بقلم سناء العاجي/
منذ تأهل فريق كرة القدم المغربي لكأس العالم 2018، انتشرت التعليقات والصور والنكات على المواقع الاجتماعية، عن الاكتساح الذي سيقوم به الجمهور المغربي للنساء الروسيات، والخطر الذي يشكله ذلك على حبيباتهم وزوجاتهم في المغرب.
مع اقتراب ثم مع بداية التباري، ووصول الجماهير المغربية لروسيا، عاد الأمر ليتكرر من جديد، وانتشرت صور ونكات ورسومات عن نفس الموضوع.
هذه التصورات تترجم وهما شائعا في العديد من دول المنطقة عن الفحولة الخيالية للذكر العربي
هذا الأمر، وإلى جانب النكتة والسخرية، يطرح عدة تساؤلات حول تصور الكثيرين للعلاقة بين الجنسين وعن تصورهم للمرأة بشكل خاص.
فهل مثلا تنبني العلاقات (الغيرية، لأننا هنا لا نتحدث عن العلاقات المثلية) على الجمال الجسدي للمرأة فقط؟ ألا يفترض أن تربطنا بالآخر علاقات إنسانية يكون فيها الإعجاب بالجمال مكونا من مكونات أخرى كثيرة؟ أو ليس الجمال نفسه أمر نسبي يختلف من شخص لآخر؟
اقرأ للكاتبة أيضا: سناء العاجي: “اغتصبوا يرحمكم الله…”
هربت نورا إلى بيت أهلها. لكن، ولأن مشاعرها وما تعرضت له من عنف لا يهم أمام سلطة الأب والقبيلة وأمام مفاهيم “الشرف”، فقد سلمها الأخير للشرطة وتبرأت منها كل الأسرة.
بل والأدهى من ذلك، هل يتصور البعض بأن النساء الروسيات كن في عطش للحب وللجنس وللرجل قبل وصول الوفود المغربية (أو أي وفود أخرى تعيش نفس الاستيهامات)؟ إذا كنا نتوقع، ولو مازحين، هذا الاكتساح الذكوري المغربي (أو المصري أو السعودي أو غيره) للمجتمع النسائي لروسيا بسبب كون هؤلاء النساء فاتنات، فلماذا يا ترى ستختار هؤلاء النسوة الرجل (الذكر؟) المغربي؟ ألا يمثل، مثلا، منافسه الإيراني أو البرتغالي أو المكسيكي اختيارا أفضل على مستوى الشكل ما دام المعيار الوحيد الذي يتم اعتماده لاختيار النساء هو الشكل؟
من جهة أخرى، فإن هذه التصورات، حتى وهي مازحة، تترجم وهما شائعا في العديد من دول المنطقة عن الفحولة الخيالية للذكر العربي، والذي تتهافت من أجله النساء الشقراوات. الرجل العربي أو الإفريقي ليس بالضرورة هو الفانتازم الرهيب الذي تحلم به كل امرأة أوروبية أو أميركية.
كما أن هذا يترجم اختزالا للمرأة في جسد جميل، واختزالا للعلاقة بين الجنسين في علاقة تنبني على الشكل لا غير. شكل المرأة أساسا وحصريا، فالرجل الفحل لا يطرح تساؤلا عن شكله ولا عن الأسباب التي ستجعل امرأة روسية أو أوروبية أو أميركية تميل إليه. وكأنه يكتفي بكونه هو، رجلا عربيا فحلا، كي لا تكون جاذبيته محل تساؤل بتاتا.
الرجل العربي أو الإفريقي ليس بالضرورة هو الفانتازم الرهيب الذي تحلم به كل امرأة أوروبية أو أميركية
وهذا في حد ذاته وهم آخر على بعض الرجال تحطيمه، لأن المرأة نفسها تميل للرجل الوسيم الأنيق. في موضوع كأس العالم مثلا، فقد عبرت بعض النساء، وإن كان عددهن أقل، عن حزنهن لغياب الفريق الإيطالي، ليس لكفاءته الرياضية بل لجمال عناصره. بعضهن الآخر تناقل صور الفريق الإيراني لكرة القدم، وهو مكون من عناصر وسيمة جدا، ببعض القفشات والنكات عن ميلهن لهم. قصة النبي يوسف نفسها، بغض النظر عن أحكام القيمة التي يمكن أن نضعها على امرأة العزيز ومن كن معها، وبغض النظر عن تداعيات هذه الحكاية، هي مرجع تراثي يجب أن يذكرنا بأن المرأة أيضا تميل للرجل الوسيم. لكنها، في أغلب الحالات، لا تحول هذا الإعجاب بالوسامة إلى هوس يؤطر كل علاقتها بالرجل. مثلا، في تعبير بعض النساء عن إعجابهن بوسامة الرجل الإيراني والإيطالي، لا نسمع هؤلاء النساء يتحدثن عن اكتساحهن المستقبلي لرجال إيران وإيطاليا، وما يشكله ذلك من خطر على رجال بلدانهن الأصل.
اقرأ للكاتبة أيضا: الشرف ليس في غشاء البكارة، بقلم سناء العاجي
طبعا، سواء كنا رجالا أو نساء، فمن المقبول أن نعبر عن بعض الأمور من خلال النكتة والمرح الجميل. لكن حين يتم ذلك بشكل مبالغ فيه حد الهوس، فإن هذا يطرح تساؤلات جدية حول تصورنا للعلاقات العاطفية وللمرأة، لكن أيضا عن تصورنا لما نمثله كرجال أو كنساء.
نحن نحتاج لإعادة النظر بشكل جدي في تصورنا للعلاقات الإنسانية، لكن أيضا تصورنا عن ذواتنا. لا يكفي أن تكون ذكرا مغربيا لكي تغزو عوالم النساء الجميلات أو الأقل جمالا. تلك المرأة، وسيمة كانت أم لا، ليست شيئا تقرره أنت، بمعاييرك، إن كنت ستختارها أو ستتركها. فهي أيضا تختار… وقد تكون معاييرها أقسى.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال