خلقت تناقضات التاريخ الاسلامي وفقهه وتراثه, وضحالة انجازات المسلمين التاريخية والمعاصرة مقارنة بالشعوب الاخرى وبالمعايير الحضارية والتي توصلت لها الانسانية من ازدهار بكل المجالات ومبادئ لحقوق الانسان, عقدة نقص لدى الاسلاميين, جعلتهم يلجأون الى صرف الاموال الطائلة لاخفاء عوراتهم أو تجميلها, والاكثر من هذا فقد لجأوا الى اتباع اساليب وطرق فاشلة من اجل تحسين صورة عوراتهم. من هذه الاساليب على سبيل المثال لا الحصر, هو اختراع بدعة ما يسمى بالاعجاز العلمي بالقرأن! والادعاء بان جميع النظريات العلمية نزلت بالقرآن قبل ان يكتشفها الغرب بمئات السنين؟؟ ومن هذه الاساليب أيضا اسلمة مرافق الحياة وتلبيسها قناعا اسلاميا كاريكاتوريا مثل ظاهرة البنوك الاسلامية ايضا على سبيل المثال لا الحصر.
في هذه المقالة سنبحث نوع اخر من الاسلمة, وهي ان يقوم باحث اسلامي بدراسة عن الكنائس العربية والمسيحيين العرب ويسقط في هذه الدراسة خلفيته الاسلامية ومفهوم الدين بالاسلام على الديانة المسيحية, وعدم الاخذ بعين الاعتبار ماهية الدين المسيحي على حقيقتها واختلافاتها عن الدين الاسلامي, والاكثر من هذا عدم اعتبار الاسباب التاريخية واثر الاسلام على الكنيسة والمسيحيين والتي فرضها بقوة السلاح والقانون على مدى اكثر من 1430 سنة؟ كل هذه الاسباب تجعل من هكذا دراسة بحث مشوه وغير موضوعي!
من هذه الدراسات الغير موضوعية, ورقة الكاتب التونسي عزالدين عناية وهو مدرس بجامعة اطالية تحت عنوان:” الكنائس والحراك الثوري في سوريا”.
نبدأ من عنوان المقال وهو بحد ذاته مغالطة, حيث كما هو معروف تسعى الكنيسة الى الابتعاد عن السياسة, نرى هنا ان الكاتب يريد بان يقحم الكنيسة بالسياسة. مع العلم ان جميع المؤتمرات السينودسية المقدسة اكدت على تبني المسيحية للعلمانية, بينما لا تزال المؤسسة الدينية الاسلامية ترفضها لا بل تكفرها. اما عندما يأتي عسكر السلطان الى الكنيسة ويفرضون على القساوسة ما يجب ان يقولوه واحيانا ما يجب ان يفعلوه, فهنا الوضع مكرها اخاك لا بطل!! فهل تريد من القساوسة حمل السلاح ومجابهة جيش السلطان؟؟ اما هذه المهمة هي مهمة كافة الشعب بمختلف اطيافه؟؟
يقول السيد عناية: ” قد يزعم البعض أن السوريين المسيحيين، بكنائسهم ومؤمنيهم، حظاهم النظام بمغانم ومآثر فاقت ما ينعم به نظراءهم من الإثنيات والتجمعات المذهبية والدينية الأخرى، فاشترى ذممهم وكسب ودّهم. “
هنا نرى ان السيد عناية قد ترك ال 93 % من السوريين المسلمين الذين باعوا ذممهم للنظام على مدى اكثر من 40 عاما, وركز على زعم البعض من المسيحيين!! فهل هذا بحث موضوعي الذي يستند الى زعم البعض؟؟ من هم هؤلاء البعض؟؟ هل لديه مراجع؟؟
يقول الكاتب عناية:” لقد ولّد الواقع الاجتماعي العربي في تشكيلاته الدينية تناقضات هائلة، لعلّ أبرزها ما تعلق بأتباع الديانة المسيحية، التي بات بعض الأطراف فيها يحابي الأنظمة الدكتاتورية ويتوهّم أنه ينعم بحمايتها، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يقف حجر عثرة أمام حركة التغيير التي تجتاح البلاد العربية.”
