بقلم حسين عبد الحسين/
بادرة طيبة أن يقول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في المقابلة التي أجراها معه الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان، إنه “في زمن النبي محمد، كان هناك احترام للمسيحيين واليهود في (شبه الجزيرة) العربية”.
والدول الاسلامية، المعتدلة منها أو المتطرفة، غالبا ما تحاول الاستناد إلى آيات قرآنية أو أحاديث نبوية للإشارة إلى أن الإسلام لا يعادي اليهود ولا المسيحيين، بل يحترمهم ويجلّ شخصياتهم التاريخية.
وفي هذا السياق، لا يفوت الرئيس الإيراني حسن روحاني، ولا وزير خارجيته محمد جواد ظريف، أي فرصة للمعايدة على اليهود والمسيحيين في مناسباتهم الدينية، من رأس السنة اليهودية ويوم الغفران، إلى ميلاد المسيح.
لكن المعايدات الإيرانية غالبا ما تأتي منقوصة، فهي لا تتقدم بتهانيها إلى اليهود والمسيحيين على أساس احترامها لحرية رأيهم وحقوقهم في ممارسة عباداتهم وطقوسهم، بل تأتي في إطار الرؤية الاسلامية للرواية حول المناسبة المذكورة، وهو ما يعني أن “الاحترام” المفترض لا يتعدى كونه إعادة تمسّك بالرواية الإسلامية، والتمسك بالتعاليم الإسلامية المفترضة حول كيفية التعامل مع غير المسلمين، كذميين في حالة “أهل الكتاب”، أو كفرة وزناديق في حالة أتباع الأديان الأخرى، مثل الزرداشتية في إيران.
لذا، يقتصر “الاحترام” الإسلامي المفترض تجاه اليهود والمسيحيين على معاملتهم كمواطنين من درجة ثانية، مع تواصل عملية التبشير بين صفوفهم وإقناعهم بأحقية الرواية الإسلامية، وضرورة تحولهم من دينهم إلى الإسلام. وفي نفس الوقت، يتعرض أي مبشر مسيحي أو من ديانة أخرى إلى سجن وتعذيب وعقوبات قد تصل حد الإعدام إن تم ضبطه أثناء عمله التبشيري بين المسلمين.
وفي إيران أمثلة متعددة على “الاحترام” المزعوم الذي تبديه السلطات الإيرانية تجاه الإيرانيين من غير المسلمين، مثل في حالة أبطال عضوية الزرداشتي سبنتا نكنام في مجلس محافظة يزد، بسبب اعتراض المسلم الخاسر في الانتخابات. وأيدت المحاكم الإيرانية ومجلس صيانة الدستور، الشهر الماضي، إبطال عضوية نكنام في المجلس، معللة قرارها بالقول إن غالبية سكان المدينة أصبحوا من المسلمين، وإنه لا يجوز أن يكون غير مسلم في موقع قيادي في بلدة ذات غالبية مسلمة.
ومن “الاحترام” الإيراني لغير المسلمين أيضا اعتقال “الجمهورية الإسلامية” القس المسيحي سعيد عابديني لعقده حلقات تبشير سرية، اعتبرتها طهران بمثابة “تهديد لأمنها القومي”، قبل الإفراج عنه في صفقة سياسية ترافقت مع التوصل للاتفاقية النووية مع الإيرانيين.
وفي عدد من المدن المصرية، قصص تتراوح بين الواقع والخيال عن مسلمات انقلبن إلى المسيحية واختبأن في كنائس خوفا من قيام غوغاء من المصريين بهدر دمهن بتهمة الارتداد عن الإسلام. وكما في مصر، كذلك في بلدة بعلبك، شرق لبنان، حيث انخفضت نسبة المسيحيين من نصف السكان، مطلع القرن الماضي، إلى أقل من 250 نفرا من المسنين اليوم، مع تواتر القصص والإشاعات عن بعلبكيات مسلمات انقلبن الى المسيحية واختبأن في الكنائس خوفا على حياتهن.
وفي العراق، حيث يوزّع الناشطون الشيعة على أبواب الكنائس صورا تظهر العذراء مريم وكأنها تلبس حجابا إسلاميا، ويحثون المسيحيين على “العودة عن ضلالهم” وقبول الإسلام، هو نفس العراق الذي يجد كل مواطنيه من غير المسلمين أنفسهم مجبرين على قسم الولاء لعلم مكتوب عليه الشعار الإسلامي “الله أكبر”. والأمر نفسه ينطبق على غير العرب السوريين، الذين يرددون في نشيدهم الوطني إنهم “عرين العروبة”.
وعلى الرغم من كل هذه الأمثلة عن الاضطهاد، الذي يلحق بغير المسلمين وغير العرب في الدول العربية والإسلامية، لا تقترب من الدموية والوحشية التي عامل بها تنظيم داعش الإرهابي الأقليات على أنواعها في المناطق التي سيطر عليها يوما غرب العراق وشرق سورية، إلا أن الحقوق المدنية لغير المسلمين وغير العرب ما تزال شبه معدومة في دنيا العرب والمسلمين.
احترام المسلمين السعوديين لغير المسلمين بداية جيدة، وإن غير كافية، فالأقليات الدينية والاثنية في الدول العربية والإسلامية تحتاج إلى دساتير تكفل حقوقها المتساوية تماما مع المسلمين والعرب، وتحتاج إلى رايات وطنية يمكنها الالتفاف حولها، وتحتاج إلى أناشيد وطنية يمكنها ترديدها باعتزاز وفخر، لا دساتير وأعلام وأناشيد فرضتها مجموعات سكانية بحجة غالبيتها العددية، وهو تصنيف للمواطنين يقوض المساواة في الوطن، ويعزز الفرقة والانقسام، على الرغم من الاحترام.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :