بقلم د. توفيق حميد/
تم اعتقال المدون المصري الشاب شريف جابر على خلفية بلاغ للنائب العام اتهم فيه جابر بـ “الاعتداء” على الدين الإسلامي، وإنكار ما هو قطعي الثبوت من الدين، واستهزائه بالذات الإلهية والنبي محمد، وذكر البلاغ أن جابر بث فيديوهات تحمل “سخرية بالدين وإنكار الجنة والنار والحساب، والاستهزاء بيوم القيامة”.
وأعلن المحامي نبيل النقباوى، السبت الماضي، أن موكله شريف جابر سيعرض على نيابة وسط القاهرة، لاستكمال التحقيق معه على خلفية اتهامه بازدراء الأديان.
والعجيب في الأمر أن الاتهام بازدراء الدين نراه فقط لمفكرين مسالمين يحملون أفكارا سلمية لا تدعو إلى أي عنف ولا سفك دماء، ومن أمثلة هؤلاء المدون شريف جابر والصحفي إسلام البحيري والكاتبة فاطمة ناعوت، ومن قبلهم الراحل الرائع شهيد الفكر فرج فودة، ولكننا لا نرى نفس الاتهامات تكال لمن يروجون لفكر ديني يدعو بلا خجل إلى قتال غير المسلمين، وسبي نسائهم، ويبيح معاشرة الصغيرات جنسيا، ويبارك مبدأ الرق، ولو تم اعتبار هذه الجرائم ازدراء للدين لأنها تشوه صورته أمام العالم لتم اعتقال الكثيرين ممن يطلق عليهم في مجتمعاتنا “رجال دين”.
هناك فارق كبير بين أن تتفق مع أحد في الرأي أو أن تقتنع بالمحتوى الفكري لآرائه وبين أن تعطيه حرية إبداء الرأي
ويذكرني ما يحدث في هذا الأمر بحقيقة واقعة وهي أن لاعب الكرة ضعيف المستوى هو الذي غالبا من يستخدم العنف مع غيره من اللاعبين، لأنه عاجز عن اللعب أمامهم بقواعد المباراة حيث أنهم أكثر كفاءة وقدرات منه.
ونفس الأمر نراه هنا، فقد يقول البعض إن اعتقال شريف جابر بتهمة الإلحاد هو أكبر دليل على ضعف رجال الدين، وعجزهم عن الرد على أفكاره بالحجة والمنطق والبرهان، فهم ببساطة شديدة قد عجزوا عن لعب مباراة الفكر بقواعد المنطق فلجأوا إلى العنف.
اقرأ للكاتب أيضا: من سيدخل الجنة: الشيخ الشعراوي أم ستيفن هوكينغ؟
وليس هذا الأمر مستغربا، فقد رأيناه في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حينما عجز قومه عن الرد على حجته “وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ” لم يكن لديهم شيء يفعلوه غير استخدام العنف ضده “قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ”.
وأنا هنا لا أشبه شريف جابر بإبراهيم خليل الرحمن، فالله وحده هو من يحاسب البشر، ولكنى أتكلم عن قضية استخدام العنف من قبل الغالبية ضد إنسان جاءهم بفكر مخالف لهم لأنهم عجزوا عن الرد عليه بردود منطقية تدعم فكرهم وتدحض فكره.
وأحب أن أبشر كل من يشارك في اعتقال وربما حبس شريف جابر بزيادة جديدة في معدلات الإلحاد حيث أنهم أكدوا لكل من يتابع الأمر بأن اللجوء للعنف ضد المدون الشاب، هو أكبر دليل على عجز رجال الدين الاسلامي عن الرد عليه في موضوع الإلحاد، وأن أفكاره أقوى من أفكارهم وحجته أعظم من حجتهم، فرجال الدين والمتعصبون دينيا، هم الآن مثل لاعب الكرة الضعيف الذي لجأ إلى العف في الملعب لعجزه عن مجاراة مهارة اللاعبين الآخرين.
وهناك نقطة أخرى أود أن أطرحها هنا وهي: إن كان طرح أفكار مختلفة وغريبة عن المجتمع “جريمة” تستحق العقاب، فإن ذلك يبرر تماما أفعال مشركي مكة ضد الرسول عليه السلام، واستخدام العنف معه في بداية دعوته، حيث أنه كان “في نظرهم” يدعو إلى أفكار شاذة وغريبة عن المجتمع حين ذاك، مثل “عدم عبادة الأصنام”، و”منع وأد البنات”، ثم ألم يفعل فرعون نفس الشيء بموسى حين رآه يدعو لأفكار “غريبة” عن المجتمع، تدعو لهدم عقائد الناس وتبديل دينهم “وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ”، ففرعون هنا كان يفعل تماما مثل ما يريد أن يفعله أشاوس الشريعة مع شريف جابر، أي استخدام العنف معه بعد أن عجزوا عن الرد المنطقي عليه.
أحب أن أبشر كل من يشارك في اعتقال وربما حبس شريف جابر بزيادة جديدة في معدلات الإلحاد
ومن هذا المنطلق أسأل من يعتقلون شريف جابر بسبب أفكاره الغريبة، بماذا كانوا سيشعرون إن تم تنفيذ نفس المنطق على المسلمين في دول غير إسلامية، فتم اعتقال كل المسلمين لأنهم يدعون إلى أفكار “غريبة” عنهم مثل الصلاة خمس مرات في اليوم، والطواف حول حجر، وصيام شهر في السنة؟
وأحب أن أوضح للجميع أن هناك فارقا كبيرا بين أن تتفق مع أحد في الرأي أو أن تقتنع بالمحتوى الفكري لآرائه، وبين أن تعطيه حرية إبداء الرأي ـ خاصة إن كان رأيه لا يدعو إلى العنف أو إلى سفك الدماء.
اقرأ للكاتب أيضا: ماذا لو كان اسم محمد صلاح “جرجس حنا”؟
وإن كان إبداء رأي مخالف للمجتمع جريمة تستحق العقاب، فإن ما فعله قوم إبراهيم عليه السلام به وما حاول فرعون فعله بموسى عليه السلام، وتعذيب المؤمنين الأوائل في بداية الإسلام يكون مبررا بنفس المنطق، لأنهم جميعا كانوا يدعون لآراء ـ في نظر قيادات المجتمع ـ “هدامة”، ويبشرون بدين جديد أو يدعون إلى فكر “جديد” يخالف الفكر السائد في المجتمع ويستهزئون بعقيدة الناس و”يبلبلون” أفكارهم!
وكم كنت أتمنى أن أرى دعاة الدين وأشاوس الشريعة يدعون إلى إعطاء شريف جابر حقه في الاختيار كما قال القرآن “فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ”، بدلا من حرمانه من هذا الحق الإلهي في الاختيار والذي وهبه الله لخلقه أيا كان اختيارهم.
وأخيرا أود أن أقول لشريف جابر أني قد أخالفك في الرأي جزئيا وكليا في قضية مثل وجود الله ولكني مستعد أن أموت دفاعا عن حريتك في إبداء رأيك!
شبكة الشرق الأوسط للإرسال
الجواب جدا بسيط أستاذ توفيق . الشيوخ يحاولون منع دينهم الاسلام من الانهيار لولم يفعلوا ذلك لوجدت الملايين من المسلمين قد كفروا بالإسلام .هذه حقيقة يعرفها كل المسلمون