تعلمت أن أتأمل الصور مع أنها جماد.. ففي أحيان كثيرة يحرك الجماد القلوب البشرية المجمدة.. ليس دائما، للأسف، فهناك قلوب من طين. اعتبرت صحافة الصورة في أهمية صحافة الكلمة، وأحيانا أهم. لا أذكر مقالا أكثر تعبيرا عن حرب فيتنام من الصورة الفائزة بجائزة «بوليتزر» ذلك العام: جندي أميركي يطلق النار من مسدسه على فيتنامي يرتجف باكيا. من أي أرض جاء ذلك القاتل لكي يقتل المساكين في هذه الديار؟!
فتح العمل في الشؤون الدولية أمامي آفاقا لا توفرها الشؤون المحلية والعربية.. سافرت في المدن، وفي الكتب، وفي المكتبات، فوجدت مدنا تُدمَّر ومدنا تقوم. قتلت الحرب في بولندا ستة ملايين إنسان، وعندما ذهبت إلى العاصمة فرصوفيا وجدتها تحاول الوقوف على ركبتين متثاقلتين. ذهبت إلى باريس بعد 15 عاما على نهاية الحرب، فوجدتها لا تزال تحيا في نظام الإعاشة.
كلما وقع حدث أتأمل صورة المدن. عندما انهار الاتحاد السوفياتي شاهدنا صور بلدة ميخائيل غورباتشوف، فإذا طُرقها معتمة ورديئة.. تأملنا صور بغداد، فسألنا: أين ثروات العراق من هذه البيوت والشوارع؟ تأملنا صور بنغازي، فوجدنا قبو تعذيب وتماثيل للكتاب الأخضر.
شاهدت صور مدينة «القصير» السورية، فوجدت انتصارا، ولكن لم نجد مدينة ولا أحياء ولا محتفلين. ذكرتني القصير بصور برلين ودرسدن وستالينغراد. بعد 15 عاما من حرب لبنان، لم نرَ شيئا من هذا، حتى الأحياء التي دكتها المدافع السورية طوال أشهر لم تشبه القصير، ولا القرى التي دكتها حاملة الطائرات «نيوجيرسي».
لم تحرك الصور الخارجة من سوريا أي جماد.. لافروف حذر من «استغلال القصير لأهداف دعائية». معك حق.. ممنوع لصق الإعلانات.. تأدب يا هذا وأنت تخاطب 40 ألف مخلوق صارت بيوتهم ركاما وحياتهم حطاما.. خفف كلامك.. اترك شيئا لمعلمك أو نائبك بوغدانوف. هذا موظف ماهر في تغليف النهش في جروح الناس وكرامات الأمم. أنت، خفف عنك.. الدنيا صيف، فاذهب في إجازة إلى البحر الأسود.. استرح قليلا.. خذ معك جون كيري.. اذهبا إلى يالطا، فهي تنتظر منذ 1945 تقسيما آخر.. اقتساما آخر.. فرقة أخرى. دعوا سوريا.. كفاها.