علي لهروشي: الحوار المتمدن
لقد ورد في كتاب ” أيام الأمازيغ أضواء على التاريخ السياسي الإسلامي للدكتورة – نهى الزيني – في طبعته الأولى دار الشروق بمصر” على أن الأقباط الموحدين قد رفضوا محاولات بعض رجال الدين مداهنة الوثنيين ، لإغرائهم بالدخول في المسيحية ، استجابة لرغبة الإمبراطور قسطنطين ، الذي أراد نشر الديانة الجديدة في ربوع الإمبراطورية الرومانية الوثنية ، فتصدوا بقوة لمحاولات الخلط بين عقيدة التوحيد التي جاء بها المسيح ، و أنبياء الله من قبله ، وبين العقائد الوثنية المتأصلة في نفوس الرومان ، و المصريين القدماء ، و قد تزعم تلك المقاومة قس مسيحي بكنيسة الإسكندرية يُدعى ” أريوس ” و المفارقة أن – أريوس – هذا كان شابا من أمازيغ القيروان ، الذين اعتنقوا المسيحية على يد رهبان مصر ، ثم وفد إلى الإسكندرية ، حيث تلقى العلم في مدرستها اللاهوتية ، وكان تقيا ، صالحا ، ذكيا ، فصيحا ، فرسمه البابا بطرس شماسا ، ثم قسا ، و واعظا بالكنيسة ، فلما بدأت محاولة خلط التوحيد المسيحي بفكرة التثليث ، وامتدت من روما إلى مصر تصدى لها بحسم ، وقد كان له من التقوى و الورع ، و العلم ما يضاف إلى طبيعته الأمازيغية الأبية ، العصية على الإحتواء ، و الخضوع ، ما ساعده على الوقوف بقوة وصلابة أمام كل محاولات لتبديل العقيدة ، وقد وقف الشعب القبطي المؤمن وراءه ، و اختاره بطريركا للكنيسة ، إلا أن بعض رجال الدين قاموا بتنصيب ألكسندروس بطريركا ، ثم أوعزوا إلى الإمبراطور بأن – أريوس – خرج عن طاعته ، و طالبوا بتجريده من الكهنوت ، فما كان من قسطنطين الأول إلا أن دعا كافة رجال الدين في الإمبراطورية إلى الإجتماع في مدينة تقع بمنطقة الأناضول تسمى ” نيقية ” وذلك في عام 320 م لمناقشة الأمر ، ويعد مجمع ” نيقة ” أو المجمع المسكوني الأول علامة فاصلة في التاريخ المسيحي بأكمله ، حيث تغلبت فيه المصالح السياسية المتمثلة في رغبة الإمبراطور في حماية وحدة الإمبراطورية ، ومداهنته بالتالي للرافضين للإيمان المسيحي ، وحرص رجال الدين على المحافظة على سلطانهم ، ومكانتهم ، وخشيتهم من العودة إلى معاناة عصور الاضطهاد ، تغلب ذلك كله على عقيدة التوحيد الخالصة ، التي نزل بها المسيح ابن مريم ، فانتهى مجمع ” نقية ” إلى الحكم على – أريوس – الأمازيغي بالهرطقة ، وحرمانه ، و نفيه من مصر ، و حرق كتبه ، وإعدام كل من يتستر على تلك الكتب ، كما تم وضع قانون جديد للإيمان المسيحي يطبق على جميع الكنائس في الشرق ، و الغرب ، ينص على أن : ” يسوع المسيح ابن الله الوحيد ، المولود من الأب قبل الدهور، نور من نور، إله الحق من إله الحق ، مولود غير مخلوق ، مساو للأب في الجوهر، الذي به كان كل شيء ، الذي من أجلنا نحن البشر ، و من أجل فلاحنا نزل من السماء ، وتجسد من الروح القدس و من مريم العذراء وتأنس وصلب عنا “
وما زالت أصداء صوت – آريوس – تتردد في جنبات مجمع ” نقية ” وهو يحاجج مخالفيه بآيات بينات من الانجيل ، حيث يقول المسيح عن معجزاته : ” أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئا لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني ” يوحنا 30:5 كما يجيب تلاميذه عن سؤالهم عن ساعة الدينونة : ” وأما ذلك اليوم ، وتلك الساعة ، فلا يعرفها أحد و لا ملائكة السموات إلا الآب وحده ” متى 36:42 ويناجي ربه في صلاته قائلا : ” أنت الإله الحقيقي وحدك و يسوع المسيح الذي أرسلته ” يوحنا 3:17 ويؤكد أن ما ينطق به ليس إلا رسالة أرسله بها الله إليهم : ” الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني ” يوحنا 24:14 وكثير سواها من الآيات التي استند إليها آريوس ليقرر وحدانية الرب و أن المسيح هو عبده ورسوله.
