النيل نجاشي
أبوقردان . اقترب من الحمار المربوط في الحقل . يلتهم بعض أعواد البرسيم
فبادره الحمار بالتحية : صباح الخير يا أبا قردان
أبو قردان : يسعد صباحك يا حمار
الحمار – غاضباً – وأنت أيضاً يا أبا قردان . تناديني بيا حمار!؟ الآدميون أخدمهم واتفاني في خدمتهم . ويسمونني حمار
!
أبو قردان : هذا اسمك .. بماذا سينادونك ؟
الحمار : ان كلمة حمار ينطقونها بسخرية . وجعلوها مسبة . واتهام بالغباء . مما كرّه الحمير كلها في هذا الاسم
أبو قردان : بسيطة . انا سوف أختبر ذكاءك , اختباراً بسيطاً . ونعرف ان كنت غبياً وحماراً . أم أن البشر يظلمونكم .
الحمار : موافق . لكن لا تنحاز للبشر . بحكم انهم يحبونك يا أبا قردان
أبو قردان : لا لن أنحاز للبشر . واحكم أنت بنفسك
الحمار : هات يا أبا قردان , ما عندك من الأسئلة
أبو قردان : من الذي تتمناه رئيساً للجمهورية ؟
الحمار : أقول لك رأيي ؟
أبو قردان : قول
الحمار : هو ليس رأيي وحدي . ولا رأي كل الحمير فقط . بل هو
رأي أغلب الآدميين , وربما رأي أغلب الطيور أيضاً
أبو قردان : ما هو الرأي ؟
الحمار : السيسي رئيساً للجمهورية
أبو قردان ( يضحك ) : هل عرفت .. !؟
الحمار : ماذا تقصد يا أبا قردان !؟ تقصد أنني حمار بالفعل ؟ أم
تقصد أنني صرت مثل البشر , أتفق معهم في الرأي ؟ أم تقصد ان
الآدميين قد صاروا مثلي . يشبهونني في الفهم والحمورية ؟ لم
أفهم قصدك !؟
أبو قردان : تريد السيسي رئيساً للجمهورية ! فماذا يكون السيسي
الآن !؟ أوليس هو رئيس الجمهورية !؟
الحمار : لا بل يوجد رئيس
أبو قردان : والسيسي هو الذي عين هذا الرئيس . وهو الذي عين
رئيس الوزراء . ولا أحد منهما يجرؤ علي امضاء ورقة الا بمشورة
السيسي .. فمن يكون الرئيس !؟
الحمار : معك حق .ولكن هذا رئيس مؤقت . وكذلك رئيس
الوزراء . والانتخابات سوف تأتي برئيس منتخب . وهو الذي
سيعين رئيساً للوزراء
أبو قردان : كلا .. بل سيكون السيسي أيضاً هو الرئيس الفعلي والحقيقي
الحمار : كيف !؟
أبو قردان : لأن الوضع الذي احتفظت به قيادة الجيش . للمؤسسة
العسكرية . في الدستور الجديد . يجعل من قائد الجيش هو الرئيس
الحقيقي للبلاد – بدون نص صريح – والرئيس المنتخب لا يجرؤ
علي عمل شيء بدون موافقته كقائد للجيش . وأي شيء قد يقدم
علي عمله الرئيس المنتخب أو رئيس الوزراء . بدون رضاء قائد
الجيش . بمجرد أن يقول له وزير الدفاع : ” كش” .. . فانه
يكش . في التو والحال . ويتراجع خائفاً . مرعوباً . فمن هو
الرئيس الحقيقي ؟ أوليس وزير الدفاع ؟
الحمار : صحيح .. ولكن أوليس هناك فرق . بين الرئيس الرسمي – أو الصوري – وبين رئيس من خلف الكواليس ؟
أبو قردان : نعم . الرئيس الرسمي الصوري . هو الذي يتحمل
المسؤولية . رسمياً . ويكون وزير الدفاع – السيسي – بعيداً عن
شبهة الانقلاب العسكري . الذي يرفضه المجتمع الدولي
. وفي نفس الوقت هو الحاكم الفعلي , والرئيس الحقيقي .
