المقدمة :
لست قاصدا المسلمين ، بل الأسلام ، محاولا قراءة ماضيه وحاضره ومستقبله ، سأنزع حجابه ونقابه ، وسأضع جانبا جلبابه وسروال السنة وغطاء الرأس وسبحة ذكر الله وسجادة الصلاة ، وأحفر في أخاديده التي تجاوزت ال14 قرنا ، أملا العثور على أي وجه ممكن قراءته ، بلا رتوش الأئمة والشيوخ والمفسرين والدعاة .. نعم كل ذلك من أجل الوجه الحقيقي / الأخر ، للأسلام ، هذا أن وجدته !! .
أنها رحلة تجاوزت عقودا من الزمن ، في مساحات فكرية وعقائدية كاحلة قفراء كالصحراء التي وجد ونشأ عليها ، كلما تصفحت حقبة زمنية صفحة ثم صفحة صدمت ، أكثر من الصفحة التي قرأتها ، أنها تراجيديا دينية ، أنها رحلة البحث عن المستور وغير المقروء وغير المعروف ، أنها رحلة البحث عن ما خفي من معلومات عن النص ، محاولا قراءة المؤشرات المخبأة بين الأسطر ، أنها رحلة من أجل المعرفة ، التي غايتها حق ضاع ، ومكسب أخذ بالسيف ! ، رحلة من أجل قبائل نحرت وأخرى نهبت وثالثة غزيت ، أنها رحلة الوجه الأخر للأسلام .
النص :
* في الرحلة عثرت على وجها / نصا ، ممكن القول بأنه مقبول من حيث قابليته للنقاش والجدل ، بالرغم من تناقضه ، وهو: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ / سورة المائدة 82 ) ، فهذا النص بالرغم من تفضيله لقوم على أخر ، وهذا واضح من الوهلة الأولى ، ولكن الأغرب أن هذا الوجه يتغير الى وجها أخر ، عندما يفسر النص من قبل المفسرين ، فقد جاء في موقع / الأسلام سؤال وجواب ، التالي (( نهى الله تعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود وغيرهم من الكفار ، ولاء ود ومحبة وإخاء ونصرة ، أو أن يتخذوهم بطانة ولو كانوا غير محاربين للمسلمين ، وقطع المودة والولاء بينهم ، فقال تعالى 🙁 لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة/ 22 ) ، قال الشيخ السعدي رحمه الله : أي لا يجتمع هذا وهذا ، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة ، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه ، من محبة من قام بالإيمان وموالاته ، وبغض من لم يقم به ومعاداته ، ولو كان أقرب الناس إليه . وهذا هو الإيمان على الحقيقة ، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه ، وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان أي : رسمه وثبته وغرسه غرسا ، لا يتزلزل ، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك . وهم الذين قواهم الله بروح منه أي : بوحيه ، ومعونته ، ومدده الإلهي وإحسانه الرباني . )) .. التفسير والنص يدفعني للقول ، بأن وجهك لا زال متلبدا متجهما كئيبا !! ، وذلك لأن هذ الوجه / الأسلام ، قطع كل سبل المحبة والتقارب والمودة مع الأخرين ، وهذا مخيف ، في مفهوم التواصل الأجتماعي ، هذا حيث أن الأسلام من جانب يرفض أي دين أخر ، أنطلاقا من ( أنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ / 19 أل عمران ) ، ومن جانب أخر يرفض هذا الوجه أي مذهب في وعاء الأسلام نفسه ، وينجر هذا الى الفرق والجماعات الأسلامية ، وأكبر مثال على ذلك الوهابية في السعودية التي تكفر حتى المسلمين من غير الوهابيين !! ، وأنا أتساأل ، لم هذا الأنعزال والتقوقع الأنساني عقائديا وأجتماعيا !! ، والسؤال الأخطر ما ذنب المسلمين من كل هذا التدهور في العقيدة ! .
