اقتصاد السوق الحر التنافسي اهم حق للانسان
طلال عبدالله الخوري
تتضمن وثيقة حقوق الانسان العالمية والتي تم الاتفاق عليها باجماع الدول على الحقوق الاساسية للانسان, ومنها على سبيل المثال حق الانسان بحرية الفكر والمعتقد, والعدالة والمساواة بغض النظر عن الجنس, او العرق او العمر. للمهتمين, يمكنهم الرجوع لهذه الوثيقة والتي تم بحثها ودراستها بكثير من الكتب والمقالات. ولكن للاسف لم تتضمن هذه الوثيقة على حق الانسان بحصوله على اجر عادل لعمله وجهده وابداعه بحيث لايتم استغلال تعبه ,ولم تتضمن بنفس الوقت على حق الانسان بحصوله على السلع التي يحتاجها بسعر عادل ايضا والتأكد من عدم فرض عليه سعر احتكاري وهذه طريقة اخرى لاستغلال الانسان وسرقته. ما نقصده هنا هو اعتبار حق الانسان بالتمتع بمزايا الاقتصاد التنافسي الحر والذي يضمن عدالة الاجور وبنفس الوقت يضمن عدالة الاسعار, حيث لم تعرف البشرية قط الية اقتصادية اعدل من السوق التنافسي الذي يكفل عدالة الاجور ويؤمن افضل الاسعار للسلع. نحن نجزم بان سبب عدم وجود هذا البند في وثيقة حقوق الانسان, هو الظروف السياسية التي كانت سائدة وقت اصدار هذه الوثيقة , حيث كما هو معروف كان هناك معسكرا موازيا للعالم الحر هو المعسكر الاشتراكي والذي يتبنى احتكار الحكومة للاقتصاد, و وجود مثل هذا البند سيقضي على الاجماع الدولي الكافي آنذاك لتبني هذه الوثيقة . وبالفعل ,منطقيا, ما هي فائدة كل الحقوق الآدمية الاخرى اذا تمت سرقتنا ماديا بواسطة الاقتصاد الاحتكاري؟ هل نستطيع مثلا ان ننعم بحرية الفكر اذا اصبحنا فقراء بسبب سرقة اموالنا بالسوق الاحتكاري؟ حقيقة اقتصادية معروفة وهي ان اي اقتصاد غير تنافسي فهو اقتصاد احتكاري وفيه يتم ظلم وسرقة البشر.
في السطور اللاحقة, سنثبت ان حق الانسان بالاقتصاد التنافسي هو اهم مطلب لحقوق الانسان , والاهم من هذا سنثبت بان الاقتصاد التنافسي هو الضامن الحقيقي لبقية الحقوق, وبدونه حتى لايمكن ضمان اي من الحقوق الاخرى للانسان ويصبح التوقيع عليها مجرد حبر على ورق, وهذا ما حصل بالضبط بالدول الاشتراكية والدول العربية الاستبدادية والتي تنهج الاقتصاد الاحتكاري الحكومي الرسمي او الاحتكاري غير الرسمي عن طريق منح المزايا الاحتكارية لرجال السلطة واعوانهم.
سنبدأ المقالة بالتعريف بالسوق الحر التنافسي وقانون العرض والطلب, ثم نتطرق الى كيفية ان حرية العبادة هي نتيجة طبيعية لتبني الاقتصاد التنافسي الحر. ثم نبين ان العلمانية , الديمقراطية , العدالة والحرية تموت خارج البيئة الطبيعية للاقتصاد التنافسي الحر. وبعدها نبين الفهم الخاطئ لبعض اليساريين واللادينيين العرب للعلمانية والاقتصاد التنافسي الحر, وننهي المقالة بخاتمة.
السوق الحر التنافسي وقانون العرض والطلب
ان موضوع الاقتصاد موضوع معقد ولقد تمت دراسته باطنان من المجلدات ويتم تدريسه اكاديميا بالجامعات العالمية, ولكن سأحاول شرح ما يهم القارئ الغير مختص بالاقتصاد بطريقة ابتعد بها عن المعادلات الرياضية الصعبة والمنحنيات البيانية المعقدة. ولكن هذا لا يعني بان الغير الاكاديميين لايستطيعون فهم الاقتصاد, حيث يمكن اكتساب آليات السوق عن طريق الممارسة العملية وعن طريق اكتسابها وتعلم اسرارها ونقلها من الاباء الى الابناء, وهذا ما حصل مع التجار وابنائهم على مر الزمن.
نشأ السوق مع ظهور الانسان, وذلك عندما اضطرالانسان الماهر في صنع الادوات أن يبادل أدواته الحجرية مقابل الطعام او الفراء من الأنسان الماهر بالصيد, وهكذا بدأ اقتصاد السوق وقانون العرض والطلب, وما زال مستمرا حتى الآن ولن ينتهي ما دام هناك بشر على الارض.
يحتاج السوق الحر التنافسي الى قوانين تضمن التنافس الحر وتحمي الشركات المنتجة للسلع من احتكار الشركات المنافسة وتحمي المستهلك من تعرضه للسرقة بسبب سعي الشركات المنتجة للسلع للاحتكار ولفرض الاسعار التي تريدها من دون منافسة. تعمل قوانين المنافسة ومنع الاحتكار على حماية العملية التنافسية ومنع الشركات من إبرام اتفاقات مع بعضها البعض لغرض منع المنافسة او لغرض استغلال وضعها المهيمن على السوق .
مما لاشك فيه إن المنافسة هي المحرك للحياة الاقتصادية وان الأسواق التنافسية هي المحققة لمصالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء, فهي التي تسمح للمستهلك بالحصول على السلع ذات الجودة العالية بأفضل الأسعار, كما أن توفر عنصر المنافسة هو الذي يعطي للمنتج الدافع والحافز لرفع مستويات إنتاجه عن طريق إدخال المستلزمات والتقنيات الحديثة والمتطورة في الإنتاج لتحسين ورفع درجة الجودة والنوعية للسلع المنتجة. تستوجب المنافسة تعدد المنتجين أو الموزعين في سوق السلعة أو الخدمة وهذا التعدد لازم حتى يكون هناك عدد كاف من الأشخاص ليتنافسوا في الحصول على اكبر قدر من العملاء وألا كنا بصدد احتكار يمكن صاحبه من التحكم في الأسعار. يجب ان يكون حق المنافسة الشريفة بالسوق مكفول للجميع استخدامه , على ان استخدام هذا الحق مشروط بالا يؤدي الى منع حرية المنافسة او تقييدها او الإضرار بها وهو ما يؤدي في النهاية الى الإضرار بمصلحة المواطنين والإخلال بقواعد التوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك. ولكي تتحقق المنافسة الكاملة لابد من توافر عدة شروط ومنها التعددية و وجود عدد كبير من البائعين او المنتجين الذين ينتجون السلعة او يعرضونها وعدد كبير من المستثمرين او المستهلكين الذين يطلبون السلعة بحيث لايستطيع أي منهم ان يؤثر تأثيرا محسوسا على السوق لو انسحب منه او تواجد فيه.
من هنا نر بأن من شروط المنافسة الكاملة للسوق هو وجود عدد كبير من المنتجين لكل سلعة, وهذا ما يفهمه كل الاقتصاديين بالعالم , مما حفز جميع الدول الاروبية لكي توحد سوقها بسوق واحد لكي تعم فائدة المنافسة الكاملة على جميع المواطنين الاوروبيين . أي ان سبب اتحاد الدول مع بعضها هي اسباب اقتصادية, و لكي يعم الخير على جميع مواطني الدول المتحدة وليس لاسباب دينية او قومية كما تنادي الاحزاب الدينية والقومية العربية, ولهذا السبب نجح الاتحاد الاوروبي وفشلت جميع مشاريع الوحدة العربية. وهذه الفائدة من كبر عدد المنتجين والاقتراب من المنافسة الكاملة هي بالضبط ما تسعى اليه الاتفاقات الاقتصادية الدولية بين الدول ان كانت ثنائية او مجموعة من الدول, مثل اتفاقية دول شمال اميركا بين اميركا وكندا والمكسيك اواتفاقية اميركا مع الصين او اتقاقية الدول لشرق اسيا…الخ. ونحن نتوقع بان يصبح محرك البحث غوغل السوق التنافسي العالمي الكامل بعد ان يتم تطويره ليقدم كل العروض الممكنة لاي سلعة يحتاجها المشتري من كل انحاء العالم , حيث تشير الاحصائيات على تزايد التجارة الالكترونية على النت بمتوالية هندسية.