فتم نفيه من مصر ثم تآمر المتآمرون لقتله ، إلا أنهم لن ولم يستطيعوا قتل فكره الذي استمر بفضل أتباعه الآريسيين من الأقباط بمصر ، ثم القوط بالأندلس ، وغيرهم ممن يؤمنون بفكرة التوحيد التي دعا إليها آريوس الأمازيغي ، رغم الإضطهاد و القتل ، و القمع الذي تعرض له هذا المذهب الأريسي الذي دعا إلى فكرة التوحيد في عبادة الإله الواحد ، و الوحيد ، وهو ما جعل محمد بن عبد الله يتبنى هذا التوجه حيث بعث برسالة إلى هرقل إمبراطور الروم ، في هذا الصدد في نهاية العام السادس للهجرة الموافق 627 لميلاد المسيح برسالة مازالت محفوظة حتى اليوم بمتحف – طوب كابي – بإسطنبول ، وممهورة بخاتمه ، وهي كما يلي : من محمد بن عبد الله و رسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ،أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يوتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم جميع الأريسيين ( قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمين ) سورة أل عمران آية 64 . ” و قد وقف الكثير من المفسرين عاجزين أمام كلمة ” أريسيين ” التي وردت في هذه الرسالة لعدم معرفتهم بالمذاهب المسيحية ، ففسرها البعض بالخدم و الضعفاء ، و البعض بالزراع و الأجراء ، و اكتفى أخرون بأن ذكروا في تفاسيرهم بأن الأريسيين هم أتباع هرقل ، أما محمد فكان يعلم أن الأريسيين هم أتباع – آريوس – الأمازيغي
وهذا الإضطهاد الذي كان عرضته كل من سار على درب – أريوس – الأمازيغي سواءا بمصر أو بالأندلس ، هو الذي فتح الباب للمسلمين بسهولة لمواجهة المسيحيين المنحرفين عن نظرية الوحدة و التوحيد ، ففي ” يوم 20 هجرية الموافق 16 أبريل 641 م تمكن الصحابي عمر بن العاص من إسقاط النظام السياسي بمصر التابع للإمبراطورية الرومانية ، و الذي كان يضطهد إقباط مصر ، و يسومهم سوء العذاب ، هكذا دخل كثير من القبط في دين الإسلام …” ص 28 من نفس الكتاب ، لوضع حد إضطهاد الروم لهم في كل مكان . إذن أن الوضع المزري السائد هو الذي كان سببا رئيسيا في تخلي بعض المسيحيين عن مسيحيتهم ، ودخولهم الإسلام كعقيدة ينتظرون منها أن تخلصهم من الإضطهاد الذي هم عرضة له من قبل المتحكمين في الكنيسة ، و عقيدة الإسلام قديمة / جديدة بالنسبة لهم ، عقيدة قديمة إذ أنها تتبنى نظرية – أريوس – للإلتزام بعبادة الإله الواحد الذي لاشريك له ، و كونها عقيدة جديدة يروناها كبديل عن القهر و القمع الذي يتعرضون له من قبل الروم ، ومن هنا يتضح أن الإسلام لم يكن عقيدة سماوية كما تم الترويج لذلك ، بل هي مجرد عقيدة أرضية مستمدة من الوضع السائد ، وتم تدوينها من خلال جمع الأحداث و الوقائع المؤثرة في تلك المرحلة التاريخية ،وصياغتها في قالب جديد ، و بشكل يتفاعل مع الفيئات المضطهدة ، أي من خلال محاولة الإسلام التعاطي مع جوهر الأسئلة التي كانت مطروحة ، والتعامل معها بشكل يختلف بعض الشيء عن كل من العقيدة اليهودية ، والعقيدة المسيحية ، بهدف استقطاب المطضهدين ( بفتح العين ) من قبل تلك العقيدتين ، وتحويلهم إلى جنود مجندة وراء العقيدة الإسلامية ، التي أخذت من هنا وهناك أي من كلا العقيدتين ، من المسيحية و من اليهودية السابقتين ، كتصورين مختلفين حول القضايا المختلفة التي تهم كل من الإيمان و الكون بما فيه من طبيعة ، وحيوان ، و إنسان كالميتافيزيقيا ، و العبادة بركائزها المعتمدة على كل من الشهاداتين ، والصلاة ، و الصوم ، والزكاة ، والحج ، إلى جانب كل الأمور… لبناء نظرية وتصور ثالث من خلال الإعتماد على نظرية – أريوس – المبنية على التوحيد ، أي الإيمان بإله واحد لا شريك له ، و لا مثيل له ، و لأن الظروف الموضوعية أنذاك كان يخيم عليها القمع ، و الإضطهاد ، و القهر، التي فرضت على الإنسان نوع من عدم الاستقرار الفكري ، و النفسي ، و المعيشي ، فإنه كان من السهل على كل من استطاع أن يأتي ببديل أخر لذاك الوضع المزري ، على أن يستقطب الكثير من الناس المتدمرين من ذلك الوضع المزري ، الذي كرسه المتحكمون في شؤون الكنيسة و الدير ، بتبنيه لكل النظريات ، و الأفكار ، و المطالب التي كانت تدور بين الناس سرا وعلانية ، في إنتقاذاتهم اللاذعة لكل من الكنيسة و الدير ، خاصة و أن الكنيسة لم تقبل ، ولم تتقبل مؤلفات ، وأفكار ، ونظريات أريوس الأمازيغي الداعي إلى عبادة الله الواحد القهار ، واعتبار عيسى بن مريم مجرد مبعوث من الله و ليس إبنه … و لما كان لابد من إيجاد متنفس لذلك لوضع الخانق ، فقد جاءت العقيدة الإسلامية تحمل للمضطهدين مشروعا جديدا مبنيا في عمقه وجوهره ، على تصور وفلسفة – أريوس – الأمازيغي اتجاه العقيدة المبنية على وحدة الإله . ولما لا و العرب لا يملكون بعد عقيدة تميزهم عن الروم ، و الفرس ، و باقي الأمم الأخرى .. ومن هنا يمكن لكل مطلع عن الوضع التاريخي قبل ظهور عقيدة الإسلام ، أن يستجمع معطيات ، و أحداث تجعله يستنتج من خلالها أن الإسلام مجرد ثورة ضد الوضع المتردي السائد ، المبنية على أفكار – أريوس – الأمازيغي لإخراج البشرية من ظلومات أكاذيب القساوسة ، و الرهبان ، و الكهنة بكل من الكنيسة و الدير؟
إذا استطاع – اريوس – الأمازيغي المساهمة النظرية في بناء العقيدة الإسلامية بطريقة غير مباشرة ، من خلال مشروعه الداعي إلى وحدانية و توحيد الرب و الإله ، حتى و إن ولدت نظرته تلك من رحم الكنيسة ، فإن نظريته تلك كانت السبب في إعتناق بعض المسيحيين من أتباعه للعقيدة الإسلامية ، بل قد تكون نظريته السبب في ظهور العقيدة الإسلامية من أساسها ، لكن الأسئلة التي طرحت نفسها منذ ظهور الإسلام كعقيدة ثالثة ، هو إلى أي حد سيستطيع أتباع العقيدة الإسلامية الإحتفاظ بإستمرارية هذه العقيدة ؟ بأية وسائل ؟ ثم بأية إمكانيات ؟ وماذا تستطيع هذه العقيدة الإسلامية كطريق ثالث تقديمه للبشر و للبشرية من الحقوق ، و الحريات ، و الكرامة ، و العدل ، و المساواة … و كل هذه الإشياء المسلوبة ، التي حرم منها الإنسان المنضوي آنذاك تحت الحكم الطاغي لكل من الكنيسة و الدير ، التي إغتيالت أريوس ؟ هل تستطيع العقيدة الإسلامية فعلا الوفاء بتعهداتها الداعية لتخليص الإنسان من العبودية ، والاستعباد ، و الغضطهاد ؟ هذا ما سيظهره تاريخ هذه العقيدة الإسلامية ، و ممارسة المسلمين فيما بعد ،لأن كل شيء يقاس بالإفعال وليس بالأقوال.
