صالح القلاب
خلافا لتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي تحدث فيها عن أن موقف بلاده تجاه الأزمة السورية لا يزال على ما هو عليه، فإن هناك معلومات مؤكدة، بأن اللقاء الأخير بين نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، قد ساده التفاهم وأن المحادثات التي أجرياها حول الوضع السوري قد أسفرت عن اتفاق، جاء في هيئة خطة لتنفيذ ما يسمى المرحلة الانتقالية، من المفترض أن يحمله المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق خلال أيام قليلة.
ويبدو أن لافروف بقوله هذا الذي قاله، والذي أكد فيه أن موقف بلاده تجاه الأزمة السورية لا يزال على ما هو عليه ولم يطرأ عليه أي تغيير، إما أنه كالزوج المخدوع آخر من يعلم وأن بوغدانوف، الذي يقال إنه الأقرب إلى فلاديمير بوتين وأنه مستودع أسراره، هو من لديه الخبر اليقين، وإما أن هناك توزيع أدوار بين هذين المسؤولين الروسيين وأن روسيا على الرغم من اتفاقها مع أميركا هذا المشار إليه، لا تزال تراوح في دائرتها السابقة ولا تزال تفكر في مناورة جديدة لإعطاء الرئيس السوري بشار الأسد المزيد من الوقت عسى أن يتمكن من السيطرة على الأمور والقضاء على المعارضة المسلحة التي أصبحت تخوض معاركها في قلب العاصمة دمشق.
وحسب المعلومات، وهي معلومات موثوقة ومؤكدة، فإن اتفاق بيرنز – بوغدانوف يستند في إطاره العام إلى ما يسمى «مقررات مؤتمر جنيف» مع تعديلات تتعلق بوضع الرئيس الأسد خلال المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها وبعدها، وتتعلق أيضا بحكومة «الوحدة الوطنية» التي من المفترض أنها هي التي تشرف على هذه المرحلة الانتقالية والتي لم تذكر أي شيء، لا في السابق ولا في اللاحق، عن الفترة الزمنية التي ستقضيها في مواقع المسؤولية.
جاء في هذا الاتفاق أن الرئيس السوري بشار الأسد هو الذي سيشكل هذه الحكومة الانتقالية، بعد الاتفاق على أسماء وزرائها الذين سيجري اختيارهم مناصفة بين الموالين والمعارضين، وأنه بعد هذا التشكيل، الذي يقال إن وزير الإعلام السوري السابق محمد سلمان سيكون له فيه موقع رئيسي، سيلجأ إلى التنحي والمغادرة إلى الدولة التي ستقبل باستضافته وأغلب الظن أنها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت أعلنت عن استعدادها لاستضافة صدام حسين كلاجئ سياسي إليها، ولكنه رفض بعد قبول مبدئي فكانت نهايته تلك النهاية المشؤومة التي انتهى إليها.
إن هذه هي النقطة الرئيسية في هذا الاتفاق والمؤكد أن هناك نقاطا أخرى تتعلق بمصير قادة الأجهزة الأمنية وقادة الوحدات العسكرية الموالية لبشار الأسد، وتتعلق أيضا بالمرحلة الانتقالية وبأسماء وزرائها والمشرفين عليها، وبما إذا كان فاروق الشرع سيحل محل «الرئيس الراحل»!! خلال هذه المرحلة الانتقالية أم إن عمليات التطهير ستشمله أيضا؟!
وحول موقف بشار الأسد من هذا التحول المهم؛ حيث كان يصر على بقائه على قمة هرم المسؤولية حتى نهاية ولايته «الدستورية»!! التي تنتهي في عام 2014 وحيث كان يصر أيضا على أنه سيترشح مجددا للانتخابات الرئاسية اللاحقة، فإن ما ينقل عن الروس أنهم باتوا يقولون إن الرئيس السوري أصبح مستعدا للاستماع لفكرة رحيله وهذا اعتبره الأميركيون تطورا في غاية الأهمية.
