نظرة إلى اضراب التجار ضد نظام الملالي
عبدالرحمن مهابادي*
في استمرار لاضراب واحتجاج التجار وأصحاب المحال التجارية في المدينة الحدودية (بانه) في منطقة كردستان والتي استمرت لمدة ٢٥ يوما تستمر اجراءات النظام القمعية من أجل اعتقال ناشطي حركة التجار هذه حتى الان واليوم نرى أن تجار بعض المدن الإيرانية الكبيرة قد أقدموا على مثل هذه الاجراءات المشابهة من إضرابات واحتجاجات والتي في حال توسعها وانتشارها الكبير ستضع نظام الملالي في مواجهة أزمة أخرى مميتة. ما هو سبب إضراب واحتجاج التجار؟
السبب باختصار هو تطبيق ضغوط هائلة من قبل النظام الدكتاتوري الحاكم على التجار بطرق مختلفة ومتنوعة. مع هذا الاختلاف الذي تتنوع أشكاله تبعا للموقع الجغرافي للمدن والمناطق الإيرانية. في المدن المركزية، هناك العديد من الضرائب المالية المفروضة على البضائع وفي المناطق الحدودية، بالإضافة إلى ابتزاز الجمارك هناك عدم ترخيص لبضائعهم وتفريغها من قبل أجهزة النظام. خاصة أن ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والسلع الأساسية قد أسدل ظله على حياة الناس، ويتزايد عدد الملايين من العاطلين عن العمل في إيران كل يوم تحت حكم الملالي.
ولكن ما جعل الاقتصاد المحلي لمدن كردستان مشلولا تماما هو المشروع القمعي “مشروع تنظيم الحدود” الذي طرحه النظام وتم العمل على تنفيذه منذ بداية العام الإيراني الجديد ووفقا لهذا المشروع تم اغلاق الحدود بشكل كامل في وجه التجار والحمالين والعتالين الذين يعملون على نقل البضائع على أكتافهم وظهورهم عبر الحدود. في حين أن مصادر اقتصاد هذه المنطقة ودخل الناس فيها يعتمد بشكل اساسي على هذه الحدود.
“بانه” أحد أجمل مدن منطقة كردستان على الحدود الغربية لإيران وكانت أول مدينة انتفضت ضد هذا المشروع القمعي حيث أقدم تجارها في حينها على إغلاق محالهم قرابة شهر كامل. إجراء التجار هذا ودعم الشعب له أمر في حد ذاته منقطع النظير وإن دل فإنه يدل على استعداد وثبات الشعب البطل لمدينة بانه في وجه نظام الملالي الأمر الذي لقي على الفور دعما من قبل شعب وتجار بقية مدن منطقة كردستان الإيرانية.
قرابة ٨٠ % من اقتصاد كرستان إيران يقع على عاتق أكتاف هؤلاء العتالين. العتالون بقبولهم للصعوبات والمشاق في فصول السنة المختلفة “الثلج والمطر والبرد والطرق الوعرة صعبة العبور والحرارة و… الخ ) وأيضا خطر الموت أثناء إطلاق النار عليهم من قبل قوات الحرس في الحدود ومع حصولهم لأجور قليلة “تقريبا ٢٠ دولار ” مقابل نقل ” حمولات البضاعة ” التي تزن أكثر من ١٠٠ كليو يشكلون بذلك حجر الاساس في اقتصاد هذه المنطقة. العتالة والتحميل ليس عملا أو شغلا، بل هو عبارة عن بيع الحياة اليوم من أجل الحصول على خبز الغد. يقتل كل عام قرابة ١٥٠ حتى ٢٠٠ عتال من قبل قوات حرس الحدود التابعة للنظام.
في إيران في ظل حكم الملالي أصبح الوضع الاقتصادي للمناطق الحدودية بالمقارنة بمناطق إيران المركزية اسوأ بكثير. ففي هذه المناطق ومن جملتها كردستان لا يوجد العديد من المصانع ووكالات العمل والتوظيف. النظام تعمد ابقاء هذه المناطق في فقر مدقع. أغلب العمال والموظفين والأسوأ من ذلك أغلب العتالين لايملكون تأمينا صحيا. في كثير من الحالات شاهدنا العديد من العتالين فقدوا وضعهم وحالتهم الصحية السليمة لبقية عمرهم بسبب احمال البضاعة الثقيلة.
هدف النظام من اغلاق الحدود هو جعل أكثر من ٧٥ الف عتال كعاطلين عن العمل والاضرار باكثر من ١٦ الف صاحب محل وزيادة أسعار البضاعة قدر الامكان. بالاضافة إلى حقن المزيد من الضغوط أكثر فأكثر في حياة الناس وفي نفس الوقت فتح المجال لازدهار التهريب الحكومي.
حميعنا يتذكر الحرب الدعائية لمرشح ولاية الفقيه والمقرب منه في المرحلة الثانية عشرة من انتخابات الملالي أن هذا المرشح نفسه كان أحد من غطى وتستر على قسم من ال ٢٥ مليار من المهربات الحكومية واستفاد من ١١٤ ميناء حكومي رسمي في سبيل ذلك.
هذا الخط التصاعدي لعمليات التهريب الحكومية من قبل عصابات النظام تستمر حتى يومنا هذا. والان باغلاق الحدود يريدون تسويق هذه المنتجات المهربة وأخذ الاقتصاد الإيراني كرهينة بشكل كامل. هذا وجه واحد من النهب والسرقات التي تتم حيث أن جميع البضائع التي يحملها العتالون لا تشكل حتى واحد بالمئة من البضائع التي تقوم بتهريبها العصابات المرتبطة بالنظام (وبدون أي ضرائب مفروضة عليها) عن طريق الموانئ الجنوبية إلى داخل إيران.
آرش. أحد العتالين الذين يلقون أنفسهم في خطر الذهاب للحدود ليلا ويقوم بجلب البضاعة. يقول: ” أخواتي واخوانهم جائعون في المنزل. هل من الممكن لهذه الأمور أن تشبع البطون الخالية ؟ هنا ليس طهران أو أية مدينة إيرانية أخرى تتواجد فيها مصانع لنعمل بها. هنا اذا بقيت جائعا يجب أن تضع رأسك على الأرض وتموت “.
من أي جهة تنظر بها إلى حياة الإيرانيين تستنتج هذه الحقيقة الثابتة بأن الشعب قد ضاق ذرعا وغضبا من وجود واستمرار بقاء هذا النظام الدكتاتوري. ومن هنا فان تغيير هذا النظام واستبداله بنظام شعبي وديمقراطي هو المطلب الخفي والمعلن لهذا الشعب. الشعب وصل بهذا النظام إلى نهاية الخط ونستطيع أن نرى استعداد الشعب الإيراني مقابل حكام طهران في كل مكان من الاهواز حتى مشهد ومن زاهدان حتى بانه وتبريز وكل أنحاء إيران.
في المؤتمر السنوي للإيرانيين المقرر عقده في ٣٠ يونيو هذا العام في باريس سوف نسمع عن حقائق أكثر عن حالة ووضع الشعب الإيراني ومن هنا فان حضور هذا المؤتمر والاجتماع الكبير هو واجب ومهمة وطنية ودعمه أيضا هو مهمة وواجب انساني بالنسبة للجميع.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
Abdorrahman.m@gmail.com