زوهر هدروم هو الاسم العبري الذي أطلقه جيش العدو ومخابراته على عملية مكافحة أنفاق المقاومة في قطاع غزة، وهو بالعربية يعني “توهج الجنوب”، حيث يقصد به حماية مستوطنات جنوب فلسطين، التي تسمى عادةً بمستوطنات الغلاف، وهي المستوطنات التي علا صوتها، وزادت شكواها، وشهد كثيرٌ من سكانها أنهم يسمعون دبيباً تحت أقدامهم، وحركةً تحت بيوتهم، تشبه أصوات آليات الحفر ومعدات البناء، وقد حذروا حكومتهم من أنهم يسمعون هذه الأصوات يقيناً وليس خيالاً، وهي واقعٌ وليست وهماً، ووصلت بهم حالة الوهم والقلق إلى متابعة مكان بلاطة منزوعة من مكانها من أحد أرصفة المستوطنات، وقد سيج الأمن مكانها، ووفد إلى مكانها ضباطٌ كبارٌ ومسؤولون أمنيون وخبراء هندسيون كبار لمعاينة المكان ومعرفة سبب عدم وجود البلاطة في مكانها، وما إذا كانت قد انتزعت من فوق الأرض أم من تحتها.
العدو الإسرائيلي أحسن استغلال “زوبعة” الأنفاق التي أثار مستوطنوه مخاوفهم منها، وأشعروا حكومتهم بالتقصير فيها تجاههم، وأنهم يهملون شكواهم، ويستخفون بالخطر المحدق بهم، ولا يهتمون بمحاربة الأنفاق بما يكفي، وأنهم سكتوا طويلاً عنها حتى وصلت إلى بيوتهم، وتكاد تخترق أرض غرف نومهم، الأمر الذي يجعل من قدرة رجال المقاومة على الوصول إليهم كبيرة وسريعة.
استغلت مجموعاتٌ صهيونية عديدة التهديدات التي أطلقتها المقاومة، والتصريحات التي أدلى بها بعض مسؤوليها، والتي أكدوا فيها عن أن أنفاق المقاومة قد نجحت في الوصول إلى عمق الأرض المحتلة، وأنها قادرة على الوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية، وأنهم سيفاجئون في أي حربٍ قادمةٍ بما يصدمهم، وغير ذلك من التصريحات التي استفزت الإسرائيليين ودعتهم إلى التعامل مع موضوع الأنفاق بجديةٍ ومسؤولية، وعدم الاستخفاف بها والانتظار دونما فعلٍ جادٍ ريثما تقع الحرب وتستخدمها المقاومة، ويزداد عددها، ويتحسن إعدادها ويتفاقم خطرها، وما انهيار بعضها إلا حافزاً على إعادة ترميمها وتحصينها بأقوى مما كانت عليه.
كان من نتيجة هذه الشكاوى أن قررت حكومة العدو تخصيص مبالغ كبيرة لحماية مستوطنات الغلاف، وتكليف وحداتٍ فنية مدربة من سلاح الهندسة في جيش العدو للبحث عن الأنفاق وتدميرها، في الوقت الذي قامت فيه الإدارة الأمريكية بتخصيص مبلغ مائتي مليون دولار لإجراء أبحاثٍ علميةٍ ودراسات ميدانيةٍ لمكافحة ظاهرة الأنفاق، والعمل على تدميرها، ووضع آلية علمية سرية للتنبؤ بها واستكشافها مبكراً.
بلغت الميزانية التقديرية التي أعدتها قيادة أركان جيش العدو لمحاربة الأنفاق ثلاثة مليارات دولار، وهي ميزانية مقررة من قبل الحكومة الإسرائيلية، وقد تعهدت جهاتٌ عدة بتغطيتها منها الإدارة الأمريكية ودولٌ أوروبية عدة أبدت استعدادها لتقديم خدماتٍ لوجستية إلى جانب المساهمات المالية، خاصةً أن هذا المشروع يلزمه أبحاثٌ ودراساتٌ ونظريات وتجارب ومعدات وآليات، وهو ما قد يكون متوفراً لدى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن أنه متاحٌ في الجيوش وفي القطاعات الهندسية العسكرية والمدنية، التي تستطيع أن تقدم من خلال علوم الجيولوجيا والطبوغرافيا والتصوير الفضائي الكثير من الخدمات.