تمتد حدود تامزغا بالقارة الإفريقيا من أقصى صحراء مصر على حدودها مع ليبيا ، إلى جزر الكناري – جزر الخالدات – في المحيط الأطلسي ، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا حتى مالي جنوبا ، حيث تنتشر منذ زمان قديم مجموعة من القبائل الأمازيغية التي أطلق عليها في زمن الغزو الروماني إسم ” البربر ” ، وهذا الإسم العنصري الذي سمي به الأمازيغ أنذاك ، من قبل الإمبراطورية الرومانية هو ما كان الرومان يطلقونه على الشعوب الخارجة عن نطاق وسيطرة حضارتهم ، وذلك لكون هذه القبائل تمردت على الغزاة رافضة الحكم الروماني ، مقاومة إياه بشراسة ، فلم تخضع له ، كما أنها لم تدخل في طاعته كباقي البلدان الأخرى التي غزها الرومان أنذاك ، و هو الإسم الذي ظل يلازم الأمازيغ من قبل العنصريين حتى يومنا هذا ، وعندما غزا العرب شمال إفريقيا كرسوا ذلك اللقب – البربر – لعدم معرفتهم ، وفهمهم للغة الأمازيغية ، وهو ما جعلهم ” يسمونها بربرة من بربر الأسد ، أي زأر بأصوات غير مفهومة ” ص 12 من نفس الكتاب.
عندما هاجم العرب الغزاة المسلمون تامزغا و وصولهم إلى المغرب “أثار إعجابهم ذلك القدر الهائل من الذهب الذي وجدوه بحوزة الأمازيغ ، وعندما سألوهم : ” من أين لكم هذا ؟ ” أجابوا بإن قدموا لهم الملح الذي يستخرجونه من مناجم الصحراء قائلين : ” هذا بذاك ” فقد كان الأمازيغ في تجوالهم شمالا ، و جنوبا يتاجرون مع السودان ، الذي يتوافر فيه تبر الذهب بلا حساب .. ومناجم اليقوت الجيد ، فكانوا يبيعون لهم الملح الصخري مقابل تلك المعادن الثمينة ، ومقابل الذهب الأسود لذلك العصر وهم الزنوج الذين كانوا يمثلون عصب القوى العاملة في العالم القديم شرقه وغربه ، وقد كان الأمازيغ يستخدمونهم في استخراج ملح المناجم ، و يبيعونهم للأروبيين الوافدين إلى مدن المغرب التي حوت أنذاك أكبر الأسواق العالمية لبيع العبيد
لا أحد يستطيع أن ينكر أو يتنكر أن الأمازيغ قد تعرضوا عبر تاريخهم لكل محاولات الإحتواء ، و الغزو ، و الإحتلال ، و الذوبان من قبل الشعوب الأخرى رغبة في مسح هويتهم الأمازيغية ، ولم يحدث هذا عبر السلاح ، و العدوان العسكري فقط ، بل تعداه إلى شن حملات إعلامية مغرضة ضد هويتهم الأمازيغية ، واستعمال شتى الأساليب العنصرية الخبيثة ضدهم ، للدفع بالإنسان الأمازيغي إلى التنكر لأصله ، و هويته ، ولغته ، و جعله يتقمص هوية الأصول الإستعمارية الأخرى ، التي كانت الأراضي الأمازيغية بشمال إفريقيا عرضة لها عبر التاريخ البشري ، وفي إعتقادي أن الباحثين الأنتروبولوجيين الذين أسسوا بقصد أو بغير قصد ، لنوع من الخلاف و الإختلاف حول الأصول الأمازيغية ، كان ذلك يهدف أساسا ليس إلى البحث عن حقيقة تلك الأصول الأمازيغية ، بل إلى التشكيك في الأصول العرقية للشعب الأمازيغي ، من هذا الباب قد إختلف الباحثون في تعريف الأصل الأمازيغي ، من خلال