ما هذا الهراء يا سيد عناية, هل من المعقول بان ابرز التناقضات في التشكيلات الدينية هو ما يتعلق بأتباع الديانة المسيحية وهم اقلية؟؟ هل من المعقول بان البعض من ال 7% في سوريا يقفون عثرة امام حركة التغيير التي تجتاح البلاد العربية؟؟ ما هو سبب توهم هذا البعض بحاجته الى الحماية كما تدعي ؟؟ هل للتاريخ الاسلامي علاقة بهذا؟؟ هل الاضطهاد الذي تعرضوا له تاريخيا له علاقة بهذا؟؟ هل لمبادئ الشريعة الاسلامية الصالحة لكل زمان ومكان علاقة بهذا؟؟ وبالنهاية هل دراستك هذه لها علاقة بالموضوعية من قريب او بعيد؟؟
يقول السيد عناية:” ومجمل الكنائس السورية ينطبق عليها هذا التوصيف، مع أنه يجري الحديث عن المسيحيين السوريين على أنهم تكتل متماسك، والحقيقة أن تلك الجماعات لا تعرف تآلفا بينها. يبلغ أثر حدة تلك الفُرقة بينها في قلة أعداد الزيجات وفي تدني تردد بعضهم على كنائس بعض، فضلا عن توتر علاقاتهم الاجتماعية في ما بينهم .”
من اين اتيت بهذه المعلومات يا سيد عناية عن توتر علاقات المسيحيين وعن تدني اعداد الزيجات فيما بينهم ؟؟ المسيحيون السوريون هم جزء من الشعب السوري ودرجة تماسكهم مماثلة لتماسك بقية شرائح المجتمع السوري ودرجة التماسك ليس لها أي علاقة بنوع الديانة!! وما دخل عدد الزيجات بين المسيحيين بالثورة السورية؟؟ ام ان كل ما تريده هو ملئ السطور حتى ولو كان هراء؟؟
يقول السيد عناية:”ذلك أنه في الوقت الذي تتفطن فيه التعبيرات الدينية الأقلّوية إلى تدنّي الضمانات الاجتماعية والروحية، الرابطة بين النسيج الاجتماعي، تغدو ميّالة إلى الطرف الأقوى وتتجه نحو الماسكين بزمام السلطة. وبالتالي ضمن ذلك السياق عوّلت الكنائس غير المتجذّرة في الواقع العربي، على الشراكة اللاهوتية مع حاضرة الفاتيكان علّها تفوز بنصرة من الغرب ، وعلى السلطة الداخلية أملا في حمايتها واحتضانها. ففي الجزائر، لما هزت البلد موجة من الاضطرابات في التسعينيات، لم يكن أمام الكنيسة من سبيل للنجاة سوى الاحتماء بسلطة مدعومة من العسكر، لأنه تبين لها أنه في سقوطها وانهيارها متاهتها . واللافت أن الكنائس السورية، التي تختلف أوضاعها جذريا عن أوضاع الكنيسة في الجزائر، بصفتها كنائس أهلية وليست طارئة أو دخيلة، سارت على الشاكلة نفسها مع اندلاع الحراك الثوري في سوريا، وباتت تقرأ مآلاتها وتربط مصيرها بمصير النظام القائم، وهو مسار شائك انساقت إليه الكنيسة. ما يوحي وكأن الكنائس السورية لا تود مسايرة التحولات الاجتماعية التي تشهدها المنطقة، بل يتأكد مع كل يوم أنها غير راضية عنها، مع أنها لا تستطيع أن تقف في وجهها.
