غالباً ما يعتبر الممسكون بالسلطة أنهم باتوا أهمّ من السلطة نفسها ومن النظام السياسي، ويربطون مصير البلاد والعباد بمصيرهم الشخصي ويخوضون الحروب تحت شعار “أنا أو لا أحد”، وعندما تهتز عروشهم يصير السائد “عليَّ وعلى أعدائي”. هكذا فعل كل الرؤساء العرب الذين سقطوا بعدما أسقطوا دولهم وداسوا شعوبهم. واليوم تتكرّر المأساة في سوريا مع الرئيس بشار الأسد الذي يرفض التنحي، وعوض ان يطلب من أي دولة حليفة لنظامه ضمان أمنه وعائلته، ويحزم حقائبه مفسحاً في المجال لتسوية بين موالين لنظامه ومعارضين له تنحو بالبلاد الى الديموقراطية وضمان التعدد والتنوع السياسي والحزبي والإتني والمذهبي والطائفي، تراه يتمسك بالسلطة التي يحميها بأطنان من البراميل المتفجرة تقضي على كل أنواع الحياة.
لعلّ الاسد بات يدرك أن عودته الى حكم البلاد كما كان في السابق، قرابة 40 سنة توزعها مع والده حافظ الأسد، باتت حلماً مستحيلاً، وهو لن يورث ابنه حافظ أكثر من تاريخ دموي يمنعه من مواجهة أي مواطن سوري شريف، لأن التاريخ الذي سيحمله من دون ذنب ملطخ بدماء الأبرياء، وآهات الموجوعين، ودموع الثكالى والأرامل، وصراخ الأيتام. لكنه كغيره من الحكام يرفض التنازل، فيهدر أنهاراً من دماء مواطنيه الذين عاشوا وأسلافهم نحو نصف قرن من غير ان يجرؤ أحدهم على التعبير ورفض الظلم والأحادية. ولم يقتصر ظلم نظام الاسد على سوريا، بل تعدّاه الى لبنان، وكلنا نعرف لبنانيين خطفوا وعذبوا وقتلوا فقط لأنهم رفضوا الاحتلال والوصاية.
أمام القرار الذي أقرّته الأمم المتحدة الجمعة، والذي يدعو الى وقف النار وبدء مفاوضات سلام ابتداء من مطلع كانون الثاني المقبل، عقبات كثيرة تحول دون تنفيذه لعل أبرزها مصير الأسد الذي لا يزال موضع خلاف بين الأفرقاء الدوليين. ففيما يعتبر وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان الأسد فقد صدقيته والقدرة اللازمتين لتوحيد بلده، ويؤيّده وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مطالباً بضمانات لرحيل الأسد بموجب الخطة، تبرز مواقف مقابلة روسية وإيرانية تتمسك به تحت شعار أن القرار يعود الى السوريين أنفسهم، كأن الدولتين احترمتا ارادة السوريين عندما قررتا التدخل مباشرة في الحرب السورية ودعم الاسد في مواجهة مواطنيه.
واذا كانت المواقف منه استمرت على ما هي في انتظار تسوية تقاسم مصالح مكتملة بين الدول المعنية، فكيف سينطلق قطار الحل مطلع السنة الجديدة؟ لعلّ مصير الاسد يكون سبباً لإحباط الحل أو تأخيره، على الأقل، وسيبقى مصير السوريين معلّقاً بين مطرقة النظام الارهابي وسندان إرهاب “داعش” وأخواته.
نقلا عن “النهار”