كما أعلنت منظمات صهيونية عالمية المباشرة في جمع التبرعات والمساعدات للمباشرة في تنفيذ هذا المشروع، الذي يرون أنه ينقذ شعبهم من خطرٍ حقيقي داهمٌ، ويرون أن التهديد الذي تشكله الأنفاقُ تهديدٌ حقيقي لأمنهم وسلامة مستوطنيهم، وقد أعلنت قيادة أركان جيش العدو أن الميزانية المقترحة ليست نهائية، بل هي قابلة للزيادة، نظراً لأن عالم الأنفاق مجهولٌ بالنسبة لهم، وقد تجد معطياتٌ تفرض عليهم التعامل معها، خاصةً أن قوى المقاومة الفلسطينية قد أسست الأنفاق لتكون ذراعها الاستراتيجية الطولى في مواجهة القدرات العسكرية الضخمة للجيش الإسرائيلي.
لا يتطلع العدو الإسرائيلي من خلال هذا المشروع إلى هدم الأنفاق أو تفجيرها، أو الاكتفاء بمعرفتها ومراقبتها، أو إغلاقها ومنع استخدامها فقط، فهذه هي الخطة الظاهرة من مشروعه الكبير، ولكن مخططاته في هذا المشروع أكبر من مكافحة الأنفاق فقط، بل إن الخطة تنص على تحصين ملاجئ المستوطنين وتوسيعها، وربطها بطرقٍ جديدة تحت الأرض، تستطيع أن تقلهم بسرعة كبيرةٍ وبسريةٍ تامةٍ عن مناطق الخطر، وتوصلهم إلى مناطق آمنة نسبياً، فضلاً عن تحصين المستوطنات نفسها، بزيادة أعداد الحامية العسكرية لها، ومرافقة الحافلات وسيارات المدارس والجامعات، وتزويدهم بمهابط طائرات، وغير ذلك من وسائل الحماية والتحصين والنقل الآمن السريع، وهو ما يفسر ارتفاع الميزانية المخصصة لهذا المشروع.
كما أن المشروع في الجانب الاستخباري يقوم على جمع المعلومات والبيانات، ومعرفة عدد الأنفاق واتجاهاتها ومساراتها ومهامها، وعدد العاملين فيها أو المقيمين داخلها، وما تتميز به من تحصينات وتتمتع به من مزايا ومواصفات، وغيرها من المعلومات الهامة، الذي تكلف بها جهاز المخابرات الإسرائيلي، الذي يحاول استعادة نشاطه في قطاع غزة، بعد الحملات الأمنية الناجحة التي نفذها أمن المقاومة ضد العملاء الفلسطينيين والمتعاونين مع العدو الإسرائيلي بعلمٍ أو بجهالةٍ وقلة وعي، حيث أن العدو يسلك طرقاً عديدة للحصول على المعلومات التي يريدها، وليس بالضرورة أن يعتمد كلياً على العملاء والمتعاونين، بل يقوم إلى جانب جهودهم التي لا يستغني عنها، باستراق السمع والتنصت، والتصوير والمراقبة، وتحليل التصريحات ومتابعة الأخبار، وتفقد الغائبين وتحديد فترات غيابهم واتجاهات عملهم.
في المقابل وهو ما نحذر منه ونخشى، فإنه يوجد أصواتٌ هامسةٌ وفي الخفاء، بعيداً عن الإعلام وضجيجه، تطمئن المستوطنين، وتؤكد لهم أن الأنفاق تحت السيطرة، وأنه لا يوجد منها خطرٌ حقيقي، فهي في أغلبها باتت معروفة للجيش ومخابرات العدو، كما أن عيون بعضها معروفة ومرصودة، ولكن ليس من الحكمة الإعلان عن اكتشافها حالياً، أو تدميرها فور اكتشافها، فهذه الطريقة لن تمنع الفلسطينيين من المحاولة من جديد، والحفر في مناطق أخرى بعيداً عن مناطق الاشتباه، والأجدى من ذلك إفشالها وإحباط أي هجومٍ عبرها خلال أي مواجهاتٍ عسكرية، واستخدامها نفسها في مواجهة المقاومة الفلسطينية، واستغلال استخدامهم لها وعدم حذرهم منها في تفخيخها أو تسريب الغازات السامة إليها، أو تفجيرها وهم فيها، وعليه ينبغي الحذر والحيطة فهذا عدوٌ ماكرٌ محتال، وعلينا أن نتوقع منه كل شئ.
بيروت في 14/2/2016