ثم إن هناك معلومات تقول إن هذا التطور، الذي يعتبر قفزة نوعية في غاية الأهمية في اتجاه حل الأزمة السورية مع الحفاظ على وحدة سوريا وعلى عدم انفراط عقد دولتها كما حدث في العراق وأيضا في ليبيا، قد استند إلى تفاهم تم التوصل إليه بين رجب طيب أردوغان وبين فلاديمير بوتين خلال زيارة هذا الأخير إلى تركيا قبل نحو أسبوعين وجرى استكماله في محادثات لاحقة بين وفدين متخصصين وفد تركي ووفد روسي.
في كل الأحوال إنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ونحن بصدد الحديث عن هذا التحول المهم، الذي سيتمخض عن أمور كثيرة إن لم يطرأ ومن قبل الرئيس السوري نفسه ما سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر والمربع الأول، أن بوغدانوف كان أطلق قبل نحو أسبوعين تصريحات مثيرة تحدث فيها عن أن الحكومة السورية باتت تفقد سيطرتها على البلاد أكثر فأكثر وأنه لا يجوز استبعاد انتصار المعارضة.
ولعل ما يؤكد صحة مثل هذا الاتفاق الأميركي – الروسي هو أن فاروق الشرع، الذي بقي صامتا طوال أكثر من عشرين شهرا، والذي لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة بالنسبة لهذه الأمور من دون موافقة بشار الأسد وتعليمات أجهزته الأمنية، قد أدلى قبل ثلاثة أيام بتصريحات مستغربة لصحيفة «الأخبار» اللبنانية المقربة من دمشق والتي يملكها حزب الله قال فيها: «إن المشكلة تكبر وتتعمق، وإنه ليس صحيحا أن بإمكان المعارضة أن تحسم المعركة على أساس إسقاط النظام.. كما إنني لا أرى أن ما تقوم به قوات الأمن ووحدات الجيش سيحقق حسما.. إن الحل يجب أن يكون سورياً، لكن من خلال تسوية تاريخية تشمل الدول الإقليمية الأساسية والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي.. إن هذه التسوية لا بد من أن تضمن وقف العنف، ووقف إطلاق النار بشكل متزامن، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة، وهذا يجب أن يترافق مع معالجة الملفات العالقة المتصلة بحياة الناس ومطالبهم المحقة».
أليس هذا هو ما جاء في اتفاق بيرنز – بوغدانوف الآنف الذكر؟ ثم أليس من الممكن أخذ تصريحات زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله الأخيرة، التي قال فيها: «إنه من غير الممكن أن تنتصر المعارضة السورية، وإنه لا بد من وقف القتال ووقف نزيف الدماء ووقف ما يجري هناك لتبقى سوريا موحدة وتستعيد عافيتها حتى لا تضيع من أيدي الجميع»، على أنها تأتي في إطار التمهيد لهذا الاتفاق الذي حتى وإن حسنت النوايا كلها بالنسبة إليه فإنه لا يمكن الاطمئنان إلى أن الأمور ستسير على ما يرام نظرا لأنه لا تزال هناك عقبات كثيرة، ولأن الساحة السورية أصبحت ساحة معركة عسكرية وسياسية لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
وهنا فإن ما يضع تعقيدات جديدة في طريق هذا الاتفاق الأميركي – الروسي، الذي لن يجري الإعلان عنه إلا بعد عودة الأخضر الإبراهيمي من دمشق هذا إن جرى تأمين وصوله إلى العاصمة السورية، أن إيران قد دخلت على الخط بمبادرة جديدة إذا تم إمعان النظر فيها جيدا فإنه سيتم التأكد من أنها لا تختلف في جوهرها عن كل مبادراتها السابقة، التي كان هدفها ودائما وأبدا تمييع الأمور، ومنح نظام بشار الأسد المزيد من الوقت كي يتمكن من قصم ظهر المعارضة السورية.
ولذلك فإنه لا يمكن اعتبار أن طريق هذه الأزمة التي غدت أكثر تعقيدا من ذنب «الضب» باتت سالكة وآمنة مع أن الأخضر الإبراهيمي إن لم يكن قد وصل إلى دمشق من خلال مطار بيروت ثم عبر الطريق البري إلى العاصمة السورية فإنه سيصل إليها حتما خلال ساعات وربما خلال يوم أو يومين، وكل هذا إن لم تطرأ مستجدات قد تلغي كل ما تم الاتفاق عليه في ضوء كل هذه الانتصارات العسكرية التي تحققها المعارضة السورية المسلحة.