* وجها أخر للأسلام ، هو الجهاد ، يبرز هذا في نصوص كثيرة منها في سورة النساء – أية 95 ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ) ، وجاء حول تفسير هذه الأية ، في موقع / أسلام ويب – » تفسير البغوي » ، التالي (( فهذه الآية في الجهاد والحث عليه ، فقال : لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن الجهاد ( غير أولي الضرر ، قرأ أهل المدينة وابن عامروالكسائي بنصب الراء ، أي : إلا أولي الضرر ، وقرأ الآخرون برفع الراء على نعت ” القاعدين ” يريد : لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر ، أي : غير أولي الزمانة والضعف في البدن والبصر ، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، غير أولي الضرر فإنهم يساوون المجاهدين ، لأن العذر أقعدهم . )) ، سوف نتعرض لهذا النص بقراءتي الخاصة له ، والذي يبرز وجها مخيفا للأسلام ، وكما يلي : أولا – نص كان له ظروفه الزمانية والمكانية والتاريخية قبل 14 قرنا ، ومن بين أهدافه كان التوسع الجفرافي ونشر الأسلام .. ، فلم يفعل هذا الأن ، وفي القرن 21 !! ، ثانيا – لم يجاهد أهل الغرب ضد أهل الشرق وأهل الجنوب ضد أهل الشمال وبالعكس ! أني أرى في هذا كارثة أنسانية تعمل على تخلخل حضاري ، مع خلق الحروب والفتن وما يرافقها من مآسي أنسانية وما يترتب عليه من تدمير أجيال برمتها ! ، ثالثا – الجهاد سابقا والى الأن لا يتحقق ألا بالسيف ، لذا كان هذا الوجه الأسلامي دمويا ، ولا يحتوي أي معنى أو هدف أنساني نبيل ، رابعا – يرافق الجهاد ، على سبيل الأعلى مآساويا ، السبي وقتل الأسرى أو دفع الجزية ، جاء في موقع منتديات سودانيزاونلاين حول قتل الأسرى والسبي .. التالي (( جاء في الحديث الصحيح في قصة غزو بني قريظة عندما حكموا سعد بن معاذ : فقالوا : يا أبا عمرو ، إن الرسول قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد بن معاذ : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، أن الحكم فيهم لما حكمت ؟ قالوا : نعم وعلى من هاهنا ، في الناحية التي فيها رسول الله وهو معرض عن رسو ل الله إجلالا له فقال رسول الله ، نعم قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء )) ، وحول دفع الجزية ، جاء النص التالي / الأية 29 من سورة التوبة ( قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) . خامسا – ماهي الفائدة الأنسانية المرتجاة من الجهاد ، هل الجهاد أدات توحيد أم وسيلة تفريق ، هل هو على سبيل وطريق المحبة أم هو لخلق الكراهية والحقد ، هل غايته الطهارة والنقاء أم هو ماخور للجنس وجهاد نكاح ، الأجوبة متروكة للقارئ الكريم .
