احتفالات المئوية الثانية لولادة ماركس تعبير ضد الاستغلال الطبقي

فواد الكنجي

في الخامس من أيار الجاري2018 حلت على العالم الذكرى المئوية الثانية لميلاد (كارل ماركس) الفيلسوف الألماني المولد في 5 أيار عام 1818، عاش حياة فكرية رصينة بلورة أطروحاته منذ ولادتها ونشرها مفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ووجه الحياة والعالم، فبأفكاره اندلاع ثورات، وبأطروحاته تغيرت النظم، وشبت حروب، وما زالت إلى يومنا هذا أفكاره ذو قوة وفاعلة مؤثرة على المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل دول العالم، ولا تزال قوية وفاعلة وملهمة ومؤثرة ليست في المدارس الفكرية فحسب بل في حياة الشعوب وعلى ارض الواقع، لأن مجريات الإحداث والوقائع تؤكد بتجددها وبصحة أطروحاته وخاصة في مجال نقد الرأسمالية يوما بعد أخر.
فماركس تأثر- أثناء دراسته بجامعة (بون) والذي حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة عام 1840 – بأفكار (هيغل) ليتحول بعد ذلك للفكر الاشتراكي، وعمل لفترة قصيرة بالصحافة، وقد أغلقت الصحيفة التي كان يعمل بها عام 1843، مما اضطره للانتقال إلى باريس، وتولى في العام 1847 مركز رئاسة الرابطة الشيوعية في بروكسل، ونفي في العام 1849 إلى لندن، حيث عاش بقية حياته، وماركس انشأ المفهوم المادي للتاريخ، ومؤلف الكتاب (رأس المال)، ومؤسس الحركة الاشتراكية الثورية الحديثة بالتعاون مع المفكر (فريدريك انجلز) حيث نشر كتابه الشهير (البيان الشيوعي) بتأليف مشترك بينهما، وقد كتب (ماركس) في علوم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد، ورغم كتابات الكثيرة و رغبته في تأليف كتاب فلسفي شامل يوضح فيها بشكل موسع و دقيق و شامل مفهوم المادية الجدلية والمادية التاريخية، على نحو أدق، ولكنه انشغاله بكتاب (رأس المال) حال تكملة ذلك، ومع ذلك يعتبر ماركس بكل ما إلفه وكتبه في حياته بمثابة مصباح منير للفكر الاشتراكي المعاصر إلى هذا الوقت، وقد اثر ماركس بالمفكرين الفرنسيين الاشتراكيين وكان من الطبيعي أن يؤثر مفكرو فرنسا الاشتراكيين في الفكرة الراسخة لدى ماركس ليستزيد من أفكارهم السياسية وتجاربهم حول العالم، وهذا الأمر جعله ينفعل وينتقل إلى الثورة (البروليتارية) ليكون له أدوار هامة بكتاباته في (الفكر الاشتراكي الشيوعي التحرري( ونشر أفكاره وإعماله بين متابعه لحين وفاته في 14 مارس عام 1883 في لندن.


