الآشوريون السوريون وأنياب “داعش”

Residents walk along the Tal Abyad street market in Raqqa, ahead of the upcoming Muslim Eid al-Adha holidayإبراهيم سمو

مرة أخرى ذي،المحن والمذابح تحتويهم، فتلفظهم الابادات كما في الماضي، عبرانتهاكات ومجازر ظالمة جديدة؛ إذ لم يعد يستقر بهم المكان،لا بل استحال الوطن جراءها،الى صفيح ساخن،يكوي وجودهم وثراءهم الروحي، ويتنكر كما في كل مرة،لسخاءات الحضارة التي دشنوها على الأرض، فصدّروها الى اصقاع هذا الكون الفسيح، وعاود التاريخ العاسف، الآثم نفسه مرة أخرى،واضحى يفيض من حقد “داعش”، بصورجديدة من التطهير العرقي؛ كتلك المبيدة،التي كان خص الطغاة بها،من قبلُ الاشوريين وسواهم من أقليات الشرق، ف”الذاكرة الجمعية ” ماتزال حيالها عليلة:

ـ تُدمَى من قيوح وآلام ” المجازرالحميدية 1894-1896 “،التي عُزيت الى السلطان العثماني “عبد الحميد الثاني”، الذي شرع يفتك عبرها بالآشوريين،والارمن،والسريان،والايزيديين.

ـ وينغصها ” مذابح سيفو أيلول 1914 – 1920″ ـ نسبة الى قتل اغلب الضحايا بالسيف ـ التي ما يزال الاحفاد،يتناقلون قصصها المفزعة، جيلا عن جيل،فيُمنَون بهستريا من هول مهالكها والمآسي،بل “حروب الإبادة الجماعية ” التي اقترفتها “القوات النظامية العثمانية”،بمؤازرة بعض “الاغوات الكرد”،من ذوي “النزعات الدينية”،بحق الاجداد الآشوريين والسريان والايزيديين،بوحشية يشيب لسردها الولدان.وتجدر الإشارة ان هذه المذابح،وسيرورتها بلاانقطاع،كانت وراء ان ينزح الاشوريون،بحثا عن السكينة والامن،الى اكثر من مكان داخل الدولة العثمانية او خارجها،حتى توطّنوا أخيراً،وبعد حل وترحال مريرين ؛من التشريد الحارق، شمالَ العراق،بمعرفة الإنكليز الذين حفّزوا ـ حسب الرويات ـ ميول الآشوريين،الى المطالبة بالانفصال عن العراق،ثم تراجعوا حين تنكّب الآشوريون في العراق،بمذبحة ” سميل ” الجديدة.

ـ فتنكمش أي “الذاكرة الجمعية”،من لظى ” مجزرة سميل 8-11 آب 1933 “،التي اقترنت باسم الضابط العراقي “بكر صدقي”، ابان عهد “الملك فيصل”،وحكومة “رشيد عالي الكيلاني”، و مايزال بعض منكوبيها على قيد الحياة، او كانوا الى وقت قريب، وحدّثوا الابناء والاحفاد، عن مشاهد مرعبة من الدم الذي اريق، وعن خيبة الامل بالانكليز،الذين لم ينكثوا فقط بالعهود،بل امتنعوا حرصا على عدم اضعاف الملك فيصل ـ وفق بعض المصادر العراقية ـ امام شعبه، بتحقيق دولي مستقل، وسكتوا عن مطالبة الدولة العراقية،بمعاقبة الجناة الذين كُرّموا كالابطال،فشُرِّد إثر ذاك البطش،ثلث سكان سهل نينوى من الآشوريين، الى شمال سورية بعدما فقدوا السند،فأرسوا دعامات “بلدة تل تمر “سنة 1934، كحاضرة لهم،وتناثروا قرب حاضرتهم هذه، في قرى على ضفتي الخابور؛ تتلألأ مثل فراقد.

