من قرية فيلي إلى زاخو تاريخ فكر ودين وعلم واسع
عصمت شاهين دوسكي
في عوالم عبق الماضي وصولات التاريخ والذكريات الراقية المفعمة بالعلم والفكر والأدب والإنسانية ، التقيت في زاخو الأستاذ العلامة الكبير ملا عبد الرحمن البوطي خه نده كى … بحضور الأدباء والفنانين دكتور حميد بافى والفنان التشكيلي نزار البزاز والمذيع والإعلامي المخضرم جمال بروارى والأديب عبد الغني كوفلى والأستاذ نور الدين كوردستاني .. تخلل اللقاء حديث نادر ومهم للأستاذ الكبير ملا عبد الرحمن البوطي عن حقائق مهمة موثقة عن كركوك مدونة في كتب وباعتراف كافة الدول المحيطة حولها وكذلك أحاديث عن الشعر والفكر والفلسفة والأدب بصورة عامة ، لحظات نادرة مع الأستاذ ملا عبد الرحمن البوطي وهو من مواليد 1935 م أسس مكتبة خاصة به فيها كافة النوادر الأدبية المهمة من فكر وتاريخ وفلسفة وبحث وعلم ودين ، مكتبته تحفة مهمة لم أرى مثلها في نطاق الشخصية الأدبية الفردية ،جزيل شكرنا للأستاذ الكبير ملا عبد الرحمن البوطي لحسن الضيافة والاستقبال رغم مرضه وسوء حالته الصحية , وأدعو كافة الدوائر العلمية والأدبية والثقافية والتاريخية والمعنية الاهتمام بمثل هذه الشخصيات المهمة …وهذه لمحات من حياته الاجتماعية والعلمية والدينية المهمة .
الأستاذ عبد الرحمن البوطي الخندكي هو ملا عبد الرحمن بن ملا عبد الكريم بن ملا علي بن ملا غازي من جهة ألأب ومن جهة ألأم ملا عبد الرحمن بن الشيخة ماريه بنت الشيخ صــــالح بن الشيخ مصطـفى الزاهــد. ولد الشيخ ملا عبد الرحمن سنة 1935م في قرية فيلي التابعة لمنطقة بوتان. وكانت أسرة الأستاذ من جهة الأب والأم أهـل فضل وعلم وتدرس ,توفى والده ملا عبد الكريم وبقي الأستاذ يتيما في أحضان أمه وعمره أحدى عشر ســـــنـة وبعد ختمه للقرآن وأخذ بعض الكتب الأولية
أرسلته أمه إلى قرية زفنكا شكاكا – الواقعة في مــنطـــقـة بوتان قرب ” جزيرة بن عمر ” سنة 1946م عــنـد أســتاذ والــده المـلا محمد الزفنـك شكاكي بن ملا طاهر بن ملا رسول ، والتحق ملا عبد الرحمن بمسيرته العلمية في تلك القرية وأخــذ التعلٌم وابتدأ أولا عند الملا أحمد الجلكي ثم ملا يوسف البزيني ثم سيد حسن ثم الأستاذ ملا محمد الزفنك شكاكي وبعد مرور زمــن قصد الملا محمد الزفنك شكاكي الحج ، خلالها نـوى ملا عبد الرحـمن الذهاب إلى كـوردسـتان الجــنوبـية لأخـذ المزيد من الدروس, وفي سنة 1950م أخذ دروس المنطق والنحو والتفسير من الشيخ عبيد الله البروشكي وبعد مدة من الزمن رجـع مـرة أخــرى إلى الملا محمد الزفـنـك شكاكي وتـم وأكمل دراسته لــدى أستــاذه ملا محمد – وكـان آخـر كتـاب في الترتيب العـلمي لـدى المـدارس الكوردية الفقياتيه هـو جـمـع الجـوامع – كـانت في ســـنة 1955م ويعطًي ملا محمد الإجازة العلمية شفويا له ، ( لم تكن الإجازة الكتابية موجودة لحرق مسوداتها وقرطاسها في ذلك الوقت ) وبعـدها ذهب إلى قرية خندك وبـدأ بوظيفته الدينية من الإمامة والوعـظ والشـريعة وتـدريس الطــلبة, وبعد مرور زمن استقبل الشيخ محمد سعيد سيدا وحصل على الإجازة العلمية منه كتابة في سنة 1963 م وبقى ملا عبد الرحمن في الخندك يدرس الطلاب لغاية سنة 1982م ثم ينتقل إلى جزيرة ابن عمر مع عائلته ويستمر بوظـيـفـته هناك حتى سنة1992م وبعدها لـزم علـيه أن يترك جزيرة بوتان لمرور المنـطقة بالمشــاكل السياسية وينتقل إلـى زاخو كوردستان الجنوبية وما زال هناك وكان اشتغاله المطالعة والتدريس والوعظ والمحاضرات الدينية والتاريخية ، وكـان لــديه طـلاب عــلــم من أول ما بدأ بمسيرته العلمية في الصغر حتى الآن ولم يتوقف يوما من الخدمة الدينية والعلمية والإنسانية وأعطى الإجازة العلمية لكثير من الطلاب ، وله من التأليف الكثير من الكتب وهذه بعض منها :
1- ميژوي كورد وكوردستان ، بنظم الكوردية البوتانية ، تاريخ وجغرافية دولة كوردستان وغيرها.
2- .القضية الكوردية دينيا وسياسيا وتاريخيا ( بالعربية ) .
3- مشاهير الأكراد ( بالعربية ) تحدث فيها عن العلماء والقادة الميدانين .