وكانت جل نظرياته عن هذه العلوم تعرف بـ(الماركسية)، والتي تنطلق التعبير بكون المجتمعات تتقدم عبر الصراع بين الطبقات الاجتماعية أي بين الطبقة الملاكين والمحتكرين بالإنتاج وبين الطبقة العمالية الذين ينتجون السلع بعرق جبينهم وبعملهم وبجهودهم، واعتبر أعظم من كتب في (الاقتصاد) في التاريخ العالم، فهو المفكر الثوري بكل المقايس، وقد كانت أفكاره نقطة ارتكاز الفكر الاشتراكي وتطوره ناقدا ومعترضا عن بنية الاقتصاد الاجتماعي السائد آنذاك أي (الرأسمالية) والتي وصفها بـ(الدكتاتورية البرجوازية) بكونها وحسب اعتقاده بأنها تدار من قبل الطبقات المالكة الغنية من اجل مصالحهم ليس إلا، وهو الأمر الذي توقعه ماركس بان (الرأسمالية) ستخلف توترات ستتفاقم داخليا وهذا ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير ذاتها ليتم استبدالها بـ(النظام الاشتراكي)، وأكد بان المجتمع الاشتراكي سينمو كونه يحكم من قبل الطبقة العاملة لتكون الدولة الاشتراكية دولة العمال، والتي حسب اعتقاده فان الاشتراكية ستقود بدورها باستبدال بمجتمع بدون طبقة ولا دولة حيث سيكون (النظام الشيوعي)، لان إيمان (ماركس) كان بحتمية الاشتراكية والشيوعية، ولترسيخ ذلك، وليتم تطبيق الاشتراكية، مطلوب من الجماهير والطبقة العاملة والكادحين، العمل الثوري للإطاحة بالنظم الرأسمالية وبالتغير اقتصادي اجتماعي منظم يكفل رفاهية المجتمع واستقراره .
فجاء كتابه العظيم لتوضيح ذلك في ( البيان الشيوعي) والذي شاركه في الكتابة مع (فريدريك إنجلز)- كما ذكرنا – و نشر في عام 1848 بتكليف من المؤتمر الثاني للرابطة الشيوعية الذي عقد بالعاصمة البريطانية (لندن)، ومن أبرز الشعارات المأخوذة من البيان (يا عمال العالم اتحدوا) .
حيث باشرا بشرح آلية التي ستقود في نهاية المطاف من إعمال حرية التجارة وحرية التنافس إلى تركيز على (رأس المال) و(احتكار قوى الإنتاج)، وكان هذا التعبير من اصدق تعبير و أذكى وأدق تنبؤات (ماركس) و(أنجلز)، فرغم إن الكتاب كتب عام 1847 إلا إن كل معطياته تنطبق على صورة عالمنا في الوقت الحاضر و المثير عن (البيان الشيوعي) هو الطريقة التي توقع بها ماركس الظواهِر الأساسية الأهم التي تسيطر على المشهد العالم في الوقت الراهن – وهذه حقيقة لا جدال – فان نقطة التي أثارها ماركس في تركيز على (رأس المال) الذي تنبأ بها حدثت لا وبل تحدث اليوم، بكون اقتصاد العالم الرأسمالي بمجمله تسيطر عليه مجموعة من الشركات الاحتكارية محدودة الجنسيات ويمتلكون أموالا تتجاوز بكثير الميزانيات المحلية لدول كثيرة في العالم، لقد تم إدراك ذلك بشكل واضح وشامل في (البيان الشيوعي)، فان ماركس قد تنبأ بقيام شركات كبيره وستقوم هذه الشركات بإزاحة الشركات الصغيرة، في زمن كانت الرأسمالية في أوج عطائها، ورغم أهمية هذا الكتاب وما افرزه من تأثيرات مدوية في كل إنحاء العالم جاء كتابه (الرأس المال) ليخلق مناخ ثوريا اقتصادية جعلت من ماركس شخصية تاريخية وعالمية لم يستطع اكبر ألاقتصاديي العالم دحض أفكار (ماركس) وباءت كل محاولاتهم دون جدوى لان أسلوب الذي مارسه (ماركس) في شرحه وقوة منهجه الديالكتيكي وبصيرته وقراءته لواقع الأزمة الرأسمالية وما تلتها كانت بمثابة براهين عملية جدية وجديدة على تناقضات اقتصادية واجتماعية مستعصية في النظام الرأسمالي مما جعلت هذه الأوضاع من كتاب (الرأس