تساءل أحد الأصدقاء أمامي كيف وفي خلال فترة زمنية قصيرة أصبح لداعش جيش يفوق 50 ألف مقاتل؟؟؟ وكان ردي بلا أي تردد.. البطالة أولا.. و غسل الدماغ ثانيا.. من خلال عملية تحريض وكراهية لكل ما هو مختلف ولكل معتنقي الأديان الأخرى.. إمتدت عبر أكثر من ثلاثين سنة عملت على تكريس مفهوم التضاد بيننا وبين المجتمعات الأخرى والأديان الأخرى.. بحيث جعلت كل شعوب المنطقة العربية الإسلامية في حالة جهاد مستمر أخذ كل الأشكال بدءا بالرفض لكل القيم المختلفه بدون حتى التفكير بما قد نستفيد منه من هذه القيم.. رفضنا حرية التعبير… وحرية التفكير… وحرية الدين.. وحرية المرأة.. وإستعمل فقهاء الدين المنابر لتوظيف كل ماهو مناقض للقيم المجتمعية الإيجابية التي يجب غرسها في هذا القرن…. كما قال الدكتور عبد الحميد الأنصاري في إحدى مقالاته السابقه.. نحن الأمه الوحيدة التي تدعي على الكفار في مساجدها.. ولولا الكفار لما وجدنا المكيف.. ولا السيارة..ولا الطيارة !! بمعنى كل وسائل الراحه التي ننعم بها بينما نرفض مخترعيها ونكفّرهم !!!وأكدنا لكل هذه الإختلافات في مناهجنا التعليمية.
في سبتمبر 2001 وخلال أيام بعد إعتداء القاعدة في نيويورك.. وفي حلقة للمذيع حافظ المرازي “من واشنطن” حيث جمع أربعة من الأميركيين من أصول عربية للبحث من أين جاء هذا العنف.. شاركت هاتفيا كمستمعه للبرنامج.. بأن التحضير لهذا العنف تم من خلال الخطاب الدين المشحون بالتعصّب والكراهيه لسنوات الذي كرّس لتقسيم البشر إلى نحن.. وهم !!! ويبدوا أن المشاركين ’صعقوا من تعليقي لأنني رأيت كيف تبحلقت عيونهم خوفا من الرد أو الإجابه… هل كانوا غافلين عن حقيقة ما كان يحدث في جوامع المنطقة العربية.. وحتى الجوامع الموجودة في الغرب…
’ترى من هو المسؤول الحقيقي… هل نضع اللوم على الأنظمة العربية التي تقاعست عن تحقيق طموحات مواطنيها في حياة كريمة.. هل نضع اللوم على فقهاء الدين.. هل نضع اللوم على الثقافة العقيمة والتي أنتجها بالتأكيد فقهاء الدين وإستمرأها حكام المنطقة العربية خوفا على عروشهم الذهبية.. هل نضع اللوم على أنفسنا لأننا لم نتصدى فورا لتصاعد العنف المبرر بالنص وبالثقافة.. في منازلنا.. وفي مجتمعاتنا.. وفي عقولنا..
داعش ليست وليدة مؤامرة غربية جاءت حصيلة الأسباب السابقه… وإن كان غباء الغرب في التعامل مع الوجود السوفياتي في أفغانستان كان أول من ساهم في إعادة ولادة الفكر الجهادي.. ولكن علينا في ذات الوقت ان نتساءل وبصدق هل حقا مثل هذه الأفكار موجودة في الدين؟؟؟ من حق الإنسان العربي أن يعرف الحقيقة وأن مثل هذه التحريضات موجودة في كل الأديان.. وكل الكتب الدينية..بما فيها كتب الدين الإسلامي..
بالمقابل علينا اولآ الإعتراف بأن الأديان كلها جاءت من أجل خدمة إنسانها. بهدف تنظيم للمجتمع الذي يعيش فيه بما يتناسب مع تلك الحقبة التي نزلت فيها الأديان… ولكن من واجبنا في هذه الحقبة الإعتراف بالتغييرات الكبيرة التي مرت بها البشرية خاصة وخلال المائتين سنة السابقه.. والتعايش مع ما حولنا..
