الشرق الاوسط
تفاقمت ظاهرة أمراء الحرب واستشرت وغدت معضلة خطيرة تتحدى اليوم الثورة، وتهدد مستقبلا فرص انتقال سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية. ومع أن أحدا لم يعالج هذه الظاهرة أو يبادر إلى التصدي لها، فإن تأثيرها على سير العمليات القتالية صار واضحا لكل من يريد أن يراه، فأمراء الحرب يبيعون ويشترون من دون حرج أو وازع، ويتسببون في هزائم قوضت انتصارات كان غيرهم على وشك تحقيقها، لكنهم تخلوا عن دورهم في المعارك المشتركة، وانسحبوا من دون إعلامه بقرارهم.
ورغم الشكاوى الكثيرة التي صدرت عن جهات ميدانية ومقاتلة، فإن ظاهرة الأمراء ظلت من دون معالجة، فبدا تجاهلها وكأنه يؤكد عجز القيادات عن الإمساك بالوضع وتوجيه أحداثه الوجهة المطلوبة، وانزياح المقاومة عن طابعها الوطني والشعبي وأخذها إلى حيث لم يكن أحد يتوقع أو ينتظر قبل أشهر قليلة.. إلى حال تمكن النظام من اختراقها، هذا إذا كان لم يفعل ذلك منذ وقت طويل، عندما أخرج من سجونه مجموعات مجرمين جنائيين، وأخذهم إلى معسكرات دربهم فيها وسلحهم وكلفهم مهام أمنية محددة. ومع أن بعض هؤلاء لم يقم بما طلبه النظام منه، فإن بعضهم الآخر عمل على تحويل النضال الثوري إلى دكاكين فتحها لحسابه الخاص، بينما التزم بعضهم الآخر ما كلف به، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى.
واليوم، يبدو أن الفرج آت من جهة لم تخطر على البال، هي الأسلحة الحديثة نسبيا، التي يقال إن الجيش الحر تسلمها وشرع في استخدامها، ويتيح وجودها للأركان العامة استبعاد الأمراء ووحداتهم من توزيعها، مع ما سيحدثه ذلك من تخلف في مستوى تسليحهم بالمقارنة مع مستوى تسليح الجيش الحر الحقيقي، الذي سيتسلمها ويستخدمها، ومن إقصاء فعلي ممكن عن صفوف المقاومة، نتيجة لما يتطلبه السلاح النوعي من تنظيم حديث وخبرة ومعرفة عسكرية متخصصة يفتقر غير العسكري من أمثال الأمراء إليها، ولما يفضي إليه ذلك من فرز يضعهم في صف المتخلفين عن القتال ويكشف أمرهم ويفضح أدوارهم، ويعزلهم عن المقاومة الحقيقية، التي بدت خلال العام الماضي وكأنهم غدوا ركنا رئيسا من أركانها، بينما لم يكونوا في الواقع غير عبء ثقيل الوطأة عليها، أساء إليها وأحدث ثغرة بين الشعب وبين العديد من وحداتها، في لحظة فقد خلالها سوريون كثيرون بعض قدرتهم على التمييز بين الجيش الحر ومن يتكنون باسمه من قطاع طرق وشذاذ آفاق. ومع أننا رفعنا الصوت، مع كثيرين، فإن أحدا لم يكن قادرا على وقف هؤلاء عند حدهم، بسبب انشغال المقاومة بما هو أهم وأكثر خطورة منهم: هجوم النظام العام على الشعب والمقاومة بمعونة إيران وحزب الله وروسيا ومرتزقة من شتى الأصناف والبلدان يعدون بعشرات الآلاف. واليوم، ونحن على مشارف منعطف مفصلي في القتال ضد الاستبداد، يصير من مستلزمات النصر التفرغ لمعالجة مشكلة أمراء الحرب، والقضاء عليها بصورة تامة وناجزة خلال فترة زمنية غير طويلة، عبر خطط منظمة تضعهم أمام خيار من اثنين: ترك سلاحهم الموجه إلى صدور أبناء الشعب، أو توجيه سلاح المقاومة إلى صدورهم. بغير ذلك، سيورثنا النظام الحالي هؤلاء الأمراء، الذين سيسببون لنا من المشكلات خلال مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية ما قد يفضي إلى اقتتال أهلي، بعد أن أربكوا المقاومة وأساءوا إلى سمعتها، وأدخلوا كثيرا من اليأس إلى نفوس مواطنين مناصرين للثورة، نفرتهم ممارسات من خالوه منتميا إليها من قطاع طرق أشبعوا المواطنين إذلالا ونهبوا القليل الباقي في حوزتهم.
لا شك أن السلاح الحديث سيساعد على فرز الصالح من الطالح في ساحة المقاومة، وأن توزيعه يجب أن يلعب دورا حاسما في تحديد الجهات التي ستضمن مستقبلا السلم الأهلي والأمن الوطني، وتلك التي سيكون عليها إلقاء سلاحها، لخطورته على الوطن والشعب، فلا أقل من أن نبدأ بذلك منذ الآن، عبر فرز هدفه المباشر والآني إضعاف أمراء الحرب وتعزيز فارق القوة بين المقاتلين الشرفاء وبينهم، تمهيدا لإخراجهم من صفوف الثورة والثوار.
هذا هو الوقت، ولا بد من استغلال فرصة استخدام السلاح الحديث للانتقال إلى حماية الشعب من أمراء حرب هم أعداء له، ينبع خطرهم من كونهم منبثين في صفوفه!