الأصول الكتابية للشركة في الطبيعة الإلهية
الزيجة الإلهية لله مع الإنسان:
– إن بدء لاهوت الإتحاد بالمسيح والشركة في الطبيعة الإلهية – التي دأب علي إنكارها الأربعينيون (معظم قادة الكنيسة القبطية بحسب موقفهم العلني -إن جهراً أو صمتاً – خلال حبرية المتنيح البابا الأسبق والتي امتدت حوالي الأربعين عاماً) – كان منذ العهد القديم. حيث صوَّر الله علاقته بشعبه إسرائيل علي أنها زيجة مقدسة ” لأن بعلك ( زوجكِ ) هو صانعك ربُّ الجنود اسمه ، ووليُّك قدوس أسرائيل إله كل الأرض يُدعْيَ” ( إشعياء 4:54) . – خانت إسرائيل عهد الله معها فرذلها، وخاطب أبناءها قائلاً ” أين كتاب طلاق أُمكم” ( أشعياء 1:50). ثم عاد الله وأعَّد لإسرائيل مستقبلاً سعيداً بعد تجديدها المسيحي، لتكون إسرائيل الجديد ( الكنيسة المسيحية ) وخطبها لنفسه عروساً مقدسة : ” فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ.” ( 2 كورنثوس 11:2) ، وأيضاً :”«مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا».هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ.” ( أفسس 31:5).
– وكما تشير الآية في الزيجة أن الرجل يلتصق بإمرأته ليصيرا جسداً واحداً ، وتأكيد الإلتصاق هو خِلقة مولود علي صورة الرجل والمرأة، هكذا الإلتصاق روحياُ بالرب يسوع المسيح “وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ” ( 1كورنثوس 17:6) ينشئ روحنا الجديدة أو إنساننا الجديد الذي علي صورة خالقه.
– إن هذا السر العظيم (الزيجة) سواء من ناحية المسيح والكنيسة ( وفي اعتقادي أنه الأصل ) ، أو الزيجة بين الرجل والمرأة – في المسيح – ( وفي اعتقادي أنه المثال ) بالزواج المسيحي (وليس بالضرورة الكنسي) ، قد تصور بأروع تصوير في قصة صفورة زوجة موسي حين خلَّصته من موت محقق علي يد الله و مسحت رِجليَّ إبنها بدم ختانته فصار لها ” عريس دم ” ( أي زيجة موثَقة بدم العريس ) . ولكن كيف هو عريسها وهو في نفس الوقت ابنها ؟ هذه إشارة بديعة إلي الزيجة الروحية للمسيح مع الكنيسة ( فإبن الإنسان يسوع المسيح صار ’عريس دمٍ‘ للإنسان ). هذه الزيجة تأسست في سر التجسد الإلهي باتحاد الله بجسدنا ، و قَبِلَها كل مؤمن شخصياً في سر المعمودية ، وتتثبت كل يوم باتحادنا بدمه الذي تفجر من جنبه علي الصليب ليملأ الكأس التي نشربها بالإيمان في سرالإفخارستيا ( التناول ).
“وَحَدَثَ فِي الطَّرِيقِ فِي الْمَنْزِلِ أَنَّ الرَّبَّ الْتَقَاهُ (موسي) وَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَهُ ( لأنه لم يختن ابنه بقطع غرلته). فَأَخَذَتْ صَفُّورَةُ ( زوجته ) صَوَّانَةً وَقَطَعَتْ غُرْلَةَ ابْنِهَا وَمَسَّتْ رِجْلَيْهِ ( أبنها) . فَقَالَتْ: «إِنَّكَ عَرِيسُ دَمٍ لِي».فَانْفَكَّ عَنْهُ (عن موسي). حِينَئِذٍ قَالَتْ: «عَرِيسُ دَمٍ مِنْ أَجْلِ الْخِتَانِ».”( خروج 24:4)
بين الختان في اليهودية و تجديد الإنسان في المسيحية وقصة صفورة :
– ولكي نفهم القصة السابقة ينبغي أن نفهم مقارنة بولس الرسول بين مفهوم الختان في اليهودية وبين تجديد الإنسان في المسيحية. حيث الختان قديماً هو ختم وإمضاء في اللحم أن الإنسان آمن بالله فحسب الله له إيمانه براً مجانياً بدون أعمال علي مثال إبراهيم وهو في الغرلة. وعلامة ذلك هو إزالة ’وسخ الجسد‘ أي قطع الغرلة. ولكن الله لم يضيف علي تلك الإزالة أية إضافة أخري للمؤمن. أما في المسيحية فكل من يؤمن بصليب المسيح وفدائه يخلع (يقطع) منه الله خليقة آدم الأول العتيقة الترابية ويلبسه خليقة آدم الثاني – يسوع المسيح – القائم من الأموات. ” إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ،” ( كولوسي 9:3)
– رجوعاً إلي قصة صفورة نفهم أن بدم إبنها أنقذت موسي من الموت ( كما المسيح الذي كان من أبناء اليهود ” لأن الخلاص هو من اليهود ” قد أتي بالخلاص لإسرائيل القديم ). وما هذا إلا لأن دم الختان يشير إلي دم المسيح علي الصليب الذي هو لتجديد خليقة الإنسان وفدائه من موت كان حتمياُ بسبب فساد طبيعة أبيه آدم بالسقوط. لذلك حق للمسيح أن يكون ” عريس دم ” لنا نحن المؤمنين به ، مثلما كان ابن صفورة ” عريس دم” لها وليس موسي ( من المعلوم أن موسي وصفورة قد افترقا بعد ذلك. وبالمقارنة نجد مجمع أورشليم سنة 15 للميلاد قد حسم أن لا تهّود في المسيحية وبذلك انفصلت الكنيسة المسيحية عن المجمع اليهودي ).