وفي هذا السياق عجزت الكنائس عن اتخاذ موقف صريح من الحراك الثوري في سوريا، ما عدا بعض التصريحات الغائمة هنا وهناك لرجالاتها، وهو أمر عائد أيضا إلى تذرّر الكنائس والمدارس اللاهوتية، التي انكفأت على التراث اللاهوتي السالف ولم تنتج فكرا لاهوتيا فاعلا وجامعا، يجاري نسق التحولات الاجتماعية العربية. إذ لم تتشكّل مدرسة لاهوتية عربية موحدة، وكل ما نجده هو بحث عن خصوصيات ليتورجية، تمتح تمايزاتها من قرارات مجمعية تخطّتها الأحداث، أو من خلافات لاهوتية ما عاد هناك مبرر لاستعادتها اليوم . إن إشكالية الكنائس الحاضرة في البلاد العربية، التي فشلت في إنتاج وحدتها، أنها كنائس ثابتة فكريا ولاهوتيا ولا تربطها بالواقع المتحرك صلة متينة، ارتضت الحضور الشكلي ونفرت من الحضور الشاهدي في الاجتماع العربي.”
مما سبق نرى بأن الكاتب لا يعرف بان تاريخ الانقسامات بالكنائس العربية يعود الى العصر البيزنطي والعصر الروماني والصراعات السياسية -اللاهوتية التي كانت تجري بذلك الوقت عندما كانت كامل سورية مسيحية وآرامية, فمن اين جاء هذا الكاتب ببدعة الشراكة مع الفاتيكان للفوز بنصرة الغرب؟؟ كيف وصل الى نتيجته هذه بان الكنيسة تقف عثرة بوجه التغيير؟؟ ما علاقة الكنيسة بالتغيير؟؟ هل تريد ان تتحول الكنيسة الى مؤسسة مماثلة للمؤسسة الاسلامية حيث تعتبر ان الاسلام هو دين ودولة؟؟
الكنيسة يا سيد عناية هي مجوعة المسيحيين, والمسيحيون هم جزء من المجتمع السوري باختلافاته الفكرية, وكما أن الشعب السوري بكامله فيهم من يوالي السلطة وفيهم من يعارض السلطة كذلك هم المسيحيون؟
هل تعلم بان معظم رواد النهضة العربية كانوا من المسيحيين, عندما كان معظم المسلمين ينادون باشعارهم: يا خالد الترك جدد خالد العرب…..حيث خالد الترك هو السلطان خالد, وخالد العرب هو خالد بن الوليد؟؟
هل تعلم بان معظم الاحزاب السياسية العربية القومية منها واليسارية أو التقدمية اسسها مسيحيون؟؟
يبدو ان معرفتك بسوريا والشعب السوري وتاريخه متواضعة جدا ولا تؤهلك لكتابة مقال عنهم.
واخيرا ما علاقة الفكر اللاهوتي بالثورات العربية؟؟ العالم كله يطالب بفصل الدين عن الدولة وانت تريد اعادة الربط بين الكنيسة والسياسة؟
يقول الكاتب عناية:” فلو أخذنا الكنيسة في إيطاليا نلاحظ المشاركة الحريصة لرجال الدين في الشأن السياسي الإيطالي، علاوة على تلميحات المؤتمر الأسقفي الإيطالي للناخبين، وهو ما يأتي عادة بشكل إيحائي حتى لا تخسر الكنيسة طرفا من أطراف المجتمع.”
نرى هنا بان السيد عناية يعتبر تلميحات رجال الكنيسة بايطاليا تدخلا في السياسة؟؟
العلمانية تقول بانه طالما ان المؤسسة الدينية يتم تمويلها من تبرعات المواطنين, ولا يتم تمويل المؤسسة الدينية باي اموال حكومية, فأن لها الحق بان توالي من تشاء من المرشحين وليس فقط ان تلمح تلميح ! لا بل يحق لها ان ترشح وتدعم من تشاء وهذا لا يتناقض مع العلماينة. اما اذا كانت المؤسسة الدينية يتم تمويلها ومدها بقوة السلطة, ويتم تزاوج بين السلطة الحاكمة والمؤسسة الدينية التي تمثل الله كما هو الحال في الاسلام, فهنا يأتي الضرر وكوارث العلاقة بين الدين والسياسة المعروفة والتي كتبنا عنها مقالات عدة.