الآشوريون و”فراديس تل تمر”:

ما ان حل الآشوريون ب”تل تمر”،التابعة لمحافظة الحسكة،وهندزوا قراهم على الخابور،حتى احيل المكان من كتلة جرداء،الى بقعة خضراء مكسوة ـ عدا عن الخُضار ـ بأشجار وبساتين من التين والعنب والخوخ والاجاص والرمان وسواها من الفواكه، إذ اغرقوا أسواق “الجزيرة السورية”،بثمار كانت لجودتها،ان تغري المستهلك،فيُقبل بلا تردد على تبضعها،كما وصيروا تل تمر ؛البلدة وما يخضع إداريا لها، من قرى وبلدات، الى “فراديس ” من “متنزهات” و”مقاصف”،يرتادها القاصدون من كل حدب وصوب،طلبا للترويح عن النفس،او رغبة في التلذذ بلقمة “هنيئة مريئة “،في رحاب الطبيعة التي حولها أصحابها،بذكاء حاد من ضَجِرة الى اخّاذة.

الجزيرة وفيوض الثقافة الآشورية:

هذا وقد فاض عن تحضر المجتمع الآشوري الفكري، والروحي،والشعبي العديدُ من الأعراف،والممارسات التي تخلّق فيما بعد بها المحيطون بهم،من اقوام واعراق ومكونات اجتماعية،مقاربة او مغايرة،الى درجة تأصلت تلكم الأعراف الآشورية،في المجتمع “الجزراوي “، بكل اطيافه واختلافاته، وتجذرتْ خصيصةً للمكان كله،وملكا يخص “الاطياف الجزراوية” قاطبة،لا الآشوريين وحدهم،ومن ذلك مثلا رقصتي:”باغية اوباكية” و”شيخاني”، اللتين لايكاد يمر فرح،اوحفلةُ عرسٍ، او أخرى راقصة في الجزيرة،دون أداء احداهما اوكلتيهما معا،وبشغف منقطع النظير.

شخصيات من الماضي والحاضر ذات أثر:

لم تبرز أهمية وفاعلية السريان والكلدان والاشوريين في الماضي وحده،بخاصة في العصرالعباسي؛ حيث اشارت مصادر تاريخية:ان معظم الترجمة في ” بيت الحكمة”،كانت بيد ” اليعاقبة والنساطرة “،وانَّ أسماء بارعة تولت شئون الطب؛ من مثل “حنين بن إسحاق”،و”اسحاق بن حنين “،و”خيش بن الاعسم “،واخرين من عائلة “بختشوع”، بل كذلك في الحاضر اوالماضي القريب ؛إذ لو تعرّض منصف في الجزيرة السورية للآشوريين،فسوف لن يغيب عنه “توما يلدا “المَلّاك ذائع الصيت،صاحب القصر الشهير،الذي نشرت صورعنه في الموسوعة العربية الحرة ـ ويكيبيديا،والثري الذي اعان كثيرا أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة،في “جزيرته” عبر تمكينهم من العمل،في عقاراته الزراعية،واملاكه الكثيرة كعمال مياومين او مشاهرين او موسميين او فلاحين او مستثمرين،او في إدارة اعماله الأخرى،وكذلك لن يغيب عن المُنصفِ عينه “قرياقسُ “الطبيب الشعبي الذي كان يقصده أصحاب العلل والاوجاع،على مدى عقود طوال سالفة للاستشفاء،فكان يُرحَب بهم مُعالَجين، مُطعَمين، وان استدعى الامر مقيمين في غرف خاصة بالمرضى ملحقة بمنزله بلا اجر او بأجر زهيد ومقسط،وسيقرّع المتذكرَ/المنصفَ وجدانُه ان سها عن ” يوخنا هرمز ” الذي ختم الطب في المانيا وعُيّن كبيرا للجراحين في احد مشافيها بيد ان الحنين الى الوطن غلبه،فآثر عام 1976 العودة،حسب ما هو مذكور في نعوة وفاته، فافتتح “مشفى هرمز” في مدينة “الحسكة “وواظب على خدمة المرضى كراهب يعالج ويتدخل جرّاحا ان لزم الامر باجور مخفضة او دونها اذا ما شكا المريض الفاقة وسوء الحال، وكذلك ” شاموئيل ” مدرس الرياضيات،الذي اشرف على تعليم اغلب النخب الثقافية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية في “المحافظة”،لن يغفل تلامذته عن سيرته العبقرية،وان كان المتتلمذون عليه في آخر حياته التعليمية سيقرنون سيرته لقصر في نظره بتهكم لا يخلو من ود لكونه كان يرسم الدائرة على السبورة ويعين مركزها خارجها..وسندا على الذي سُرِد فواقع حال الآشوريين وسائر الأقليات في الجزيرة يتساءل او قل يسائل ويفور ب:

أسئلة مشروعة إزاء واقع يُنتهَك:

قبل الدخول الى المأساة،التي قصمت او كادت ظهر الاشوريين،وعلى ضوء ما انجزته أقليات الشرق،من فاعلية في الدور والحضور،وما خلفه ابناؤها من قيم وحضارة إنسانية،وما واكب فعاليتهم من فضائل واعمال بناء جادة تخلو من مآخذ،فأن من حقهم ومَنْ على نوعيتهم من بشر لا يضار من هوياتهم في سورية وكذلك في العراق، ان يتساءلوا او حتى يسائلوا..

ما الذي أعاد المجازر والإبادات التي كان افتعلها العثمانيون في عهودهم وربما قبيل العثمانيين او بعيدهم أحيانا أصحاب النزعات الجامحة الجانحة الى الغاء الآخر المختلف او المخالف عقديا او عرقيا الى الوجود.. ألم تكن الفتنة اياها نائمة..مَنْ ومَا الذي ايقظ تلك النائمة..ثم ما الجريرة او الإثم او المحظورالكبير او حتى الصغير الذي اقترفه أبناء الأقليات كي يثابوا بالتطهير والإبادة والإفناء سوى انهم كانوا أُساً اصيلا بل يدا مؤسِسة في رقي الحضارة الإنسانية التي شعت عن الشرق..لِمَ يرمون ان يروا الشرق خاليا من اقلياته الاصيلة ثم أخيرا وليس آخرا.. هل بالقتل وبتر الرؤوس والتمثيل بالجثث والتجاوزعلى الشرف وسبي المحصنات تُبنى الدول وتدار المجتمعات..بمَ اوكيف يُفسَّرالذي حدث في تل تمر مع الآشوريين وقبله مع الايزيديين في كل من ” جهفة ” و”الاسدية” و”التليلية” اذاً ثم ما الذي حررته” داعش” باسم “اسلام”ها في تل تمر؟!.

حلبة تل تمر: داعش وآشور:

ناهيك عن الإبادات،التي الحقتها “داعش” بالأقليات العراقية،وسوى ما عاثته “جبهة النصرة “من قبلها ومعها،من خراب في سورية،بحق غيرالمسلمين او المسلمين غير المتمذهبين بافكارها وعقائدها،خصوصا حين باغتت “النصرة”،منطقة رأس العين السورية،فاغتصبت في المنتصف الأخير من آب ـ أغسطس 2013 قرى الايزيديين،في كل من “جهفة”،”الاسدية”،”درداره” و”التليلية” وهجّرت قرويها،وقتلت الشقيقين “علي ومراد سعدو”،ونهبت ممتلكات هاتيك القرى، ووضعت يدها ـ قبل ان تحررها “قوات الحماية الكردية “ـ على الدُّور والعقارات،ثم قتلت الايزيدي “حسن خابور”،من قرية “لزقة”، بتفخيخ سيارته بعد الترصد له، فقد حلت الآن ساعة الآشوريين،حسب المخططات،حيث احتلت داعش،في الذكرى المئوية لإحدى مجازرهم ؛اي” سيفو”،القرى الآشورية المتناثرة كالدرر،قرب “تل تمر”؛على ضفتي الخابور،فقتلت،وهدمت، و احرقت او فجرت دورالسكن والعبادة والمحال التجارية، على الشريط الجنوبي من نهرالخابور،وسَبَتْ النساء والأطفال،وخطفت الشيوخ والكهول،وبثت الرعب في سكان القرى على الشريط الشمالي من النهر، فنزح الاهالي الى مدينتي الحسكة والقامشلي..وضيقوا على “تل تمر” وقراها،بحقد انكى من حقد “نيرون” على “روما”، وفي هذا المنحى يدلي الشاهد العيان والناجي “الياس توما”،من قرية “ت س” وعبر شريط فيديو مبثوث على “اليوتيوب”،ومنسوب الى “الشبكة الآشورية “؛كجهة ناشرة فيقول:”بدأت المعركة بين الطرفين بين داعش من طرف ووحدات الحماية الكردية والقوات الآشورية وقوات “السوتورو” وشباب قرية “تل هرمز” من طرف آخر يدا بيد اكراد وسريان وآشوريين ” ويتابع الشاهد:” كان لدى داعش معدات وقوى بشرية اكبر من معداتنا وقواتنا ” و يزيد الناجي “توما”:” والقوة لم تقتصرعلى دوشكا بل كان معهم صواريخ يرمونها من أربعة محاور..كان لديهم دبابات ومدافع وكل شيء ” ويفصّل “الياس توما” من مشاهداته عن انفجار كنيسة تل هرمز:” وفي ذلك الصباح سمعنا صوت انفجار قوي اهتزت الأرض من تحتنا فقال اخي اوديشو انظر الياس لقد فجروا الكنيسة نظرت فاذا الكنيسة ” غص سارد الشهادة العيانية بالبكاء، انقلبت ملامحه وسكت برهة،فادار وجهه واكمل الجملة بوجع وتحسر: ” سويت بالأرض “.اما المحامي وعضو” المجلس الشعبي الآشوري” “زيا حيدو ” فقد افاد في مقابلة إذاعية، أجريت معه على اثير راديو
(ARTA )
الكردي،في احد برامجه بالعربية ب ” احتلال كل الشريط الجنوبي ابتداء من قرية “تل هرمز” الى قرية “تل شاميرام” من قبل داعش ” وبيّن عضو المجلس الشعبي حيدو: ” ان 32 قرية على ضفتي الخابور قد اخليت ” كما اكد حيدو ان:” قوات الحماية الكردية،هي التي امنت سلامة نقل الأهالي الى الحسكة ” ولم يفت المحامي الآشوري ان يثني على مساعي “جمعية الثقافة السريانية” في حي الناصرة ـ الحسكة في الاستقبال والإيواء ويشيد كذلك بدورالهلالين الاحمرين:السوري والكردي.