ومن شروط المنافسة المثالية الكاملة للسوق ان تكون هناك شفافية في المعرفة الكاملة بكل الظروف السائدة في السوق, مما يترتب عليه مقدرة كل شخص سواء كان شار او بائع على معرفة الاثمان التي تعرض بها السلع للبيع او تطلب عندها للشراء في تلك الاسواق . وكذلك حرية الدخول والخروج من السوق وعدم وجود عوائق امام المشتري في اتخاذ قرار الشراء من عدمه وذلك بدخوله الى السوق او خروجه منها وكذلك حرية البائع في اتخاذ قرار البيع من عدمه اضافة الى حرية المنتج في الدخول الى ميدان انتاج سلعة معينة او الخروج من ذات الميدان وقتما يشاء, و إمكانية تنقل عناصر الإنتاج بين فروع الانتاج , وهذا يعني سهولة انتقال عناصر الانتاج من سلعة إلى أخرى ومن منطقة جغرافية الى اخرى لعدم وجود عوائق امام انتقال عناصر الانتاج بين الاستعمالات المختلفة البديلة , فلا يجب ان تقوم أي حواجز او عوائق فعلية او قانونية تمنع انتقال عناصر الانتاج المختلفة من ان تنتقل الى ذلك الفرع الذي ينتج سلعة معينة, وفي هذا المجال ايضا بدأت الانترنت ومحركات البحث المساهمة بفاعلية بجعل الاسواق العالمية تنافسية تقترب من الكاملة بتسهيل الدخول والخروج من الاسواق.
وبالمقابل هناك ايضا عوامل تساهم بابتعاد الاسواق عن المنافسة الكاملة وبالتالي التقليل من فوائد المنافسة على المنتجين والمستهلكين, منها على سبيل المثال لا الحصر هو البطئ باستجابة الاسواق للتغيرات الطارئة والزمن اللازم للعودة لنقطة التوازن بين العرض والطلب , وهذا موضوع بغاية التعقيد ولا حاجة للدخول به الآن , ولكن نشير ان السبب الرئيسي لتوحيد العملة الاوروبية هو زيادة سرعة استجابة السوق لتغيرات سوق تبادل العملات واسعارها مما يزيد بتنافسية السوق الاوروبية وبالتالي تمكين جميع الناس من مستهلكين ومنتجين من التنعم بمردود هذه التنافسية الكاملة.
مما سبق نستنتج بان السوق التنافسي الكامل هو الوحيد الذي يكفل للمنتج والمستهلك حقوقهما ويحمي المواطنين من ان يكونوا عرضة للاستغلال والسرقة من قبل المنتجين والسياسيين عن طريق تأمين الاجر العادل لهم وعن طريق تأمين افضل السلع بافضل الاسعار , لذلك نطالب بان يكون السوق التنافسي الحر هي حق من حقوق الانسان ويتم تبنيه بوثيقة حقوق الانسان.