المال) من الأهمية في المكان لا يمكن لأي نظام تجاوز أفكاره وأطروحاته وخاصة في مجال (المادية الفلسفية) وإدخالها في (الواقع التاريخي) وفي (العلاقات الاجتماعية)، لان الفكر الاشتراكي ينبثق من خلال التطور القائم على ضوء وأسس (قانون التناقضات) الداخلية في النظام الرأسمالي الذي لم يكشف الصراع الطبقي بكونه قوة محفزة للتاريخ، لان البرهان عند (ماركس) قائم على أن وجود (الطبقات) مرتبط بمراحل (تاريخية) محددة من تطور (الإنتاج) وان (الصراع الطبقي) يقود لا محال إلى (ديكتاتورية البروليتاريا) و أن هذه الديكتاتورية هي مرحلة انتقالية على طريق إلغاء كل الطبقات وصولا إلى المجتمع اللا طبقي أي إلى (الشيوعية). ولما كان تاريخ إي مجتمع هو تاريخ (صراع الطبقات) حسب مفهوم (ماركس) فان هذا الصراع ليس بايطاره الشكلي القومي فحسب، بل بايطاره الاممي وفق لتطور الرأسمالية، والذي يقود نضال الطبقة العامل إلى تنسيق إعمالها في هذا الايطار أي الايطار الاممي، لان لا خروج عن الأزمة الدولية وما يخلفه النظام الرأسمالي إلا بـ(الثورة أممية) بعد إن تعزز برامجها و تمتلك توجه سياسي واحد وموحد، وهذا ليس بالمستحيل، إذ أمكنا توجيه الطبقة العاملة توجيها اشتراكيا، لان النضال البروليتاري الواقع تحت ضغوط الاقتصادية المتفاقمة في العالم سيقودهم إلى المسار ألأممي بتأثير الماركسيين الذين يدعمون هذه الصيرورة ويعطونها شكل واعيا مستفادين من خيارات الثورة الروسية عام 1917 في بناء ثورة اشتراكية تقوم على أساس مبادئ واضحة، وأن تكون واعية ومناضلة في إيجاد حل تقدمي للقضية الأساسية التي يعاني منها الطبقات العمالية التي تواجه الطبقة الرأسمالية، وهي الخيار بين (الاشتراكية) و(الهمجية الرأسمالية)، ومرتبط بنجاح عملية انبعاث الصراع الطبقي ألأممي، وتتمثل المهمة في بناء قيادة ثورية على أساس مبادئ واضحة و واعية ومناضلة وتوسيع قراءتها بين العمال والشباب المنخرطين في النضال كقوى جديدة تناضل وفق برنامج الثورة الاشتراكية العالمية تنسجم مع مبادئ (ماركس) الذي نحن نحتفل بالألفية الثانية لولادته وبما فسره وحلله عبر فلسفة شاملة ولقد حان وقت تغيير العالم وفق منظوره وبرامج الثورة الاشتراكية العالمية، وما احتفال الكادحين والطبقات المالية وتضامنهم في تسليط الضوء المشمس على أفكار ماركس في احتفالات موسعة شهدها عالمنا عشية ذكرى ميلاده إلا تعبيرا وتضامنا لقيادة العالم نحو ثورة اشتراكية في كل دول العالم .
فان كانت الطبقة العاملة في روسي عام 1917 نجحت في تجسيد ما كتبه (ماركس) في (البيان الشيوعي)، فان انتصار ثورتهم هناك كان بفعل قيادة حزب الماركسي الذي استند على الثورة أممية لان منظور الصراع الطبقي القومي تطور شكله آنذاك – كما يتطور اليوم لدى الطبقة العاملة في كل إنحاء العالم – إلى صراع طبقي أممي، لان قيادة ( لينين ) الذي كان يؤمن بان نصر الثورة الاشتراكية هو نصر أممي قبل إن يكون نصرا قومي روسي، لان قيادة التي كانت تعمل مع (لينين) كانت تؤمن بان لا يأس ولا تراجع وان الثورة يجب إن تنتصر وهكذا كانت، ومن هنا تأتي دور القيادة في تحقيق الانتصار بعد إن يكونوا القادة مستندين على إستراتيجية ثورية أممية، وهذا ما تحتاجه الطبقات العاملة في كل إنحاء عالمنا لان بدون قيادة ثورية مناضلة قوية لا يمكن ضمان نجاح أي ثورة اشتراكية ضد المستغليين والمحتكرين .
