المحامي ادوار حشوة: ( كلنا شركاء ) 29/1/2007
الوحشية في هذا الشرق ليست مفاجأة ولا ظاهرة غريبة لا يمكن أن تتكرر، ففي مخزوننا قصص وروايات وأحداث عن ثقافة العنف والقتل والاغتيال التي رافقت كل تاريخنا القديم والجديد.
كان صديقنا الراحل الشاعر عبد الحق حداد مفجوعاً من سيادة العنف في الحياة العربية ومندداً به في شعره:
يسوع مات مصلوباً هنا وهنا أحمدُ .. بالشوك جلي
وهنا الخنجرُ أدمى عمراً وهنا في المسجد .. اغتيل علي
هل عظيمٌ في بلادي لم يُهن؟ هل حقيرٌ لم يعشْ كالبطلِ؟؟
وطنٌ ما عاد فيه مثلٌ غرّبتْ فيه جميعُ المثلِ ..|
من التاريخ القديم قتلنا عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب من خيرة الصحابة والخلفاء الراشدين.
ثم قتلنا الحسين بن علي في كربلاء وسممنا الحسن بن علي وقتلنا ابن الزبير في مكة ومثلنا بجثته.
وفي الحكم الأموي قتل الحجاج بن يوسف الثقفي الآلاف من أهل العراق وأرسل إلى الخليفة رؤوس المتمردين..
في الحكم العباسي قتل العباسيون بني أمية عن بكرة أبيهم ولم يوفروا الأطفال والنساء والشيوخ وحتى قبور الخلفاء من بني أمية نبشوها وانتقموا من بقايا عظام أصحابها.
ثم في الحكم العثماني كانت الوحشية أكثر إلى درجة أن إعدام الخصوم كان يتم عن طريق اختراع عثماني هو الخازوق.
وكان السلطان ما أن يتولى الحكم حتى يأمر بقتل جميع إخوته لكي لا ينازعه احدهم على السلطة في المستقبل ولكي تبقى السلطنة في أبنائه فقط .
في هذا الموضوع واحد فقط من السلاطين هو محمود الثاني لم يقتل الأخ الوحيد له هو عبد الحميد لأنه لم يكن له ولد ذكر فأبقاه مكبلا بالحديد في قصره 18 عاماً إلى أ ن توفي فاستلم السلطنة …. ؟؟
ومن تاريخنا الحد يث تم في دمشق قتل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وهو من المجاهدين ضد الا ستعمار الفرنسي ومنظم الثورا ت ضده وذلك لكي تخلو زعامة الحركة الوطنية لشكري القوتلي …. ؟
وفي دمشق قتل العسكريون حسني الزعيم وقتل آل البرازي الحناوي ثم قتل الدروز أ ديب الشيشكلي.
وبسبب صرا عات الكتل في الجيش تم اغتيا ل العقيد المالكي وبسبب الصراعات في حزب البعث قتل صلاح الدين البيطار .
في الثما نينيات شهدنا أ غتيا لات لاسا تذة جا معات( محمد الفاضل ) وأ طباء ( جوزيف صايغ ) ولضباط ومسؤولين وتم ذبح أفراد من حزب البعث بالسكاكين ونسفت باصا ت مدنية وقطارا ت وقتل كثيرون بدون ادنى حق .
هذا العنف تسبب في عنف سلطوي مضاد وراح ضحية ذلك الا لوف وصار عندنا مخزون من تاريخ العنف كبير .
في الا ردن قتل الملك عبد الله في المسجد وقتل اغتيالا هزاع المجالي ووصفي التل من رؤوساء الوزارات .. قتل في ايلول الا سود الوف من الفلسطينين .
في لبنان تم اعدام المفكر انطون سعاد ة رئيس الحزب السوري القومي بعد ساعات من اعتقا له وبسبب ذلك تم اغتيا ل رئيس وزراء لبنا ن ريا ض الصلح.