تناقض النظريات الأنتروبولوجية حول هذا الشعب ، فهناك من الباحثين الأوروبيين ممن يرى أن الأصول الأمازيغية ترجع إلى الدول الإسكندنافية شمال أوروبا ، التي هاجرت إليها من منطقة القوقاز قبل الميلاد مجموعة من القبائل التي تسمى بقبائل – الفاندال – ثم اجتاحت أوروبا واستقر بعضها في فرنسا واسبانيا ، بينما عبر البعض الأخر البحر المتوسط جنوبا ليستقر بشمال إفريقيا . ومن هنا يظهر أن هذه النظرية الأوروبية تريد أن ينتمي إليها هذا الشعب الأمازيغي كإنسان ، وشمال إفريقيا كأرض ، وبما أن العرب لا يجتمعون إلا ليتفرقوا ، فإنهم بذلك إختلفوا فيما بينهم حول تعريف الأصل الأمازيغي ، حيث ذهب بعض العرب منهم بعيدا من ذلك ليروجوا لأساطير مفادها أن الأمازيغ هم من الأصول العربية ، أي من الكنعانيين الذين طردوا من فلسطين بعدما قتل داود ملكهم جالوت ، فيما ذهب البعض الأخر من العرب إلى الترويج لكون أصل الأمازيغ من اليمن ، حيث هاجروا من هناك عبر الحبشة و مصر … و من هنا يتضح جليا أن جميع النظريات في شأن الأمازيغ تحاول نسب وانتساب الأمازيغ إليها دون الأخرى ، و في هذا الباب قد لا يفاجئنا يوما ما باحث أخر يهودي ينسب الأمازيغ إلى اليهود ، و اليهودية ، أو قد يصدر هذا حتى من الباحثين الفرس ، الذين قد يحشرون أنوفهم في الشأن الأمازيغي لإجعائهم أن الأمازيغ من الفرس ؟؟ لكن تبقى كل النظريات و الأبحاث مجرد توقعات لا غير ، الهدف منها أحيانا تزيف تاريخ الأمازيغي لغرض في نفس يعقوب ، وأحيانا أخرى الإنطلاق من نظرية الشك بحثا عن اليقين .. أما الأمازيغ فهم يرون أن أصلهم لا تحدده هذه النظريات الأنطربولوجية السابقة ، أو القادمة ، بل يحدده الواقع التاريخي ، الذي يقر على أن الأمازيغ شعب قديم ، قدم الأرض و السماء ، شعب متواجد بشمال إفريقيا منذ فجر البشرية ، وإنهم لم يهاجروا إليها لا من الشمال ، و لا من الشرق ، وبالتالي فهم ليسوا لا أروبيون و لا عربا ، ولن يكونوا يهودا و لا فرسا . بل لماذا لم يقم الباحثون بقلب المعادلة ، واعتبار أن الأروبيين هم من الأصول الأمازيغية ، حيث هاجروا من شمال إفريقيا بعد إكتشافهم للقارة الأوروبية ، أو كون العرب من أصول أمازيغية ، حيث إمتداد الأمازيغ من شمال إفريقيا إلى المشرق ، بمعنى أخر لماذا حاول ، ويحاول الجميع سواءا العرب ، أو الأروبيون ممارسة الصمت وعدم إجراء ، و القيام بالأبحاث الأنطروبولوجية في أصولهم العرقية للتأكد منها ، على أنها ليست فعلا من الأصول الأمازيغية ؟ لماذا يحاولون البحث في الأصل الأمازيغي ، ولا يبحثون في أصولهم بالذات ؟ لماذا وكيف تأكد كل من العرب على أنهم عربا ، و الأروبيون على أنهم أروبيون ، ولم يتأكدوا بعد على أن الأمازيغ هم كذلك أمازيغ ؟ لماذا يتم تصديق الذات ، و التشكيك في الذات الأخرى؟ الإيمان بالأنا و التشكيك في الأخر ؟ إنها مجرد لعبة الأنا و الأخر.