الأهم في ذلك التساؤل كيف إستطاع الغرب أن يقتلع الأفكار الدينية المتصلبة من النفسية الغربية بينما تسمع ضجيجها حتى في دقّات قلب الإنسان العربي.. سواء القابع في المنطقة أم المغترب المواطن في دول الغرب..
كيف نجح الغرب في تحجيم وإقتلاع العناصر السلبية من مجتمعاته؟
اولآ تحييد الأديان..لوأد التعصب في مهده.. مما مهد وتدريجيا للفصل التام بين الدين والدولة.. بحيث تحوّلت المنابر الدينية وحفاظا على وجودها وإستمرارها.. منبرا للنور والتنوير من خلال رسالة التعاطف الإنساني التي تحث عليها مستعملة العوامل المشتركة بيننا كبشر على أنها الرسالة الإلهية والهدف الأسمى من الدين.. واستعملت هذه الرسالة كعامل جامع وليس عامل ’مفرّق… وبالتدريج وأدت في نفسية المواطن الإحساس بالتميّز والإستعلاء..
في ذات الوقت الذي عملت فيه الحكومات على تجذير فكرة المواطنه من خلال دستور يؤكد الحريات والمساواة ولكنه وفي ذات الوقت يؤكد سيادة القوانين… وعملت على إعلاء وترسيخ ترابط المصالح الإقتصادية المشتركة بين شعبها وشعوب المناطق المجاورة..بحيث ضمنت فكرة الأمن الإقتصادي والأمان للجميع..
تقنين حرية التعبير.. التي شجّعت على نمو وتنمية المجتمع المدني الذي يوجه الحكومات من خلال الرأي العام.. (حتى وإن لم تعمل به هذه الحكومات كما حدث حين خرج الملايين من المواطنين في أنحاء العالم الغربي رافضين لفكرة الحرب على العراق.. ولكن هذا المجتمع المدني وحتى هذه اللحظة يعمل على محاسبتها.. خاصة في بريطانيا ).. المجتمع المدني هو القلب النابض والموجه للسياسات الحكومية سواء الداخلية أو الخارجية.. نعم قد يعطب لفترة.. ولكنه يعود ليحيي الضمير الجمعي في هذه المجتمعات لتوجيه الحكومات..
في المقابل وفي المنطقة العربية فحرية التعبير شبه معدومة…و’محرّمه دينيا.. ومرفوضه من الحكومات والمجتمعات وكلها تعمل على تنمية ونمو ثقافة القطيع فكيف لمجتمعات العمل المدني الخروج عن هذه الثقافة.. والخروج من الخوف المتأسس في قلوبنا عن هذه الثقافة؟؟؟ إضافة إلى أن المبدأ الأساسي للعمل المدني في الغرب مبني على الضمير الفردي لبعض الأثرياء من منطلق الإحساس بالمسؤولية والعطاء.. يقومون برصد ثرواتهم أو جزء منها للعمل المدني.. وهي أيضا ثقافة غير منتشره أو معروفه في المنطقة العربية إضافة إلى ما ذكره الزميل العراقي جواد غلوم في مقالته في إيلاف “” منظمات العمل المدني في العراق بؤر فساد وسياحة”” عن الفساد المستشري فيها.. تعليقي أن غياب ثقافة المسؤولية المجتمعية في مجتمعاتنا هي ما جعل العمل في مثل هذه المنظمات مجرد وظيفة تضمن الراتب إضافة إلى تغطية مصاريف حياة تشمل الإستمتاع ورؤية العالم !!
ماذا نستطيع وكيف نواجه التهمة الموجهه للمنطقة العربية بأسرها الآن.. وهي تهمة الإرهاب؟
الحرب على الارهاب تتطلب الجرأة وعدم الخوف والانخراط في معركة الافكار بدل التفجيرات.. تماما كما حاول المرحوم فرج فودة.. والمرحوم نصر حامد أبو زيد الذي دعا لتجديد الخطاب الديني وإعتبره الفريضة الغائبة.. بمعنى تخليص النص من سلطته المطلقة.. أي تفسيره تفسيرا إيجابيا يتناسب مع الوقت والزمان…. ومحاولة فهمه من حيث القصد والنية وليس التطبيق الحرفي لما كان ’يعمل به قبل 1400 سنة !!!! وهي السلطة التي تستعملها داعش وأخواتها للمرور خلالها إلى المجتمعات والعقول العربية.. ولتجنيد الشباب العاطل عن العمل….