واكبر دليل على علمانية الحكم الايطالي هو وصول ممثلة الافلام الاباحية والمغنية (آنا ايلينا ساتلر) الى البرلمان الايطالي ونجحت بانتخابات ديمقراطية عام 1987, وعندما ارادت ان تعيد انتخابها عام 1991, امتعض بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني من ترشيحها, فقام رئيس وزراء ايطاليا بالرد على البابا وقال له: بان السيدة (آنا) هي مواطنة ايطالية (بالرغم من انها مهاجرة هنغارية), ولها جميع حقوق المواطنين الايطاليين ولا يحق له منعها من ممارسة حقوقها السياسية, وبما ان الحكومة الايطالية لا تدخل بشؤون الفاتيكان فعلى البابا ان لا يتدخل بشؤون الحكم!
هذا كان غيض من فيض مما حوته مقالة الكاتب عناية من مغالاطات وسخافات لا ترقى بان تكون ثرثرة حمامات.
نحن نشجع الابحاث في مواضيع الكنائس العربية ومواضيع وضع المسيحيين العرب, لان مثل هذه الابحاث ستغني المجتمعات المسيحية العربية وتزيد الاهتمام بها وستلفت الانتباه الى اهمية المجتمعات المسيحية الاصيلة في البلدان العربية, مما يؤدي الى تطويرها وتحسينها, ولكن نحن نريد دراسات موضوعية حقيقية , لا ان يكتب الكاتب معلوماته من مخيلته او من ايحاءاته, فهناك فرق كبير بين الدراسة الموضوعية, والخرافات التي تهبط عن طريق الوحي, فزمن هبوط الوحي قد ولى منذ آلاف السنين.
ونحن نرى بان الكاتب بهذا الموضوع قد اساء لنفسه واساء للدرجة العلمية التي يحملها وقد اساء للعلم والبحث العلمي وايضا اساء الى الجامعة الايطالية التي يعمل بها واخيرا اساء للشعب العربي والسوري قاطبة والمسيحيين بشكل خاص.مما سبق نرى بان الكاتب لم يع الاختلاف بين الديانة المسيحية ومفهومه عن الدين كونه من خلفية اسلامية ولم يكن قادرا على ان يبحث في دراسة الكنيسة والمسيحيين بتجرد وموضوعية ولم يستطع ان يتخلص الباحث من اسقاط مفاهيم الدين الاسلامي على المسيحية. فالمسيحيون العرب هم جزء لا يتجزأ من مواطني بلادهم يثورون عندما يثور الشعب بكامله ويستكينون عندما يستكين الشعب بكامله ولا شئ يميزه كونه يدين بالمسيحية عن بقية مكونات الشعب السوري. لا بل نحن نجزم بان المسيحيين كانوا ومازالوا يسبوقن نظرائهم من المسلمين في الوطنية والاخلاص بالعمل الوطني, لان الاسلام يعتبر الوطنية كفرا كما اوضحنا بمقالتنا: الوطنية كفرا بالنسبة للمسلم , والموجودة على النت.
والتاريخ يعلمنا بانه لن تزدهر و تتقدم الاقلية المسيحية الا اذا ازدهرت وتقدمت الاكثرية المسلمة, وانه لن ينصلح دين الاقلية الا اذا تم اصلاح دين الاكثرية , لان اصلاح دين الاقلية يكون عندها تحصيل حاصل لاصلاح دين الاكثرية وهذا منطق التاريخ.