4- .الدولة الكوردية قبل ظهور الإسلام وبعده ( بالعربية ) تحدث عن اسم الدولة والشعب المؤسس.
5- .تاريخ بعض ملوك الأيوبيين ( بالعربية ) .
6- أصل الأكـراد ومـنـشأهم ( بالعربية ) .
7- الكـورد شـعـب مظــلـوم ( بالعربية ) .
8- متى يشرع السلم والحرب في الدين ( بالعربية ) .
9- فضلاء من جزيرة بوتان ( بالعربية( .
10 – فضلاء من بلدة نصيبين ( بالعربية ).
11 – محاضرات حول القضية الكوردية وما يتعلق بها ( بالعربية ) .
12- الثورات الكوردية من القرن الخامس ق.م. إلى عصرنا الحالي ( بالعربية ) .
13- تحقيق بعض المسائل الدينية وفق الشريعة الإسلامية ( بالعربية ) .
14- الأمالي الولدية في مختلف العلوم المادية ( بالعربية ) هذا الكتاب كان يلقيه ملا عبد الرحمن على ولده محمد هشيار أثناء قراءته علوم المادة عنده من أول كتاب للطالب ( بناء في علم الصرف حتى أخر كتاب للطالب العلمي هو جمع الجوامع ) يعني كل العلوم المقروءة في المنهـج التــعلـيمي من عـلوم النحو والصرف والمنطق والبلاغة والمناظرة والشريعة والتفســير أصـول الفـقه وغـيرها
15- وهناك بعض تحقيقات وإعدادات ورسائل لم ترتب ولم يسم.
كـان لـدى الشٌيخ زوجتين وعنده ثمانية أبناء ( 3متوفين ) وخمس بنات, وكان الولد الوحـيد الذي تعلم على يـديه هو محمد هشــيار الـذي أكـمل دراسـتـه عـــنـده حتى حصوله الإجازة العلمية لديه, فالـتـحق بجامعة الأزهـــر الشريف في مصر وسار على نهـج أبيه.
الأستاذ ملا عبد الرحمن لديه أسلوب خاص في الكلام ، يؤدي خطابه وكلامه بالأمـثـلة الحكمية والقـياس والـبراهـين مقنعا مخاطبه وحين لم يفهم الخصم الكلام يؤدي بأسلوبه الخاص ،مستمعا جيدا إلى من حوله من الكـــلام ثم يحـلل الموضوع ويأتي بالدليل العقلي والنقلي من المصادر الكتبية حافظا رقم الصحيفة لـو لــزم الأمر, متواضعا ومصرا على العلم والمطالعة ولم يهتم بالمال بل الحياة عنده التدريس ومطالعة الكــتـب والعــــــلم وخدمة الشعب الكوردي والإنسانية عامة ، ولـه عـزة نفس ووقـار العلماء ويحترم العلماء كثـيرا ومشتـغلا بكل العلوم من الـعلوم الدينية والعقلية والنقلية ، واجـتماعـيا جـدا ، خالط كـل فئات المجـتمع وكل طبقة على قدر عقولهم وعنده سرعة الإجــابة عندما يطرح سؤال ولم يكـن لديه خوف من لومة لائم في الدفاع عن الشعب الكوردي. لديه ذاكرة قوية في حفظ الأشياء ، حافظا لكثٌير من المتون العلمية ومهتما كثٌيرا بتراجم العلماء وحياتهم ، لديه مكتبة علمية نادرة لا تقدر بثمن في البيت شاملة تضم كل العلوم ، يطالع في أكثر أوقاته , كان في وقت ما مصدرا لـحل النزاعات والخلافات الدينية والاجتماعية في المنطقة سواء في كوردستان الشمالية أو في زاخـو وكلامه لم يرد ،له مكانة رفيعة بين كل طبقات المجتمع لم يكن طالبا للشهرة والمناصب ، تلقى على يديه أناس كثٌيرون دروسا من شتى جهات المنطقة بعض منهم أخذوا الإجازة العلمية وكـل من درس لديه إلا صار خادما للدين والعلم والوطن, لأن الأستاذ كان يقول ( إن كل ثورة كوردية قامت من العلماء أو الشيوخ الكوردية أمثال الشيخ عبيد الله, وبدرخان, والشيخ محمود البرزنجي وسيد رزا, وقاضي محمد والشـيخ عبد السلام البارزاني والشيخ سعيد بيراني والمرحوم الخالد الملا مصطفى البارزاني.. فإذا هــذه دعـوى واجـب على عاتق أهـل العلم لكـي يفهم الناس واجباتهم الديـنية والقومية ) .
ومن سنة 2016 م مرض بضـعــفه قلـبية وصار معتزلا في بيته.
نادرا ما نرى هذا المخزون العلمي والديني والإنساني ، الأستاذ ملا عبد الرحمن يعتبر منبرا فكريا يحتاج إلى الاهتمام والتحليل والتأويل السليم في عصرنا الحاضر والاستفادة من خبرته الطويلة ، كان سعيدا عندما التقينا به في مكتبته النادرة التي تعتبر متحفا صغيرا في مساحتها ولكن كبيرة في مضمونها ،شرح لنا الكثير من الأمور الفكرية المنطقية في التاريخ والدين والعلم والأدب رغم الوقت القصير ويسعدني أن يكون ولده الأستاذ محمد هشيار أن يسلك نفس طريق والده الفكري والعلمي في زمن طغت فيه الماديات على الإنسانيات والمظهر على الجوهر في زمن فيه أكثر الأدباء والعلماء والمفكرين في المنفى الاجتماعي والحياتي .
*******************
المصدر : مخطوطة من الأستاذ محمد هشيار .