الحمار : لهذا السبب لا يريد السيسي ترشيح نفسه .. ولكن ألا
تشعر بأن الملايين التي تتغني باسمه . قد تنقلب عليه ؟
أبوقردان : لماذا ؟
الحمار : بسبب ضحايا القتل والتفجيرات يومياً . ضحايا من أفراد
الجيش ومن الشرطة ومن رجال الأمن . ومن الشعب . وتدمير
وحرق المنشآت العامة . علي يد الارهابيين . والسيسي لا يفعل
شيئاً . بل يجلس في مكتبه يبتسم طوال الوقت . وفي بيته يتفرج
ويسمع وهو ساكت , والسكوت علامة الرضا , كأنه ليس الحاكم
المسؤول ..!! ألا تتوقع أن يخرج ال 35 مليوناً . الذين فوضوه .
ليلعنوه . ويسبونه بالأب والأم والجد . ويطالبونه باعدام قيادات
الارهاب المحبوسين . والاسراع في المحاكمات . أو يستقيل
ويذهب للجحيم . ويستعد لمحاكمته علي هذا التقصير . الذي يرقي
لدرجة التواطؤ والخيانة للشعب وللجيش أيضاً . الذي فقد الكثيرين
من أبنائه علي يد الارهاب . دون أن يتم اعدام ولا إرهابي واحد
ممن ألقي القبض عليهم !
أبو قردان ( منبهراً ) ما هذا الفهم والوعي .. !؟ جعلتني أنتبه
وأعترف بأنني أحياناً أكون أنا الحمار , ولست أنت .. كلامك صحيح
يا .. دعني أقول لك يا حصان . لن اناديك بيا حمار , بعد اليوم .
لكن : ألا تلاحظ أن ملايين الشعب الذين خرجوا من قبل . هيهات
أن يعاودوا الخروج .. لأن شباب الثوار الذين كانوا يقودون هؤلاء
الملايين . قد امتلاًت بطونهم بأموال قطر . وانغلقت أفواههم ,
واستحت عيونهم أو انكسرت . لذا فلا ينتظر خروج الملايين التي
فوضت السيسي . لتدينه بالخيانة وتطالب بمحاكمته
الحمار غاضباً : كيف تقول ذلك . يا أبا قردان !؟ أهكذا يتكلم حكيم
حصيف مثلك !؟ هل تظن البلد الذي أنجب هؤلاء الشباب . لم ينجب سواهم !؟
أبو قردان : معك حق , ولكن ألا تلاحظ انه كلما زادت العمليات
الارهابية . واشاعت القتل والدمار والرعب في البلد . كلما زادت
المطالبة بالسيسي رئيساً . و ازداد الثناء والمديح له , والتغني بشخصه !؟
الحمار ( يغمغم بأسف وباحساس بخيبة الأمل ) : لا أعرف بأية صفة أصف هؤلاء ….
أبو قردان : فلماذا توافقهم في دعوتهم ليكون السيسي رئيساً ! ؟
الحمار : لو عارضتهم . سيقولون عني ” حمار ” ..
أبو قردان : هل تصدق انهم يحبون السيسي حقاً .
الحمار : هؤلاء لا يعرفون مصلحة بلدهم ولا يعرفون مصلحتهم .
أي لا يحبون أنفسهم , فكيف يحبون السيسي بحق ؟
أبو قردان : ولكنهم الملايين
!!
الحمار : ملايين , ولكنهم أحفاد الملايين الضالة . الذين خرجوا
يهتفون لعبد الناصر – بعد النكسة التي جلبها عليهم . بدلاً من
مطالبتهم له بالاستقالة واخضاعه للمحاكمة واعدامه في ميدان
التحرير ! . هؤلاء أحفاد وأبناء أولئك المغيبين الضالين – فلا تثق
فيهم . لو كان اجدادهم وآباؤهم . قد حاكموا عبد الناصر وجماعته .
عقب النكسة . وعلقوهم في المشانق . لما كان حالهم وحال بلادهم . هو الحاصل اليوم
أبوقردان ( محتجاً بشدة ) : لا لا . لا أحب العنف .. انا ضد المشانق
والاعدامات . أنا معروف عني , طائر مسالم . وحاصل علي جائزة
نوبل للطيور في السلام . ولازم احافظ علي مكانتي الدولية بين الطيور . واحافظ علي سمعتي السلمية .
