بقلم منى فياض/
إذا كان هدفنا تحقيق الديموقراطية؛ فدعونا نتفق بداية على أن العلمانية لا تؤدي بالضرورة إلى الديموقراطية، فالنازية مثلا كانت علمانية، مثلها مثل الاتحاد السوفياتي.
ذلك أن حدود النزعة العلمانية تتفاوت بين النظرية والتطبيق تفاوتا كبيرا بحيث يمكن أن يكون حدها التطبيقي الأول علمنة الدولة وحدها، كما في الولايات المتحدة الأميركية للحؤول دون سيطرة أية كنيسة أو طائفة دينية معينة عليها، وقد يكون حدها التطبيقي الآخر علمنة المواطن نفسه للحؤول دون سيطرة أية عقيدة دينية عليه، كما حصل في الاتحاد السوفياتي. ذلك أن النظرية الماركسية لم تفرق بين الدين والأيديولوجيا، لكنها استثنت نفسها ولم تعتبر نفسها أيديولوجية. فجوهر الصراع هنا عقائدي أو أيديولوجي، يعد شكلا من أشكال الصراع الديني.
لكن العلمانية في الحقيقة تنطوي على مفهوم فلسفي يتعلق باستقلال العقل وحرية الضمير. من هنا لا يمكن أن نفصل بين العلمانية والديموقراطية. وهذا يتطلب أيضا تحديد معنى ومكونات الديموقراطية وشرعية التمثيل الديموقراطي كشرط ضروري لنجاح العلمانية.
شكلت المجزرة المروعة التي نفذها الجيش السوري في مدينة حماه محطة في سيرورة الاستبداد السوري
فالأنظمة العربية مثلا تعتمد على الانتخابات ونتائجها كي تبرهن شرعيتها وديمقراطيتها. لكن لا يمكن حصر الديموقراطية بالانتخابات فمحمد مرسي و”حماس” وصلا للحكم بالانتخابات فهل يعني هذا أنهما ديمقراطيان؟ البابا منتخب وهذه ليست ديموقراطية وهو لا يقدم نفسه على أنه ديموقراطي. أما نظام الأسد فلا يزال “شرعيا” بنظر داعميه وتواطئ الغرب، بعد تدميره معظم سورية وبعد تهجير الملايين من شعبه، فقط لأنه أجرى انتخابات.
اقرأ للكاتبة أيضا: ثقافة الحذاء المقدسة
الأهم من كل ذلك هو المسار الديموقراطي ككل وكيفية ممارسة السلطة وممارسة وظائف البرلمان الأساسية: أي التشاور والتقويم والتدقيق والوقاية.
العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة أو بالأحرى تحييد الدولة، كشرط للديموقراطية. إنها تعني موقفا محايدا من الدولة تجاه الدين واستقلالهما عن بعض. فالدولة لا يمكنها أن تكون ديموقراطية دون حريه المعتقد. والمساواة تكون بين مواطنين وليس بين كفار أو بين مؤمنين يتسامحون مع وجود الكفار.
الاستبداد السوري “العلماني”
شكلت المجزرة المروعة التي نفذها الجيش السوري في مدينة حماه محطة في سيرورة الاستبداد السوري؛ فلقد قامت كل دعاية النظام على أنه علماني وغير مذهبي ولاطائفي ويحارب التطرف. تبنى الغرب سردية النظام لتبرير مجزرة حماه في أنها “مجرد عملية جراحية لا بد منها” ضد معقل أصولي في سورية، ما جعل الدولة السورية تبدو في حينه “دولة علمانية تعمل للحداثة في مواجهة معارضة دينية ظلامية” تمثلت بالإخوان المسلمين. ولا تزال بالنسبة لمن يريد أن يتغافل.
وبذريعة محاربة الإخوان المسلمين اضطهدت جميع مكونات المجتمع المدني والأحزاب خارج حزب البعث. وعلى مدار أعوام عديدة تم الزج بآلاف النشطاء من مختلف الفئات حيث استخدمت أجهزة الأمن التعذيب والاعتقال التعسفي غير القانوني وتصفية الأفراد وزجهم في السجون أو إعدامهم. وأدارت الحكومات الغربية وجهها عن انتهاكات حقوق الإنسان وإجراءات الطوارئ التي استخدمتها الحكومة.
استخدام الدين أيضا
لجأ النظام السوري مرارا إلى استخدام مجلس الإفتاء الأعلى في سورية لجعل السوريين يقومون بالواجب الشرعي في الدفاع عن الوطن ووحدته. وسمح لرجال الدين بالعمل بحرية في المساجد لاستقبال طلاب من بلدان عربية مختلفة ليتخرجوا بعدها “أصوليين” و”جهاديين”، ثم يعود فيغلق الجامع ويمنع دروس الدين للأجانب لأن ذلك يمس تاريخه العلماني.