حق حرية العبادة هي نتيجة طبيعية لتبني الاقتصاد التنافسي الحر: حيث تخضع المنشآت والمؤسسات الدينية لقانون العرض والطلب والمنافسة الحرة , وفيها يختار الناس بحرية السلعة الدينية التي يرغبون بها ويتبروعون من اموالهم لاختيارهم هذا, بنفس الطريقة التي يختارون بها المسرح او السيرك الذي يريدون مشاهدته ويدفعون نقودهم ثمنا لبطاقة الدخول. وكما يحصل للمسرح و السيرك في السوق التنافسي عندما لا يكون هناك عدد كافي من الناس الراغبين بسلعتهم الفنية يتم افلاس المسرح واغلاقه وبيعه, كذلك الامر يحصل للمنشأت الدينية عندما لا يكون هناك كمية كافية من المؤمنين الراغبين بالتبرع لسد خدمات هذه المؤسسة الدينينة , حيث يتم اغلاقها وبيعها كعقار, وهذا ما حصل للكثير من الكنائس بالغرب. فهل هناك اكثر من هذا حرية للعقيدة تؤمنها الية السوق التنافسي؟
العلمانية , الديمقراطية , العدالة والحرية تموت خارج البيئة الطبيعية للاقتصاد التنافسي الحر: حيث ان القوانين البلاد هي بنهاية الامر قوانين اقتصادية وتحرير القوانين من كل تبعية وسيطرة هي بالنهاية تهدف لتحرير المواطن اقتصاديا من كل تبعية وسيطرة بما فيها السيطرة الدينية والسياسية. اي بنهاية الامر العلمانية الحقيقية ما هي الا مصطلح اخر لاقتصاد السوق الحر التنافسي عندما يكون الانسان حرا اقتصاديا ويحصل على اجره العادل وعلى سلعه بجودة عالية واسعار عادلة, فالسوق التنافسي الحر هو الوحيد الذي يكفل لنا كل هذه الامور مجتمعة.
وهنا اريد ان اعرج على الفهم الخاطئ لبعض اليساريين واللادينيين العرب للعلمانية والاقتصاد التنافسي الحر: حيث ينعتون الاقتصاد التنافسي الحر بالرأسمالية المتوحشة التي تستغل جهود العمال من دون ان يقدموا لنا اي برهان على ذلك او ان يقدموا لنا اي بديل لاقتصاد افضل من الاقتصاد التنافسي. ومن اخطائهم ايضا , اعتبارهم لاي دستور غير مبني على الشرائع الدينية هو دستور علماني. مثلا هم يعتبرون دساتير الدول الشيوعية دستير علمانية, وهذا خظأ من وجهة نظر اقتصادية , حيث يعتبر الاقتصاد اي فلسفة او فكر او نظام سياسي او ديني يريد ان يتحكم بتنافسية السوق نظام غير علماني لان التسلط والتحم هو نوع من انواع العبودية وبالتالي لم يتم الفصل عمليا بين الدين والدولة (الاقتصاد) وهذا يناقض العلمانية.
لقد تم دحض الفهم الخاطئ للعلمانية من قبل الاسلاميين ومحاولتهم تشويهها عبر الكثير من الكتابات والمقالات الهامة , ولكن لم يتم فضح الفهم الخاطئ للعلمانية والاقتصاد التنافسي من قبل بعض اليساريين واللادينيين العرب وذلك لعدم وجود مختصون راغبون في ايضاح هذه المشكلة, ونظرا لاهمية هذا الموضوع, ارتأينا اضائته قدر الامكان.
من هنا نرى بان اقتصاد السوق الحر التنافسي والخاضع طبيعيا لقانون العرض والطلب هو اهم حق من حقوق الانسان , نطالب بان يتم تبنيه بأوطاننا , ونطالب بان يتم وضعه كبند الاول والاساسي في وثيقة حقوق الانسان, حيث لم يعد هذا المطلب موضوع خيار وطني محلي يخضع لخيار السلطة السياسية المحلية , فهذا الحق هو الكفيل بان يحصل الانسان على الاجر الحقيقي لجهده وعمله وان لا يتم سرقة تعبه وكده من قبل الفاسدين والمتسلطين من سياسيين وفاسدين, وكما اثبتنا اعلاه فان بقية اركان حقوق الانسان هي اما نتجية طبيعية لتطبيق قوانين السوق الحر التنافسي او هي تحصيل حاصل لتطبيق سياسة الاقتصاد التنافسي, لا بل لايمكن بأي شكل من الاشكال تطبيق واحترام حقوق الانسان بدون تطبق الحاضن الطبيعي لهذه الحقوق وهو السوق التنافسي وقانون العرض والطلب.