اذا عبوسي بالصدر قبط ياجبوري

iraqbeforafter (1)في ستينات القرن الماضي ظهرت شريحة من الشباب تقول عن نفسها انها “مثقفة”،وكانوا يتزاحمون انذاك عند مقاهي البرازيلية والزهاوي وغيرها في شارع الرشيد ببغداد ليقراوا لرجال الثقافة ماكتبوه في ذلك النهار، وتبدا سخرية القوم منهم، خصوصا حين يسالونهم الى اي مدرسة تنتمون ويصدق الشباب جدية السوال،فهذا يقول انه من المدرسة الوجودية والثاني ماركسي والثالث متمرد بينما الرابع فقد اثر ان ينتمي الى مدرسة السماء اللازوردية،وحين يسالوه عنها يتعلثم قليلا ويقول بهمس انها مدرسة ساحرة بكل ماتعني الكلمة من معنى،ويصيح شاب اخر دون ان ياتي دوره بالاجابة بانه راديكالي.
ويكتب للكثيرين منهم بعذ سنوات ان ينسحبوا اما بهدوء او بخجل بعد ان يعرفوا. قيمة مايكتبون.
وهل علينا هذه الايام الجعفري الذي يبدو انه الطفرة الوحيدة لجينات شباب ستينات القرن الماضي، فقد خرج علينا باول تصريح له قال فيه:ان الانحدار الطبقي للعديد من الكتل التي تريد ان تستبق الزمن في المسيرة التاريخية لايشفع لهولاءًان يحتلوا اي مسوولية في حياتهم بل سيظلون ممحاكين في دروب السياسة.
ويلتفت المستمعون الى بعضهم لعلهم يجدون احدا يفهم ماقاله الاخ ولكن لااشارة من الجميع ابدا.
ويعود بعد ايام ليقول عبر موتمر صحفي:
ان الصراخ غير مجد في مجابهة هذه الرياح العاتية القادمة من كل اطراف العالم بغية التشديد على وقف عجلة التاريخ ولكنهم لايعلمون ان ذلك من سابع المستحيلات لان التاريخ لايرحم المغفلين والسذج من امثال حملة التاريخ الناقص.
ومرةًاخرى يلتفت المستمعون الى بعضهم علهم يجدون من يفسر لهم هذه الاحجيات ولكن لا اشارة من الجميع.
لم يظهر في تلك المعمعة من يقول لهذا الجعفري:يرحم والديك ترى كلشي ماافتهمنا،شوية على كيفك ويانا،ترى عدنا ملايين من الاميين وملايين اخرين لايحملون شهادة الابتداىءة واخرين لم يقراوا كتابا واحدا في حياتهم حتى كتبهم المدرسية.
ويرد الجعفري بالقول:اذا ارادوا ان يفهموا ما اقول عليهم ان يصعدوا في سلم الثقافة ولاينتظروا ان ننزل نحن اليهم فالعقل البشري يستوعب الكثير من الارهاصات الفكرية.
وينبري احد المتحمسين ليساله:بحياة ابوك شنو يعني الارهاصات.
فيصيح الجعفري:روح طلعها في غوغل احنا هنا مو في مدرسة محو الامية.
وتتلاحق مصطلحات الجعفري وكلماته الاثرية والتي يحسب انه ملك بها زمام الثقافة العراقية اذا ماكانت العالمية،ًفقد قال في الاسبوع الماضي:
لاشيء يطغي على فعالية الثورات الشعبية خصوصا اذا عاشت ارهاصات السلالم الفكرية المتشعبة التي هي في الواقع متيسرة. للجميع في كافة ارجاء المعمورة بقطبيها الجنوبي والشمالي.
ومرة اخرى يلتفت القوم الى بعضهم ،وفجاة ينبري احد اولاد الملحة ليقول باعلى صوته: ان الجعفري يريد ان يعلمنا احدث الاساليب في اللطم العجيب.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.