الحرب على الإرهاب تبدأ من تحييد النصوص.. وليس التأكيد على أنها منهاج حياة.. لأنها وفي القرن الحادي والعشرون.تغلغلت إلى ثقافة.تصطدم بقوة مع التغيير المطلوب فيما أصبح ’يعرف بالتقاليد والعرف والتي تصطدم بقوة داخل المجتمع ذاته مع قيم الإنسانية والتسامح والعفو…
الحرب على الإرهاب تقتضي نقدٌ للثقافة السائدة من داخلها التي ’شرّعت من خلال النص ونقد جرىء لتلك القوانين المعمول بها والتي تتصل مباشرة بالحط من الكرامه الإنسانية.. تماما كما يحدث فعليا وعلى أرض الواقع في موضوع الشاب السعودي الذي حكمت عليه المحكمة بألف جلده لمجرد تفكيره الليبرالي الذي يرى بان من مصلحة المجتمع السعودي إلغاء المؤسسة الدينية المعروفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها عائقة للتنمية المجتمعية وتتدخل في كل الأمور الشخصية…..
الحرب على الإرهاب تقتضي التمييز الواعي بين الواقع.. وبين الأسطورة.. ودفن الكثير من الخرافات الدينية التي تملأ المناهج التعليمية.. وهي تتطابق أيضا مع محاولة الشيخ الأزهري سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف السابق تبرير فكرة تعدد الزوجات في الإسلام.. بأن كشف أسطورة النبي سليمان الموجودة في الكتب التوراتية والتي من غير الممكن قبولها وقبول فحولته الجنسية التي تدّعي بمعاشرته ل 100 إمرأة في ليلة واحدة…
الحرب على الإرهاب تقتضي تقنين حرية التعبير والفكر.. والفصل التام بين العمل الدعوي والعمل المدني الذي يقوم على أساسة المجتمع المدني.. تماما كما حصل حين قامت جمعية صناع الحياة بالإطاحة بالداعية عمرو خالد.. لبعد نظر المؤسسين للجمعية بفصل تام بين العمل المدني التنموي للقدرات البشرية.. والدعوة الدينية خاصة وأن دعوته إرتكزت على التنمية بالإيمان.. فكيف؟؟؟؟
خلل التفسير والتأويل الديني بناء على الفقه هو ما أدخل الإنسان العربي المسلم في متاهات الفهم والتطبيق؟؟ وليس هناك من أمل في إصلاح سياسي.. أو إقتصادي أو إجتماعي بدون مراجعة هذا الفكر وفهمه فهما يتناسب مع الحاجات الإنسانية العصرية.. ومع مبدأ التعايش في هذا العالم..
الحرب على الإرهاب يجب أن تبدأ من أنفسنا ومن داخل المنطقة العربية.. خطوة بابا الفاتيكان الأخيرة لفتح حوار للأديان في جنيف تصب في فتح عيون الغرب على أنه من الجهل انفاق المليارات بمعركة عسكرية لن تنتهي.. بل ستؤسس للغلو في التعصب وفي رفض حتى المسلم المعتدل لهذه الحرب خاصة حين تاتي من الخارج وبمساعدة أنظمة عربية ساعدت ولا تزال على نمو وتنمية هذا التعصب والإستعلاء…. والتطرف.
ولكن البابا لم يستطع إقناع الحكومة البريطانية حين قال ” إن حرية التعبير لا تسمح بإهانة ديانة الآخر أو التهكم عليها “… وعلى لافور أجاب ديفيد كاميرون رئيس الوزراء بان المجتمعات الحره تعطي الحق بالتهكم على الديانات.. ولكنها لا تعطي الحق بالإستعلاء على القانون وإستعمال العنف.
المصدر ايلاف