وشهد لبنا ن بعد ذلك حروبا اهلية واحداثا ذهب فيها ضحية العنف عد د كبير من المفكرين والسيا سين اغتيالا ومن كامل مروه الى رياض طه الى معروف سعد الى بشير الجميل ا لى المفتي حسن خا لد الى رينيه معوض وكمال جنبلاط الى رفيق الحريري مؤخرا وما تبعه من اغتيا ل سمير قصير وجورج حاو ي وجبرا ن تويني وبيير الجميل .
وفي السعودية تم اغتيا ل الملك فيصل كما كان يتم بسرية قتل الضباط الذين يشك بولا ئهم للبيت السعودي بقطع الر قاب .
في اليمن تم اغتيا ل قيا دا ت اليمن الجنوبي ذوي الا تجاه العلماني اليساري مرة بأسم اليسار الشيوعي ومرة بأ سم معا دا ة الوحدة مع الشمال.
وفي السودان بدأ النميري المجزرة حين قتل زعماء الحزب الشيوعي الذين تم تسليمهم اليه من قبل القذ افي ..
ثم ارتكب مجزرة جزيرة أبا على النيل حين قتل 13000 من انصار المهدي ثم للتكفير عن ذنوبه أ علن تطبيق الشريعة الا سلا مية على كل السودان فسبب ذلك احداث الجنوب الذي قتل فيه الا لوف .
والآن في دارفور اخذت الوحشية حدو دا غير معقولة في صراع ادارته السلطة بين السنة من اصل عربي والسنة من اصل زنجي فبلغت ضحايا الطرفين ومن تشرد منهما أ كثر من مليون ….
في ليبيا قتل القذافي جميع منا وئيه واغتا ل رئيس الوزراء السا بق في القاهرة ولا حق الهاربين من حكمه الى كل بلا د اوروبا وقتلهم .
وفي المغر ب العربي اختطف الجنرال اوفقير المهدي بن بركة القائد السياسي البارز والمعارض وتمت تصفيته . وفي السجون عشرا ت الا لوف مقيمون دا ئمون الى درجة ان العا هل الحالي بمنا سبة عيد ميلا ده السعيد اطلق سراح بعضهم و عد دهم 35000 الفا فقط والباقي الى اعياد قا دمة بأ ذن الله الملك ..
وفي الجزائر اقتتل ابناء الثورة بعد الا ستقلال ومارس بومدين القمع والا بعاد ثم نشبت ثورة دينية تم فيها ذبح قرى وعائلات بكاملها باسم الدفاع عن دين الله .
وفيها اغتيل رئيس الجمهورية السابق بأ يدي وكلا ء الله على الا رض .
وفي مصر تم اعدام سيد قطب وقيادات الا خوان ثم تولى النظام المبا حثي التقدمي االثوري الا جهاز على كل فكر حر وخنق الحريات وهو يصرخ في الا ذاعة ارفع رأسك يا أ خي فاذا رفعته فعلا طار رأ سك .
وفي الصوما ل البلد الا فقر والا كثر جوعا يقتتل ويقتل زعماء الحرب شعبهم دون رحمة بالعباد ومن دون ان يكون ذلك بدافع أجنبي .
أما العراق فهو بيت العنف العربي الوحشي با متياز و هذا لايعني ان العرب الآ خرين من الملا ئكة ولكن للعراق خصو صية أ كثر عنفا في التاريخ .
في العراق سحلوا في الشوارع الملك فيصل والا مير عبد الا له ورئيس الوزراء نوري السعيد وقتلوا العائلة المالكة اطفالا ونساء في وحشية لا تعرف دينا ولا رحمة ولا قا نونا .
ثم قتلوا الشواف ورفعت الحاج سري والطبقجلي وسحلوا المئا ت في شوارع الموصل وبغداد في مجزرة يسارية مار كسية ليننية …
وعندما سقط حكم عبد الكريم قاسم قتلوه مع اعوانه في وزارة الدفاع ثم تولى الا خوة من البعث سحل الشيوعين في الشوار ع وعلقوهم على اعمدة الكهرباء ثم قام صدام حسين بقتل كل اعضاء القيادة القطرية لانهم ايدوا المصالحة بين البعث العراقي والبعث السوري ثم قام بقتل خمسين سيا سيا بزعم كاذب انهم ها جموا القصر الجمهوري في حين انهم كانوا مدعوين اليه.