كلمة الأمازيغي تعني الإنسان الحر النبيل ، و بالتالي فلا يمكن للعنصوريين من أعداء الأمازيغ ، أن يسموا الشعب الأمازيغي بهذا الإسم لما يحمله هذا الإسم من نبل ، وحرية ، و عز وشهامة ، و كبرياء ، وبالتالي كان على أعداء الشعب الأمازيغي أن يبحثوا عن إسم يرمز في عمقه إلى القدح ، و الاحتقار ، و الدونية ، ومن هذا الباب تم الإستمرار في استعمال لفظ ” البربر” من قبل كل من يحقد ، و يكره الشعب الأمازيغي الحر، حتى و إن كان هذا الحاقد من الباحثين في مختلف التخصصات العلمية ، و المعرفية التي تتناول شأن الشعب الأمازيغي ، لأن هؤلاء الباحثون يدسون سمومهم القاتلة للإمازيغ في طعم يطلق عليه البحث الأنطروبولوجي ، ويروجون بذلك لنظريات التشكيك في الذات و الأصل الأمازيغي ، بناءا ، و استنادا بطبيعة الحال على بعض الوثائق التي دونت مضامنها في مرحلة تاريخية معينة ، من قبل قوم معين ، قد تحكمت في صياغتها أهداف معينة ، بإملاءات من يمتك قوة السلطة ، و المال ، وقرار التحكم في تلك الصياغة التاريخية أنذاك ، يكون الهدف الأساسي منها هو القضاء على الأصل ، و الهوية الأمازيغية عبر التشكيك في الذات. تلك الذات الأمازيغية التي رفضت كل أشكال الخضوع ، و الخنوع ، و المعروفة بجنوحها نحو الثورة ، و التمرد على المحتل كيف ما كان عرقه ، و أصله ، و عقيدته ، و التمرد هو أهم الخصائص الشخصية الأمازيغية ، لأن الإنسان الحر يقاوم دائما كل أشكال العبودية ، و الإستعباد ، وكم من أمازيغي من أمثال – إريوس – ممن وهب حياته من أجل دفاعه عن الحرية ، وهو الشيء الذي جعل الأمازيغ بمثابة حائط صد منيع أمام كل القوى الإستعمارية التي تريد إخضاع شمال إفريقيا لحكمها ، فقد تصدى الأمازيغ عبر التاريخ لكل هذه القوى الغازية ، فمن تصديهم للفنقيين ، ثم الإغريق ، و الفرس ، و الرومان ، و البزنطيين ، و للإسلاميين العرب القتلة بإسم الفتوحات الإسلامية .
فإذا استطاع الغزاة من المسلمين فرض سيطرتهم بإسم تلك الفتوحات الإسلامية على كل من بلاد فارس ، وبلاد الشام ومصر في مدة زمانية حددت في عشرين سنة ، حيث تمكنوا من بناء أنظمة حكمهم الإسلامي القاتل و المغتصب ، فإنهم قد داقوا الأمرين في عدوانهم على الشعب الأمازيغي بشمال إفريقيا ، حيث تطلب ذلك العدوان مدة تجاوزت سبعون عاما كي تنضم بعض القبائل الأمازيغية إلى تلك الإديولوجية الإسلامية الإستعمارية ، فيما بقيت بعض القبائل الأخرى إلى يومنا هذا لا تعرف من تلك الإيديولوجية الإسلامية سوى الإسم. وذك بسبب الطبيعة العصية على الإحتواء ، و الإنضواء التي يتميز بها الشعب الأمازيغي.