اتحاد الطبيعة البشرية بالطبيعة الإلهية تمَّ في التجسد الإلهي ونقبله في المعمودية المسيحية
“لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.” ( أفسس10:2) – إن كلمة “عَمَلُهُ ” تشير إلي خلق الله لآدم الأول. وكان هذا عملاً لله خارج ذاته. وكان الإنسان حاضراً هناك في صُلْب أبينا آدم. أما خلق آدم الثاني – الإنسان يسوع – فكان عملاً داخل الله حدث في أقنوم/شخص ابن الله حيث اتحدت طبيعة الله بطبيعة الإنسان: ” مخلوقين في المسيح يسوع ” . و كان الإنسان حاضراً ومُمَثَلاً هناك أيضاً في ُصلْب بشرية المسيح ” لأنه أخفاني ( بشريتي) في خيمته (بشرية المسيح) ” (مز 26). فلا عجب أن تكون بيت لحم مسقط رأس الإنسان بعد تجديده ، وذلك لأنها مسقط رأس يسوع المسيح ” والكلمة صار جسداً وحلَّ ( خيَّم ) بيننا” ( يوحنا 1).
– وإني أتعجب للأربعينيين وعلي رأسهم مطران دمياط عندما يتهكم علي القول بأننا كنا في المسيح في ميلاده كما سبق واسلفنا القول عاليه، وكنا معه في صلبه ” مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، ” ( غلاطية 20:2) وكنا معه في قيامته ” إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ.” ( 2تيموثاوس 11:2). – ويتحير المطران قائلاً ” يعني كده احنا إتولدنا مرتين و اتصلبنا مرتين ، مرة مع المسيح ومرة في المعمودية !”. نقول له إن المسيح صُلب مرةً واحدةً بنا ( ونحن كنا في بشريته الغير محدودة ) ونحن لا نُصلب مرتين بل نقبله فينا بالمعمودية وكما شرح القديس بولس عن لاوي الذي كان في صُلْب ابراهيم عندما قدَّم الأخيرالعشور لملكي صادق ملك ساليم فاعتبر أن لاوي قدَّم العشور مُمثَلاً في ابراهيم ” إِنَّ لاَوِي أَيْضًا الآخِذَ الأَعْشَارَ قَدْ عُشِّرَ بِإِبْرَاهِيمَ. لأَنَّهُ كَانَ بَعْدُ فِي صُلْبِ أَبِيهِ حِينَ اسْتَقْبَلَهُ مَلْكِي صَادَقَ.” (عبرانيين9:7). فإن كانت المسيحية قد روحنت العالم ، فإن الأربعينيين قد علمنوا الروحيات ونزلوا بها تحت عجز الزمن والسنين.
“لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ” ( غلاطية 27:3). – إن حرف الباء في عبارة ” إعتمدتم بالمسيح ” تفيد أن المعمودية هي بإسم المسيح ” فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ” (متي 19:28). – أما كلمة ” لَبِسْتُمُ ” فتشير – إن جاز لنا القول – إلي أن الإنسان يقبل شيئاً قد تَمَّ قبلاً حينما تجسد المسيح ’ المسيح الإنسان الجديد‘. فلغوياُ اللبس ليس صناعة الشئ بل قبول المصنوع، والمراد به هنا الطبيعة الإنسانية الجديدة المتحدة باللاهوت في المسيح يسوع . – وهكذا يُنحَّي الإنسان العتيق بالمعمودية ” أَنْ تَخْلَعُوا…الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ…وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ ” ( أفسس22:4)، ويُترَك للإنسان الجديد مجال النمو بسقي الدم في الإفخارستيا . – وهنا نأتي لذكر أهمية الإفخارستيا / سر التناول المسيحي “وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً:«اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ ” (متي 27:26) حيث نستمد من دم المسيح – الذي حياته فيه – نستمد منه بالروح القدس حياة المسيح وكل ما للمسيح “لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ هِيَ دَمُهُ” ( لاويين 14:17) حتي يكتمل وينمو الإنسان الجديد فينا “يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا (مخاض، أي ولادة إنساننا الجديد) إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ ” (غلاطية 4:19). ولا يَفهم أحد – غير مطران دمياط ربما – أن بولس الرسول يدَّعي هنا أن المسيح وُلِدَ مرتين. مَرة في بيت لحم و مَرة في معمودية المؤمنين به.
– يتضح جلياً أننا نلبس الإنسان الجديد الذي هو المسيح القائم من بين الأموات . وبهذا تتحقق شركتنا مع المسيح والتي تؤهلنا للشركة العليا ( في المسيح ) في الله الثالوث. ” لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ… ( والهدف منه)… لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ.” ( أفسس 17:3). – وبهذه الشركة في المسيح – الخليقة الجديدة – تتحقق شركتنا في الله الثالوث والمشار إليها بكل ملء الله. – هذا هو تجديد الخليقة الإنسانية الذي حقق شركتنا في الله بالمسيح ” فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ ” ( متي 28:19).
— إلي هنا أتركك أيها القارئ السعيد لتَسبَح بالذهن وبالروح فيما قرأت لتفهم وتحس وتؤمن أن الروح في آيات الكتاب يردد صدي طلبة المسيح وشهوة قلبه في يوحنا 17 من جهة الإنسان أن تكون له شركة مع الطبيعة الإلهية للثالوث القدوس.” لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا” . والتي يذَّكرنا بها تلميذه بطرس الرسول قائلاً ” قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ ” (2بطرس 4:1)
أمين ..آمين
إعداد : د. رءوف إدوارد. تورنتوفي ديسمبر 2014. تذكار نياحة القديس متي المسكين وتذكار الأربعة والعشرين قسيساً.