال.
ولعل من نوافل القول أن نكتب للقارىء العربي ونستعرض المعلومات الخاصة بهذا الموضوع الهام الذي أسهم وبكل أسف في وضع “إسرائيل” في مراحل متقدمة متفوقة على شتى الدول العربية في المجال التكنولوجي والإستراتيجي وما صاحب هذا التفوق من تخطيط وتنظيم صاحبه التنفيذ الميداني لإظهار هذا التفوق في المجالات الإستخبارية والمعلوماتية العسكرية.
في تمام الساعة الحادية عشرة والدقيقة الثانية والثلاثين من صباح يوم 19/9/1988 تمكنت مؤسسة الفضاء “الإسرائيلية” من إطلاق القمر الصناعي “الإسرائيلي” الأول من قاعدة بلماخيم جنوب تل أبيب لتحقق بذلك مفاجأة جديدة في عالم التكنولوجيا الحديثة، ولتصبح “إسرائيل” الدولة الثامنة في العالم التي تمتلك التقنية والتكنولوجيا لإطلاق مثل هذا القمر الصناعي. ولقد أطلقت “إسرائيل” إسم (أفق 1) واستخدمت صاروخ دفع “إسرائيلي” من طراز شافيت يصل مداه إلى 900 ميل بحري.
بتاريخ 3/4/1990 تم إطلاق القمر الصناعي (أفق 2) من قاعدة بلماخيم وهو يحمل أجهزة إرسال وأجهزة تصوير تجريبية بواسطة صاروخ شافيت.
بتاريخ 28/3/1995 تم إطلاق القمر الصناعي (تيك سات 1) من قاعدة بلستك الروسية بواسطة الصاروخ الروسي (إس إس 25) ويحمل القمر أجهزة قياس الأشعة السينية والمجال المغناطيسي ودراسة طبقة الأوزون ومعدات للإتصال وأجهزة استشعار وكاميرات تصوير.
بتاريخ 5//4/1995 قامت “إسرائيل” بإطلاق القمر الصناعي (أفق 3) بواسطة صاروخ شافيت مزود بأجهزة تصويرية كهروبصرية تستطيع قراءة أرقام السيارات في كل من بغداد ودمشق، ويغطي هذا القمر المنطقة العربية كلها بالإضافة إلى الباكستان وأفغانستان وإيران والجزء الأكبر من تركيا.
بتاريخ 15/5/1996 تم إطلاق القمر الصناعي (أموس 1) بواسطة الصاروخ الفرنسي (أريان 4) ويوفر هذا القمر الإتصالات الهاتفية والتلكس والتيليفاكس والبث التلفزيوني المباشر، ويوفر القمر تغطية إشعاعية لمنطقة الشرق الأوسط وجزء من شمالي أفريقيا وجزء من شرق أوروبا.
هناك أقمار صناعية عديدة أنتجتها جامعة تل أبيب مثل القمر الصناعي (توفكس) الذي يضم ثلاثة تلسكوبات تعمل بالأشعة فوق البنفسجية، وهي جزء من مجموعة أجهزة تستخدم لإجراء تجارب علمية فضائية مشتركة بين روسيا والدنمارك، وهناك قمر صناعي آخر (ديفيد) بالإشتراك مع وكالة الفضاء الألمانية وهو عبارة عن قمر استشعار عن بعد.
أفق 4 أفق 5 أفق 6:
إن ما يهمنا هنا هو الأقمار الصناعية التي تغلب عليها الصبغة الإستراتيجية العسكرية، حيث فشلت “إسرائيل” عام 1988 في إطلاق القمر الصناعي (أفق 4) ونجحت في إطلاق قمرها الصناعي (أفق 5) بتاريخ 28/5/2002 والذي جاء نتيجة تعاون مكثف مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بدعوى المشاركة في حرب (الإرهاب) وتمكين “إسرائيل” من القيام بدورها في مراقبة الحركات “المتطرفة والإرهابية” في الدول العربية والإسلامية ورصد إتصالاتها. في حين فشلت عملية إطلاق القمر الصناعي (أفق 6) واحترق عند إطلاقه عام 2004.