سمح النظام للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي بساعة أو ساعتين أسبوعيا، ليطل من الشاشة الصغيرة ليهدي الناس ويعلمهم أصول الدين بلغة تحذيرية قاتمة، كما أعطاه ترخيصا لمحطة دينية، بعد أيام قليلة على بدء الثورة السورية. في حين يمنع أي معارض أو مثقف علماني من أن يطأ عتبة مبنى الإذاعة والتلفزيون أو يمنع مجموعة من الأصدقاء من تأسيس جمعية تدعم “العلمانية”، بحجة أن الأحزاب ممنوعة.
وسبق للنظام العلماني أن أمر بتسريح نحو 1200 معلمة منقبة من السلك التربوي للحفاظ على العمل “العلماني الممنهج” ثم تراجع عن قراره بعد أسابيع قليلة. كما دعم حركة “القبيسيات” السرية مع العلم أن العمل السري ممنوع.
استغلال مشاركة المرأة
مشاركة المرأة هي أحد الشروط الضرورية لتحقيق الحرية الإنسانية. الأمر لا يتعلق فقط بضرورة تحسين وضعية المرأة وحقها في نيل وممارسة كافة حقوقها، بل أيضا بكيفية التوصل إلى النهوض بالمجتمع ككل.
العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة أو بالأحرى تحييد الدولة، كشرط للديموقراطية
هناك إجماع على الاعتراف بحقوق المرأة وبالمساواة بينها وبين الرجل في أكثرية دساتير البلدان العربية. غير أن مجرد وجود ضمانات دستورية تكفل حق المرأة لا يتجسد بالضرورة واقعا تحقق فيه المرأة كامل حقوقها المدنية والقانونية والسياسية.
إن انخفاض نسبة تمثيل المرأة انخفاضا شديدا في أوساط اتخاذ القرار في كثير من البلدان العربية، قد جعل من حقوق المرأة الدستورية حبرا على ورق ومبادئ غير فعالة لتأمين مشاركتها في الحياة السياسية. قبل الثورات العربية والثورة السورية، بلغ أعلى تمثيل للنساء العربيات في المجالس البرلمانية في كل من سورية مع 30 نائبة بلغت نسبتهن 12 في المئة على مستوى التمثيل البرلماني، تونس مع نسبة 11.5 في المئة (21 نائبة)، والسودان مع 35 نائبة بلغت نسبتهن 9.7 في المئة.
اقرأ للكاتبة أيضا: زياد عيتاني والعمالة لإسرائيل وكاريكاتور الدولة الأمنية
ومع أن الأمر شديد التعقيد، إلا أنه تجدر الإشارة منذ البداية إلى وجوب عدم الخلط بين مشاركة المرأة في السياسة وبين الديموقراطية؛ فهما أمران منفصلان. كما أن نسبة مشاركة المرأة في المجالس البرلمانية في البلدان الديموقراطية لا تزال غير مرضية على المستوى العالمي ولم تغير من مشاركتها في النظام السياسي.
من الملاحظ أن الدول العربية والإسلامية ذات الكثافة السكانية العالية لا تزال في أسفل قائمة الدول فيما يخص التمثيل السياسي للنساء.
وقد يتم اختيار امرأة وزيرة أو مستشارة أو نائبة وزير أو مديرة، في هذه البلاد، وهو ما حصل مرارا في سورية. لكن يبدو الأمر وكأنه هدية شخصية أو هبة من قبل الحاكم تجاه امرأة معينة يراد تكريمها؛ أو من أجل إظهار الوجه الحسن للنظام السياسي. إذ إن ذلك يسهل عملية الحصول على مساعدات وهبات مالية من جهات دولية، نظرا لأن هذا الأمر بات من متطلبات برامج التنمية للأمم المتحدة. لكن عند التدقيق نجد أن المرأة بعيدة كل البعد عن مجمل مراكز القرار الفعلية.
إنها مظاهر تجميلية قليلة الكلفة تنفذها هذه الأنظمة؛ مجرد إدخال بعض النساء إلى الندوة البرلمانية من دون أن تخسر أي من سلطاتها.
الكثير من الحكومات العربية تغير في وضعية المرأة القانونية من دون صعوبة بقرار مركزي. وبما أنه لا يمكن اعتبار أي نظام عربي كديموقراطي، وهذا ما أكده تقرير التنمية الإنسانية الذي أشار إلى “براعة بعض الأنظمة العربية التي تتمثل في محاولة تبرئة النفس على الساحة الدولية بالانخراط في المنظومة التشريعية الدولية لحقوق الإنسان وتوقيع الاتفاقيات الدولية المعنية للتغطية على انتهاكاتها لحقوق مواطنيها” (تقرير التنمية الانسانية العربية، الامم المتحدة، 2004، ص 101).
شبكة الشرق الأوسط للإرسال