في مصر المَلَكية اشترك الأقباط اشتراكاً كاملاً في الحياة السياسية، وكانت نسبتهم في البرلمان المصري اكثر من نسبتهم الحقيقية .. لأن مصر كانت دولة مدنية، بل شغل القبطى ويصا واصف باشا رئيس مجلس النواب ، وحمل بطرس غالي حقيبة الخارجية المصرية، ونجح الأقباط في دائرة لم يكن بها مسيحي بل في دائرة أخرجت شيخ الأزهر الشيخ المراغي.
بعد انقلاب 1952 كانت الصورة واضحة أنه انقلاب أخواني ديني حيث أن عبد الناصر كان أحد أعضاء الأخوان والاسم الحركي له كان (عبد القادر) وأقسم على مصحف ومسدس.. ومن هنا بدأ الأقباط في العزف عن المشاركة في الحياة السياسية، وبدأ النظام في الاستعانة بنسبة 10 أعضاء بالتعيين لينال الأقباط المرضي عنهم لقب عضو نائب مجلس شعب بالتعيين.
وفي عهد السادات ظهرت الصورة واضحة فعزف الأقباط بشكل كبير بعد أن تأكدوا أنه نظام عنصري استعان بالقتلة والمجرمين وإرهابيي الجماعات الدينية ليُمَكّنهم من نخاع الوطن، بل أدركوا أن صناديق الانتخابات كانت شكلية فقط طالما كان الرئيس مؤمن فلا سبيل لإشراك غير المؤمنين، وكان التزوير سيد الموقف وسخر المصريين من حالهم فكانت النكته المعروفة ” سأل السادات النبوي إسماعيل قائلاً: (كم كانت النتيجة يا نبوي؟ فكان رد وزير الداخلية: “99.9 بالمائة يا ريس..” فكان تعليق الرئيس “بس؟”.. فأدرك النبوي إسماعيل خطأه وأعقب: “ولكن يا ريس الـ واحد من عشرة بالمائة لم يذهبوا للانتخاب” ليرضي غرور الرئيس المؤمن).
وسار مبارك على نفس النهج فكان التزوير والتعيين سيد الموقف!! التزوير لأعضاء الحزب الوطني، والتعيين لخيالات المآتة الاقباط لشغل منصب عضو مجلس شعب بالتعيين، فكان وجوده شكلي فقط.. وكانت تصريحات القيادات المصرية دائماً أن تعداد الأقباط يتراوح ما بين الأربعة والستة ملايين قبطي فقط!! بينما الواقع يؤكد أن تعدادهم يقدر بثمانِ عشرة ملايين على أقل تقدير في ذاك الوقت.
ثم أتى لسدة الحكم مكتب الإرشاد الذي اختار مندوب خيال مآته لمدة عام إلى أن رحل غير مأسوف عليه.
وأخيراً جاء عبد الفتاح السيسي الذي أدرك أن الأقباط هم الرقم الصعب في المعادلة فتلاعب بعواطفهم بكلمات توحي بغد أفضل، وأنه سيكون رئيساً لكل المصريين… إلى أن تَمَكن من حكم مصر بفضل الأقباط الذين وثقوا به فخرجوا عن بكرة أبيهم ليلبوا نداء الوطنية آملين في حياة سياسية نظيفة جادة… إلى أن تم إكمال خارطة الطريق وتم انتخاب مجلس شعب لأول مرة يضم فوق الثلاثين قبطياً، وتم اختيار مجلس الشعب داخل أروقة الأمن الوطني فأصبح الأقباط لا صوت لهم داخل سيد قراره.
وثق الأقباط بالسيسي بشكل كبير فعَبَّر باباهم عن وطنيته بتعبير مسجل للتاريخ ألا وهو (نحتسب حرق الكنائس كرفع بخور لأجل مصر..) وحقق السيسي وعوده بإعادة بناء الكنائس التي تم هدمها أو حرقها على أيادي الدهماء عن طريق الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.. وآمن الأقباط بزيارة الرئيس إلى الكاتدرائية للمشاركة في تهنئتهم بعيد الميلاد.. وهتف الأقباط للرئيس وفرحوا للمشاركة.
