تنظم الساعة دقاتها على توقيت عودتهن..إنها الرابعة مساء ،تعدن إلى بيوتهن متعبات ،غافيات في مقاعدهن بالسرفيس ، يهتز بيدون الماء البلاستيكي ، الذي يبدو كغنيمة تمنحها صاحبة البيت للعاملة التي تفرح بابخس الأشياء وإن كانت مجرد نفاية نكراء، يهتز حين تتراخى اليد المتعبة، يرن جوال السيدة الثانية فتجيب( كلوا شو ماكان بين ما اجي).تقول لي : اطبخ للغرباء ألذ وأشهى الأطباق وأبنائي يأكلون الزعتر..
في المقعد الثاني تجلس عاملتان منزليتان أيضا..روائح الكلور تفوح من أيديهن وأجسادهن.تشتكي إحداهن من ألم بالرأس والرقبة..لا كلمات للتعاطف فالحال من بعضه كما يقولون..شقاء وانتظار للفرج..
في المقعد الثالث عاملة ترتب مواعيد الغد..تجيب على المتصلة قائلة (تلييف حيطان ما بليف)..تحاول العودة لاغفائتها المقطوعة مرارا..لكن اتصالا آخر يبدد سكونها وتجيب( مو فاضية لبعد العيد بأسبوع)…هل أفرح لتوافر فرص العمل ام أبكي لتعبها..أحاول محاورتها ، فتجيب( الله ياخدني لأرتاح) تطفئ جوالها وتلقي برأسها على ظهر المقعد وتنام.
ألمح ياقات الكنزات المهترئة تحت المعاطف الرثة والبشرة الجافة المقساة من الإهمال والمواد الكيميائية السامة.
العينان المطفآتان تحصيان مافي حقيبة اليد الصغيرة، تسحب ألف ليرة وتودعها في محفظة أصغر في مخبئها الآمن في صدرها..تنتبه لملاحقتي لحركاتها الاحترازية، فتجيب زوجي يقف على الباب لا لاستقبالي بل لاستلام أجرتي اليومية وتصمت ووجهها يحدق بالفراغ البعيد.
إنه وقت التعب..ذروة الراحة المخادعة ومحطة مابين شقائين..