اكرم هواس
و يموج العالم الاسلامي من جديد000 لا لشيء سوى انه تم استفزاز المسلمين مرة اخرى في قضية هي في الواقع لا تقدم و لا تؤخر شيئا في علاقة المسلم الجذرية بدينه و مبادئه و قيمه الاخلاقية000ما يستند اليه هذا الاستفزاز من قيمة فاعلة هو المستوى العالي جداً من استعداد المسلمين السيكولوجي الاستفزاز خاصة من قبل الغرب000 او بكلام اخر000 عدم قدرة المسلمين خلافا لمبادئ الاسلام على احتواء العناصر و العوامل المتغيرة و التي تعمل على حث و تحفيز كوامن الاستفزاز000
اسباب فقدان المسلمين القدرة على احتواء المتغيرات كثيرة لكنها اهمها تتعلق بتاريخ التراجع الهائل في العلاقة مع الغرب000 و بشكل ما فان اللحظة التاريخية لانتصار الغرب على المد الاسلامي في اسبانيا و ما تلاها من استعمار مباشر للعالم الاسلامي قد شكلت أيضاً نقطة تحول كبيرة و مهمة في استراتيجية الغرب فيما يتعلق بالحرب النفسية مع المسلمين000
و لكن قبل ان نتحدث عن هذه الاستراتيجية و نقطة التحول فيها لابد من عرض بعض الملاحظات التي يمكن ان تساعدنا في فهم الأسس التاريخية لهذه الاستراتيجية000 اولا000 فيما يتعلق بالإسلام و علاقة النبي محمد به فلابد من التذكر ان النبي تعرض للكثير من الإهانات المباشرة في مكة و الطائف و غيرها و لم يقبل النبي باي حال من الأحوال رد هذه الإهانات بل بدلا من ذلك كان يدعو ربه ان يهدي هؤلاء الى دين الحق000 و قد أثبتت الاحداث ان هذا النمط من السلوك قد أتى اكله و أدى بالكثيرين الى الانتماء الى الاسلام000
ثانيا000 ان النبي كان ينادى من قبل أصحابه و أعدائه على حد سواء باسمه الشخصي اي محمد و لم يعترض على ذلك بل ربما كان يشجع ذلك للفصل بين شخص الرسول و الاسلام كدين و ثقافة عامة000
ثالثا0000 ان اتباع الديانات الاخرى و اصحاب المصالح قد أنتجوا الكثير من الأفكار و الشائعات التي تؤسس على فرضية كذب و تلفيق الاسلام كدين000 هذه الفكرة الأولية تطورت فيما لتؤسس استراتيجية بعض المؤسسات الدينية اليهودية و المسيحية خاصة في الغرب الذي كان يتعرض للفتح الاسلامي000 الهدف الواضح من هذه الاستراتيجية كان تحصين الذات ضد أفكار الاسلام التي كانت تنتشر بسرعة بين الناس000
اي ان الاستراتيجية الاولى قبل التحول كانت هي استراتيجية معاكسة للمد الاسلامي الثقافي و السياسي و كانت تستهدف إلحفاظ على روحية المؤمنين بتلك الديانات و منعهم من الانفتاح على الاسلام و الانخراط فيه000 اي ان الاستراتيجية كانت ترتكز على ترسيخ الحاجز النفسي بين بين الايمان بتلك الديانات و امكانية الانزلاق الى التغيير باتجاه الاسلام000
اهم عناصر هذه الاستراتيجية كانت من جهة الفصل بين مفهوم الدين التاريخي لدي اتباع اليهودية و المسيحية و الواقع الاجتماعي الثقافي للعرب و من جهة اخرى شخصنة الاسلام اي التركيز على شخصية النبي محمد و بيبلوغرافية تطوره الشخصي اي ولادته تربيته00 حيث كان يطلق على المسلمين صفة المحمديين000 و هذا ما كان يستهدف نقل مفهوم الاسلام من منظومة أخلاقية الى قضية قبلية و سياسية منفعية000 هذه التسمية رفضها المسلمون بقوة على ان اساس000 من كان يعبد محمدا فأن محمدا قد مات000
لكن أي تقييم واقعي و موضوعي سيتفهم هذا الامر كونه كان يعبر عن الحق الطبيعي للمؤمنين او منضوين داخل منظومة اجتماعية للدفاع عن الذات و حماية المؤسسات القائمة رغم ان ذلك أدى الى انتاج الآلاف او مئات الآلاف من الكتب و المقالات و غيرها من وسائل الترغيب و الترهيب التي كانت موجهة الى اليهود و المسيحيين لمنعهم من تغيير أفكارهم بشكل يؤدي الى انهيار تلك المنظومات و المؤسسات اليهودية و المسيحية000
كل هذا الكم الهائل من الأدبيات و الأفكار و الرؤى لم تزعج المسلمين رغم انها كانت دوما تصفهم بالقتلة و المجرمين و المغتصبين و اللصوص000 الخ من اسؤا الصفات لان الاسلام كان متواصلا في تقدمه و انتصاراته سياسيا و اقتصاديا كما الحال في الشان الاجتماعي الثقافي و الديني000