أرض الواقع في عهد السيسي: يعاني الأقباط معاناة أكبر مما كانوا يلاقوه في عهد الرئيس المؤمن، والرئيس الصامت العنيد، ومندوب مكتب الإرشاد، يكفي أن تعلم أن السيسي سلك مسلك السادات مع اختلاف بسيط وهو أن السادات ملَّك الجماعات الجهادية والإخوانية عصب مصر، لكن السيسي ملَّك مصر للسلفيين، كما أن السادات أطلق على نفسه (كبير العائلة والرجل المؤمن) كناية عن عدم رغبته في غير المؤمنين، أما السيسي أطلق شعارات (أنتم نور عنينا وأنتم أغلى شيء) بالطبع يقصد السلفيين فقط.
عهد السيسي عهد ظالم فبيوت الأقباط تُحرق وعائلاتهم تُهَّجرْ ومازالت كنائسهم تحترق بأيادي الدهماء، وسيداتهم تُعرَّى… ومن الغريب أن كل ذلك يأتي بتعضيد من السلطة التنفيذية خاصة جهاز الأمن وفروعه المختلفة وسط صك ضمان أن لا مسائلة ولا قانون على أرض الكنانة.
عهد السيسي أسود لأنه حول مصر من دولة مستقلة إلى إمارة فتحركت كل أجهزتها لتُسَخّر أدواتها وقدراتها للتنكيل بالأقباط خاصة بعد إسكات جموع الأقباط المؤثرين في الداخل، وأصبح الجميع بدلاً من رفض الاضطهاد!! مصاباً بحالة سيكوباتية وهي حب المُضطهِد.
التاريخ لا يرحم… وسيسجل أن عهد السيسي كان عهد عدم وفاء لمن وثقوا به وعضدوه وخرجوا عن بكرة أبيهم ليقفوا مع الوطن.. ولكن تأتي الأيام لتثبت أن مصر بقيادة السيسي دولة فاشية تضطهد الأقباط، دولة أمنية بالدرجة الأولى، وأخيراً دولة مجلس النواب الأقباط الصامتين المدجنين الذين تم اختيارهم في لاظوغلي.
أعلم مقدماً أن الأقباط الماسوشيين “محبي تعذيب ذواتهم” سيرفضون هذا المقال ولكن ستظل الحقيقة ساطعة.. وأرض الواقع فيصل.. وانتهاكات الداخلية والسلفيين للأقباط في صعيد مصر حَكَمَاً…وسيذهب المصفقين إلى مزبلة التاريخ، وقديماً عاش الرئيس المؤمن وحُصِدَ على يد من أمنهم وخُرِّمَ على يد من أكرمهم لتتأكد للقاصي والداني حقيقة دامغة وهي أن دموع المظلومين لا تضيع هباء أمام الديان العادل.
وتظل حُجَتَنا دائماً لمن ينادي بأن السيسي معذور… هل هناك من حوسب أو من أُقِيل؟؟. بالطبع لا!! وهنا يستحضرني مثل شعبي يقول “من آمن العقاب أساء الأدب” لتبق مصر على ما هي عليه من سيء لأسوأ إلى أن تأتي ثورة حقيقية تحصد التطرف الديني، والدولة الدينية الحالية وتنتصر مصر بدستور ليس فيه دين للدولة، ولا مصدر ديني للتشريع، بل يكون دستور قائم على الإنسانية في أسمى معانيها.
تُرى هل هذا رد الجميل لمن وثق ومن آمن أن مصر ستصبح أم الدنيا؟؟.
مدحت قلادة
Medhat00_klada@hotmail.com