وفي السجن وقبل يوم وا حد من انتهاء محكومية النا صري ايا د سعيد ثابت قتلوه في السجن وكذلك قتلوا الر كابي وغيرهم .
وفي عهد صدام قتل الالوف في اقبية المخا برات الى درجة لم يعد فيها أي وجود لمعتقلين لانهم يقتلون فورا ولا يسجنون ثم يتم تسجيل اسماءهم على لوائح محكمة صورية لم يصلوا اليها .
وفي الحرب مع ايرا ن قتل من شعب العراق مليون مواطن وفي الحرب الا ولى على العراق قتل ما لايقل عن مئة الف من الجنود .. وفي الحرب الثانية قتل حتى الان ما لايقل عن نصف مليون . والحبل على الجرار ذبحا وشنقا وخطفا مرة باسم الدفاع عن دين الله ومرة با سم الدفاع عن طا ئفة دين الله ومرة قتلا للعملاء اما المقاومة العراقية الحقيقية للمحتلين فوقعت في ارباك بسبب تعدد الميليشيا ت والمافيات التي تقتل عرا قين على الهوية او ابتزازا ولا تقتل المحتلين .
اما في فلسطين فالذي يمارس الوحشية هو الجانب الاسرائيلي وقيادات كثيرة تم تصفيتها من قبل الموساد وبالقصف في حين ان الوحشية بين الفلسطينين ضد بعضهم كانت الاقل من كل الدول العربية وكان الفلسطينيون يقتلون في البلاد العربية ويقمعون ويسجنون من قبل الحكام العرب وفي ايلول الا سود في الاردن قتل ما لايقل عن خمسة الا ف منهم وفي لبنان تكفلت الثورة الأهلية والعدوان الصهيوني بقتل الكثيرين .
هذه هي صورتنا التاريخية مليئة بالوحشية والعنف وكلها تدل على سيا دة ثقا فة القمع والقتل والحذف وانعدام الحوار والتعايش الوطني وتراجع فكرة العمل بالوسائل السياسية لصالح فكرة العمل بالعنف والاغتيال .
هذه الوحشية الان لم تعد ظاهرة فريدة او غريبة عنا لاننا اعتدنا على حضورها في كل مجتمعا تنا ودولنا واحزابنا وعشائرنا وطوائفنا.
وحتى الناس صاروا لا يحبون حاكما لا يجلدهم لانه لا طاعة بلا هيبة ولا هيبة تأتي بدون عنف ولا سلطان بلا جلاد.
صارت الطاعة للحكام تتأمن من باب العنف الذي يأتي منه الحكام ولا يأتون من صناديق الاقتراع.
هذا الوضع يستدعي من المفكرين وقادة الرأي والسياسة إعادة النظر الجذرية في مفاهيمنا عن الوطن والمواطن بحيث نبدأ من المدارس بتدريس قصص الوحشية والتنديد بها وكشف مخا طرها لنؤسس لجيل آخر لا يمجد العنف ولا يعتبره شجاعة وينظر إلى قتل الناس بازدراء ويعلم الأجيال فضيلة الحوار وأهمية التعايش وحق مواطن في وطنه متساويا مع الآخرين دون تمييز في اللون والعنصر والدين.
من المدرسة يجب البدء بالقضاء على ثقافة العنف والقتل في مجتمعنا العربي لكي لا يتولانا الداخل الحاكم بالوحشية والخارج المستعمر ولا نحصد أماناً ولا وحدة وطنية ولا حرية ولا تعايشا فهل نبدأ العمل في ورشة إعادة بناء الانسان العربي على غير قواعد الوحشية التي سادت تاريخنا هذا هو السؤال؟