* وجها أخرا للأسلام ، أسميته مجازا بوجه ” العنعنة ” الخاصة ، وهذا يظهر في رواية الأحاديث ، فقد جاء في موقع / منتديات الحق الثقافية ، التالي (( صحيح البخاري – الحيض – مباشرة الحائض – رقم الحديث : ( 291 ) - حدثنا إسماعيل بن خليل قال أخبرنا علي بن مسهر قال أخبرنا أبو إسحاق هو الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت : ” كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك إربه كما كان النبي يملك إربه ” . تابعه خالد وجرير عن الشيباني . صحيح البخاري- الحيض – مباشرة الحائض – رقم الحديث : ( 292 ) - حدثنا أبو النعمان قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الشيباني قال حدثنا عبد الله بن شداد قال سمعت ميمونة تقول : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض ” . ورواه سفيان عن الشيباني . )) ، أولا : هذا الوجه مزدوج ، لأنه يتكلم ” بالعنعنة ” ، أي نقلا من راوي الى أخر ، ومن المعروف أن الكلام المنقول يزاد عليه أو ينقص منه ، كما أن المصداقية تقل به ، لعدم وجود أي تأكيد ، والوجه الأخر ، وبنفس الوقت يتكلم بقضية خاصة وحميمية جدا !! فهذه أزواجية مثيرة للجدل ، ثانيا : المشكلة الأعظم هي كتاب صحيح البخاري ، المتوفي في ( 1 شوال 256 هـ الموافق1 سبتمبر 870 م ) علما أن الرسول توفى الرسول في ( يوم الاثنين 12 ربيع الاول 11 هجري الموافق ل 632 ميلادي ) ، أي هناك فاصل زمني أكثر 240 عاما بين الحدثين ، أذن كيف تناقلت هكذا أخبار / أحاديث !! ، وبأي وسيلة ! ولا أدري ماهي المصادر التي أعتمدها البخاري في نقل هكذا أخبار خاصة جدأ ، ثالثا : هل من المعقول وقائع وأحداث تحدث في خيمة الرسول وقت وطأ زوجاته تحدث بها الزوجة فيما بعد الأخرين !! ، هل كان هكذا أمر عادي قبل 1400 عاما ، ألم يكن هناك خجل وحياء !! ، رابعا : وما هي مدى أمانة رواة الأحاديث في كتاب صحيح البخاري ، وهل كل نصوصه أمينة صادقة دقيقة ، ومن جانب أخر هل كان مسموحا للرواة بتداول الحياة الخاصة للنبي !! ، خامسا : من المؤكد هناك مساحة من الشك في صحة كتاب البخاري ، الذي يعتبره الكثير تاما مطلقا ، فقد جاء في موقع / رأي اليوم ، التالي ( قال الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ، وأشهر أستاذ حديث في مصر إن كتاب “ صحيح البخاري ” هو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، مشيرا إلى أن البخاري جمعه ودوّنه بدقة .. ) !! ، وهذه هي الطامة الكبرى ! .
القراءة :
الوجوه السابقة هي نموذج من الكم الهائل من الوجوه المتبعثرة بين نصوص الأيات والسنن والأحاديث ، والسؤال كيف تقرأ هذه الوجوه بعالم اليوم ، بعد أنقضاء 14 قرنا على القرأن وعلى الرسول !! ، كيف تقرأء وجها لزوجة تعلن للجمع تفاصيل علاقاتها الخاصة برسول الأمة ! ، فكيف تحكم على وقائع وأحداث كهذه من مجريات هذه النصوص الغريبة ، المكتوبة بلغة مركبة – هجينة ، وبظروف وأزمنة وأمكنة ترتبط بتأريخية تلك النصوص ! ، أيمكن قبول هكذا نصوص في ظرف وزمان ومجتمع وعقلية القرن 21 ، من المؤكد لا يمكن الأجابة ، الوجوه المتعددة والمختلفة حينا والغريبة حينا أخر ، تجعل القارئ بعيدا عن أدراك من المقصود ومن المعني وما هي الحكمة من هذا الوجه البارز لهذا النص أو ذاك ! .. هذه الوجوه – خلال تصفحك النصوص ، تتحول الى رمادية حينا وحينا أخر تفقد لونها ! ، وذلك لأن النص حينا يرمي الى معنى وهدف معينين ، والمفسر يبرز معنى وهدفا أخر بعيد عن الأول ، وأنت تحتار من تتبع ، وحينا ينفقد الوجه بين بنية النص وبين المفسر ، وبالأخر يتيه عنك المعنى والهدف معا ! .. أنها حقا تراجيديا الوجوه الكامنة في النص الواحد !! .
ختام :
الوجه الحقيقي والوجه الأخر ، الوجهين معا في الأسلام .. مفقود ! .