وفي السياق عينه،اعرب مؤسس “شبكة حقوق الانسان الآشورية” “اسامة ادوارد” في مقابلة له مع قناة
( CNN)
البريطانية عن قلقه البالغ: “يخشى أن يواجه الرهائن نفس مصير الآشوريين الذين جرى استهدافهم في العراق من قبل،ومصيرالأقباط المصريين الذين قام عناصر التنظيم بذبحهم بعد اختطافهم في ليبيا”. دعا “ادوارد “المجتمع الدولي الى التدخل السريع وعلّلَ: “ولهذا السبب فإننا ندعو جميع دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا وقوات التحالف، لإنقاذ وحماية الآشوريين. إنهم أشخاص عزل يواجهون الموت، وهم بحاجة إلى مساعدة، لقد تركوا وحدهم – لا أحد يحميهم.”.

ثم اخيراً وبعد التي واللتيا..بعد ان فجروا اكثر من كنيسة،ودُمرِت بيوت، ومتنزهات وأُهلِكتْ خضرة تل تمر الخلابة،وتم التجاوز على الشرف والأخلاق الإنسانية، وبعد ان بلغ عدد المخطوفين،الى اكثر من( 280 ) بين طفل وامرأة وشيخ معمر آشوري، واخليت تل تمر وقراها عن بكرة ابيها من سكانها،فامتزج في الدفاع عنها الدم الآشوري والكردي والسرياني والعربي بخاصة من أبناء قبيلة شمر بتراب “تل تمر” و”الجزيرة”،يبقى لسان حال واقع الأقليات السورية، يرهقه القلق على الوجود والمصير ؛فيردد هو لسان حالهم المتحدث عن ابادات: أ مِنْ مجيب للآشوريين والكرد والسريان وسواهم من أبناء الأقليات في سورية بعد ان تُرِكوا بلا معين اوسند في مواجهة الوحشية الداعشية.. أحقا سيُترَكون هكذا أمام آلة الإرهاب ذات المفعول الإبادي التخريبي، وحدهم وبامكاناتهم الذاتية، بعد ان تخلى النطام عن المراهنين عليه،ام ان المَدد والحماية إن دوليا او إقليميا او من جهات أخرى ستَحْضَر.. ام ان الجهات الدولية والإقليمية عينها تُحضّرـ دون ان يكون النظام بعيدا عن الطبخة ـ ل “سيفو ” او”سميل ” جديدة عبر داعش وإرهاب داعش.. ام للمسألة وجوه أخرى؟

المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.