ومن الجدير بالذكر أن عملية إطلاق هذه الصواريخ قد صاحبها تقدم في تصنيع الصواريخ القادرة على إطلاق هذه الأقمار ووضعها في مسارها، ومن هذه الصواريخ صاروخ شافيت المتطور، وصاروخ (نيكست)، وصاروخ حيتس.
بتاريخ 25/4/2006 أطلقت “إسرائيل” القمر الصناعي (إيروس بي) الذي يدور في المدار القطبي، وهو قادر على تصوير أجسام في حجم 70 سنتيمترا بكل دقة، وهو مخصص لتصوير المناطق الإستراتيجية النووية في إيران، بالإضافة إلى سوريا؛ ومن الجدير بالذكر أن هذا القمر قد التقط صوراً لقاعدة صواريخ إس 300 في الجزائر.
بتاريخ 11/6/2007 تم إطلاق القمر الصناعي (أفق 7) وتأتي أهمية إطلاق هذا القمر أنه تزامن مع بدء أكبر سلسلة مناورات جوية بين “إسرائيل” والولايات المتحدة في صحراء النقب. وهو يعد الجيل الأحدث من الأقمار الصناعية ويكمل منظومة برنامج الفضاء “الإسرائيلي” في احتلال أكبر منطقة من الفضاء فوق الدول العربية والإسلامية، وهو بالغ الدقة في الرصد والمتابعة، بحيث يستطيع رصد أهداف أرضية على ارتفاع 600 كيلو متر على مدار 24 ساعة بلا توقف بواسطة جهاز رادار متطور.
في بداية عام 2008 تمكنت إ”سرائيل” بالتعاون مع الهند من إطلاق قمر صناعي للتجسس (تيك سات) من قاعدة صواريخ هندية.
أما بالنسبة إلى القمر الصناعي (أفق 8) فبالرغم من الإعلان عن قرب موعد إطلاقه حيث أشارت صحيفة معاريف “الإسرائيلية” في عددها الصادر بتاريخ 31/1/2010 ان إطلاق القمر الصناعي (أفق 8) يأتي في إطار الجهود التي تبذلها الحكومة لجمع المعلومات الإستخبارية حول أهداف مختلفة في أنحاء العالم لا سيما المنشآت النووية الإيرانية، مؤكدة أن هذا القمر سيمكن اجهزة الإستخبارات “الإسرائيلية” من رصد ما يجري في إيران عدة مرات يومياً بواسطة عدة أقمار تجسس صناعية من خلال التقاط صور ثلاثية الأبعاد بدقة عالية جداً. ومن الجدير ذكره أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن إطلاق هذا القمر وتمت إحاطة المعلومات المتعلقة بهذا القمر قيد السرية والتعتيم.
بتاريخ 23/6/2010 تم الإعلان عن إطلاق القمر الصناعي (أفق 9) من قاعدة بلماخيم الجوية جنوب تل أبيب ولم يقم أي مسؤول بتقديم أي بيان أو أي تفاصيل عن مهمة هذا القمر الصناعي الجديد. وفي مقابلة رئيس قيادة سلاح الجو “الإسرائيلي” العميد نيمرود شيفر مع الإذاعة “الإسرائيلية” أن من شأن القمر الصناعي (أفق 9) أن يزيد كمية المعلومات التي تجمعها “إسرائيل” عن دول قريبة وبعيدة، وأضاف أن الصور التي سيرسلها القمر ستكون بجودة عالية جداً وستكون مكملة لمنظومة الأقمار الصناعية “الإسرائيلية” الموجودة، وأن مدة عمل هذا القمر سوف تزيد على الأربع سنوات.
بعد هذا العرض الموجز لما حققته “إسرائيل” في هذا المجال التقني العسكري المتقدم، فإننا نتساءل عن عدد الأقمار الصناعية التي أطلقتها الدول العربية؟ والجواب بكل أسف هو: صفر. صفر. صفر…
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
المصدر: خاص موقع جبهة العمل المقاوم