واليوم مع ما تواجه النظم البرجوازية من أزمة في كل دول العالم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فان ما هو مطلوب من الأحزاب الثورية ومن قيادتها تحديدا تنظيم العلاقات وكسب ولاء مع الطبقة العاملة والجماهير المستغلة والكادحين والشباب وبما تملكه من وعي ثوري ما يكفي لقيادتهم بشكل ثوري سليم لانجاز ثورة اشتراكية في كل بلدان العالم لتنتصر بنجاح، لان الطبقة العاملة اليوم في كل بقاع الأرض تعاني من الاستغلال الرأسمالي لدرجة التي أصبحت هناك تناقضات حادة في المجتمع بين احتياجات الطبقة العاملة والجماهير الكادحة التي تطالب تحسين ظروف العمل ورفع مستوى ألمعاشي لهم وبين مصالح للرأسماليين في السعي لتحقيق الإرباح و زيادة أموالهم، لدرجة التي صبحت معارضة الطبقة العاملة للرأسمالية أمر حتمي وقابل للاحتدام لان تركيز الثروة في أيدي شريحة قليلة من المجتمع قد وصل إلى مستويات خطيرة غير مسبوق على المستوى التاريخي، فهذا التفاوت الكبير في الثروة بين طبقات المجتمع هو تعبير عن إفلاس النظام الاجتماعي القائم، لان الطبقة الرأسمالية الناشئة أصبحت عائق في طريق التطور التقدمي للمجتمع الإنساني، كما أن نمو ثرواتها الشخصية قد اكتسب طابعا تسلطيا شرسا وغير نزيها، مما يثير اشمئزاز شعبي وينذر بانهيار النظم الرأسمالية، فالوضع القائم بلا ادني شك يفتقد للعقلانية، ولما كانت الطبقات الرأسمالية تسعى بأي شكل من إشكال الاحتفاظ بنفوذها وأموالها، فهم بطبيعتهم الاحتكارية والمستغلة سيواجهون أي مقاومة شعبية المطالبة بتامين حقوقهم وبالمساواة بعنف وبكل وسائل قمعية وحسب أساليبهم القذرة، ولكن إن تبلورت قضية الاستغلال إلى قضية اجتماعية واسعة النطاق وساد البطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي، وطالما إن الطبقة الرأسمالية وشركات الاحتكار تكون ممسكة بالسلطة والقرار السياسي فلا حل لمعالجة أوضاع الطبقات العمالية والكادحين والمجتمع ولا إصلاحات جذرية إلا بالثورة اشتراكية شامله يقودها العمال والكادحين والطبقات الشعب التي تعاني الفقر والجوع وحقوقها مهضومة من قبل المحتكرين، لان أي إصلاح حقيقي يتطلب انتزاع ملكية الثروات الخاصة وتامين الثروات الوطنية العامة وإعادة توزيعا، وطالما إن السلطة بيد الطبقة الرأسمالية فهذا الأمر مستحيل تنفيذه في ضل أي نظام رأسمالي، ومن هنا يتحتم من الطبقة العاملة تنظيم صفوفهم، وذلك لا يتم ما لم توجد قيادات ثورية بين صفوفها لتنظم العمل الثوري لقيام بثورة اجتماعية تنهي الاستغلال والاحتكار والرأسمالية وتطبق برنامج الثورة الاشتراكية ووفق منظور ما أوردها (ماركس) و(لينين) في أكثر من خطاب وكتاب في هذا النطاق والتغير لن يتحقق إلا بالثورة والنضال والكفاح .

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.