ثم كون الغزاة قد كانوا يتبجحون ويتكبرون بكونهم عربا من سلالة – محمد – ، وهو ما جعل الأمازيغ الأحرار يواجهون هؤلاء العرب مواجهة شرسة ، و ألحقوا بهم هزائم تلوى الأخرى ، ولا زال إلى يومنا هذا الثوار الأمازيغ أفرادا وجماعات يثورون في وجه الحكم العروبي الإستعماري لأرض تامزغا ، كان أخرها جيش التحرير الأمازيغي الذي رفض رفضا قاطعا عودة – محمد الخامس – إلى الحكم بالمغرب ، ثم تحرك كل من الجنيرال الأمازيغي – محمد أفقير – ، و العقيد – محمد اعبابو – و أخرون ممن كانوا قد صمموا للإنقلابين العسكريين في سنوات 1971 و 1973 ، حيث انتفض ، وسينتفض الحر الأمازيغي في وجه الطغيان من أجل استرجاع الأرض الأمازيغية ، و الوطن الأمازيغي ، و العز و الكرامة للأمازيغ ، فمهما حاول المحتل العربي للمغرب باسم الإسلام ، الذي يحاول تفتيت الأمازيغ ، ومواجهتهم بسياسة فرق تسود ، و مواجهة الإنتفاضة الأمازيغية بالقمع أحيانا ، أو بمسكنات مؤقتة أحيانا أخرى ، مسكنات مخذرة لايبث مفعولها أن ينتهي لتتأجج ثورة أخرى ، وعمل مسلح من جديد ، لأن الأمازيغي الأصيل حر وثائر في طبيعته ، وعبر تاريخه ، وبالتالي فهو لا ولن يرضى بالذل ، و الإحتقار ، و العبدودية ، و الإستعباد من أي مصدر كان ، فكيف يعتقد بذلك الغزاة من العرب ، و ما تبقى منهم من أفراد القبيلة العلوية ، وعلى رأسها الديكتاتور المفترس – محمد السادس – أن يستمر حكمهم المبني على الخرافات ، و الأساطير على الشعب الأمازيغي ؟ فمهما طال الزمن فإن ساعة الحقيقة ستدق يوما ما ، حيث سيثور الأمازيغي الحر النبيل في وجه الطغيان ، ليعود إلى أصوله الأمازيغية المبنية أساسا عن النبل و الحرية ، و الكرامة ، وحسن الكرم و الضيافة . لقد ذهب موسى بن نصير الذي ولاه الخليفة الأموي – الوليد بن عبد الملك – على شمال إفريقيا عام 86 هجرية الموافق ل 705 ميلادية بعيدا في مواجهاته للأمازيغ بنهجه سياسة العصا و الجزرة ، بعدما أدرك أن المواجهة المسلحة ، وقطع الأعناق ، و الأرزاق لن تكفي لإخماد ثورة الأمازيغ المستمرة ضد الإسلام ، و الإسلاميون العرب من الغزاة ، و أن استقرار تامزغا بشمال إفريقيا أنذاك تحت حكم الإسلاميين لن يتحقق بغير إعفاء الأمازيغ من ممارسة الشعائر الإسلامية كما نص عليها القرأن و السنة ، و دعوتهم إلى تعليم قواعد الإسلام و بغير التطبيق الدقيق ، وهي الخطة التي بداها – عقبة بن نافع – مع الأمازيغ بغرض جرهم واستقطابهم لإعتناقهم الإسلام ، وربط جسر التواصل معهم من خلال تلك العقيدة ، بهدف استنزاف خيراتهم من الذهب ، و الثروات المالية التي كانوا يتوفرون عليها ، فلم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى إختطاف الأطفال و النساء من أرضهم الأمازيغية ، وأخذهم كخدام و جواري لدى العرب ،وهي الجرائم التي التي لن يمحوها صلصال من الزمن من الذاكرة ، ثم تعرفهم و إطلاعهم من خلال الأمازيغ على الوضع بالضفة الأوروبية ، حيث أن العرب لا يعلمون شيئا عن تلك الضفة التي كانت تشكل لهم هاجسا مخيفا ومجهولا لولا الأمازيغ ، إذ أن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك تردد في موفقته على طلب – موسى بن نصير- بالإذن له في فتح الأندلس قائلا : ” لا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال ” لكن موسى بن نصير تمكن من إقناعه بمحدودية المساحة البحرية بين المغرب و الأندلس ، رغم أنه كان لا يعلم عن ذلك سوى ما سمعه من قبل الأمازيغ. الذين أبانوا عن قدراتهم الخارقة في تحقيق ذلك ، لكن من سيقود تلك القافلة الأمازيغية للقيام بمهمة الغزو تلك ؟ ومن هنا كانت خطة – موسى بن نصير- هو تمكنه من استدراجه للقائد الأمازيغي – طارق بن زياد – ، وتوليه على طنجة وجعله أميرا على الجيش الإسلامي في المغرب الأقصى . كان طارق بن زياد قائدا حربيا عظيما ، ينتمي إلى قبيلة نفزاوة إحدى قبائل البتر ومحلها في جنوب تونس الآن ، وكان قوي البنية طويلا ، أبيض البشرة ، أشقر الشعر ، أزرق العينين … الذي غزا الأندلس ، رفقة ثمانية ألف مقاتل أمازيغي ، وتحكموا في كل مداخلها ومخارجها ، و في الواقع فقد كان – موسى بن نصير- يعتقد بلا عودة الأمازيغ من تلك المغامرة الشائكة ، للتخلص من عدد مهم منهم من جهة ، ثم إختباره لقوة جيش – رودريكو – من جهة ثانية باستعماله للأمازيغ و الزج بهم بتلك المغامرة ، لكن وقع عكس ما هو مخطط له من قبل العرب ، حيث انتصر الأمازيغ وقد قال عنهم أحد قواد القوط : ” إنهم جند لا أدري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء ” وقال عنهم أخر: ” رهبان الليل فرسان النهار “، وبعد التأكد من سيطرتهم على الأندلس وتحقيقهم لذلك الانتصار، إلتحق بهم بعد ذلك – موسى بن نصير- بجيش ضخم ضم سبعة ألف أمازيغي ، وحوالي خمسة ألف عربي ، وقد نصب إبنه أميرا على إحدى الإمارات التي تم غزوها من قبل الأمازيغ ، وهو ما أثار غضب – طارق بن زياد – ، لكن العرب من الإسلامين يتحاشون الخوض في مثل هذه الحقائق التاريخية ، و تجنبهم إثارتها لعدم التشكيك في عقيدتهم المبنية على الدم ، و الغذر و الخيانة ، و الإحتقار، و الظلم و العنصرية ، و الميز و التمييز ، و المحسوبية ، وكل المساويء التي ستنقلب عليهم في الأخير، و تكون تلك الممارسات الجائرة ، الفرعونية السبب في تحرر الأندلس وكل الإمارات المحيطة بها على الأراضي الأوروبية من أيادي الحكم اإسلامي…
لكن في الواقع لكل شعب من شعوب هذا الكون تاريخ حافل بالهزائم ، أو بالإنتصارات ، كما قد يكون حافلا بهما معا ، وداخل كل جماعة ، أو مجموعة من هذه الشعوب ، سواءا كانت قبيلة أو مجتمعا بأسره ، أفرادا ومجموعات قد تسيء لتاريخ شعب بكامله ، إذا وليت الأمور بالطبع لأشخاص يهتمون بشأن المحتل ، أكثر مما يهتمون بشأن ذويهم من الأسر و القبائل ، والشعب الأصيل ، وهذا ما سقط فيه للأسف بعض الأمازيغ ، بدءا ممن ساهموا منهم قديما في تسهيل مأمورية الغزو العربي لتامزغا بشمال إفريقيا مرورا حتى إلى الأندلس بإسم العقيدة الإسلامية خذمة لأجندة العرب و لخططهم المدمرة للحريات ولحقوق الإنسان ، ثم الخونة منهم حاليا للقيم و الأخلاق الأمازيغية من العملاء ، والخدام من الأمازيغ المأمورين بأوامر القبيلة العلوية الحاكمة بالمغرب ، التي يتزعمها الطاغي الديكتاتور المفترس – محمد السادس –وتبقى الخلاصة أنه إذا كان هناك من جاهل حاقد لا زال يشكك في تاريخ الأمازيغ كشعب ، و يقول على أنهم مجرد همج متخلفون ، فعليه أن يعود إلى تاريخ – أريوس – مجدد المسيحية ، ومنظر للأسس التي قام عليها الإسلام ، ثم إلى – طارق بن زياد – رغم أنه حاملا لمشروع الإسلام كعقيدة إيديولوجية من صنع العرب ، الذين سيستغلون إنتصاراته بدون حياء ولا حشمة لصالحهم.
علي لهروشي
مواطن مغربي مع وقف التنفيذ
هولندا