لكن نقطة التحول حدثت عندما تراجع انتصار المسلمين و تحول الى هزائم000 هنا تحولت الاستراتيجية الدفاعية الى استراتيجية هجومية بحيث ان محتوى هذه الأدبيات و أفكار الشيطنة اصبحت موجهة الى المسلمين بهدف أضعاف الروح المعنوية و خلق شروخ في التزامهم الأخلاقي و بالتالي ارتباطهم بالمنظومة الأخلاقية التي يؤمنون بها0000 و لا شك ان هذه الاستراتيجية الجديدة قد نجحت كثيرا خاصة انها لم تعد تخص المؤسسات التقليدية و المجموعات الدينية و انما تبنتها الدولة و مؤسساتها المختلفة و المصالح الاقتصادية و لو بشكل غير رسمي000 و لعل سهولة و سرعة الاستعمار تؤشر بشكل واضح النجاح منقطع النظير لهذه الاستراتيجية000
الان و في هذه الحقبة الزمنية000 الغرب هو عالم مفتوح و القوانين تحمي بشكل واضح كل المبادرات الفردية و الجماعية و منها حرية التعبير و التفكير و النقد 0000 النظام الديمقراطي يوفر الحرية للجميع000 و هذه الحماية القانونية تستخدمها الكثير من اصحاب المصالح لوضع و تمرير رؤاها و استراتيجياتها دون ان تستطيع الدولة ان تكبحها او ان تضع حد لها000 الأمثلة كثيرة لكن فيما يتعلق بالدين فهناك آلاف الدراسات التي تنفي الوجود الحقيقي للسيد المسيح كما ان هناك آلاف الكتب و المقالات و الأفلام التي تسخر من السيد المسيح و من السيدة مريم و تجعل منهما رموزا جنسية فاضحة دون ان يتدخل لمنعها او حتى الاعتراض عليها0000
من جانبها تقوم الدولة نفسها باستخدام هذا الفضاء الواسع للحرية في تمرير بعض الإجراءات دون ان تخترق القوانين بشكل فاضح سواء كان يتعلق ذلك بسياسات داخلية او خارجية000 و في هذا الصدد فان اللجوء الى الأساليب الاستفزازية هي واحدة من المجالات التي قد تجتمع عليها مصالح بعض القوى الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية مع بعض مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الاستراتيجية000
هنا000 اعتقد ان قياس مدى توسع و تجذر الأفكار و الثقافة الديمقراطية من ناحية و من ناحية ثانية العلاقة بين الدولة و الثورة في المجتمعات المسلمة التي شهدت الربيع العربي مؤخراً 000 قد يكون واحدا من اهم اهتمامات مراكز الدراسات الاستراتيجية و كذلك المصالح الاقتصادية و مصالح المجموعات الدينية في الدول الغربية000 دعنا نتذكر ملاحظتين مهمتين000 ان موجة الاعتراضات الجديدة بدات في المجتمعات التي شهدت تغييرات سياسية بفعل الثورات العربية و هي مصر و ليبيا و اليمن0000 بينما ان اولى الموجات الاعتراضية على الرسوم الدانماركية بدات أيضاً من مصر و حينها اتهمت وسائل الاعلام الدانماركية سفيرة مصر في ذلك الحين في الدانمارك و التي لم تكن من الإسلاميين المتشددين بأفتعال الازمة000 اي ان رؤية السفيرة التقت مع رؤية الإسلاميين المتشددين الذين قادوا حملة الاعتراضات000 بكلام اخر000 ان الدولة المصرية التي كانت تحارب الإسلاميين التقت معهم في رد الفعل تجاه الاستفزاز000
ثانيا000 في الأشهر جرت في الباكستان التي يخاف الامريكيون من احتمال وقوع اسلحتها النووية بيد الاسلاميين و افغانستان التي يستعد الامريكيون اعادة تسليمها الى قوات طالبان 000 جرت احداث قد تدخل في اطار الاستفزاز و رد الفعل000 فقد قتلت الطائرات الامريكية غير المأهولة الكثير من المواطنين 000 بالمناسبة جرى ذلك أيضاً الى حد ما في اليمن000 اما في افغانستان فقد جرى إحراق نسخ من القران و رميها في دورات المياه000 و قد اعترف الأمريكيون بذلك كما اعترفوا بقتلهم للمواطنين ابرياء000 اعتقد ان الهدف كان أيضاً قياس مدى رد الفعل و مدى سيطرة القوى الحاكمة000
اخيرا0000كيف ستنتهي هذه الازمة بل ما مدى امكانية توسعها على المستقبل القريب و البعيد غير معروف000 لكن الدول الغربية و خاصة ستستفاد من دروسها000 اما الحديث عن استراتيجية الاستفزاز و قياس رد الفعليين هذه المقالة فلا يهدف باي حال من الأحوال لاختزال احداث كبيرة بهذا الحجم000 و لكنه محاولة لتسليط الضوء على زاوية واحدة من زوايا المشهد المتعددة000