الحمار : ماذا تقول يا ابا قردان ! هل من العدل ان نتركهم يعملون
القتل في الشعب , والدمار في الوطن . دون مجازاتهم بالاعدام شنقاً .. هل هذا هو السلام الذي تعرفه يا أبا قردان !؟
أبو قردان : لا .. بل أنا ضد ما يفعلونه من قتل وحرق وافساد في الأرض . ولكن هم لهم علينا حقوق . وهم بشر علينا بمراعاة حقوقهم
الحمار : وما هي تلك الحقوق . يا أبا قردان . التي لهم علينا ؟!
أبو قردان : من حقهم أن نطبق عليهم الشريعة . التي يطالبون ويحبون تطبيقها . هذا حقهم
الحمار : حسنا . هذا عدل . وهو حقهم فعلاً أن نطبق عليهم
الشريعة . وحكم القاتل والمفسد في الأرض , في الشريعة هو :
ضرب الرقبة بالسيف . أو تقطيع الأيدي والارجل من خلاف
أبو قردان : هذا حقهم . فهم ضد أحكام القانون الوضعي الحديث .
ولهم الحق في تطبيق احكام الشريعة عليهم – وحدهم – إما بضرب
الرقبة بالسيف , أوبتقطيع الأيدي والارجل من خلاف . ولكن
الاعتدام شنقاً و اورمياً بالرصاص . فذلك مخالف لحقهم الشرعي
في اختيار العقوبة الشرعية .. اسمح لي بالاختلاف معك فيها . يا حمار
الحمار : ( بلهجة عتاب , وشعور بالأسي ) عيب يا ” أبا قردان “
انك ترجع تاني تقول لي يا حمار .. منذ دقيقة واحدة , احترمتني
ورقيتني لرتبة حصان .. وكنت أنوي رد الجميل , وأرقيك لرتبة
صقر أو نسر . أنت صديقي يا أبا قردان , ويجب علي الأصدقاء ترقية بعضهم البعض .
أبو قردان : تقصد نفعل مثل السيسي , وعدلي منصور . كل منهما يمنح ترقية للآخر !؟
الحمار : هل تعتقد يا أبا قردان . أن مجاملة السيسي وعدلي
منصور لبعضهما البعض , بعد منح رتبة مشير للسيسي . بالرغم
من أن البلد يحترق من مختلف أطرافه . والشعب يتعرض للقتل ,
تحت مسؤولية ” السيسي ” في المقام الأول . الا أن الصديق كان
محباً لصديقه . ومنحه ترقية كبري ” رتبة مشير ” بدلاً من
محاكمته . أرأيت كيف تكون الصداقة يا أبا قردان ؟ وهل تعتقد في أن تكون تلك هي آخر المجاملات ؟
أبو قردان : ربما لا تكون هي المجاملة الأخيرة . فقد يقوم السيسي
– بطريق غير مباشر – بتعيين صديقه ” عدلي منصور ” رئيساً
للوزراء , أو وزيراً للعدل . فمنصب رئيس مؤقت . هذا سيفقده “
منصور ” في الغالب . لصالح رئيس من خلفية عسكرية . قد يكون السيسي ” نفسه ” .
الحمار : طيب يا أبا قردان . ها هم البشر يمنحون بعضهم الهدايا
والترقيات . مقحمين الخاص في العام . فلماذا لا تبقي علي
مجاملتك لي بترقيتي لرتبة : حصان ؟ وأنا سأرد لك الجميل . أيضاً
فأناديك يا صقر الصقور , أو يا نسر النسور
أبو قردان ( للحمار ) : وجَبْ , يا سيد الأفيال
الحمار ( فرحاً , متهللاً ) :حلوة سيد الأفيال . لا ترجع عنها بقي ..
طيب دايما تنسيني أن اسألك : انت أهلاوي , أم زملكاوي !؟
أبو قردان : انا ضد الهوس الكروي . وانقسام الشعب علي نفسه .
بين ناديين لكرة القدم . ” أهلي و زمالك ” !
سيد الأفيال ( حسب الترقية الجديدة ) الشعب نقل هذا الهوس
الرياضي . الي السياسة . بدل أهلي وزمالك . صار : سيسي , واخوان
أبو قردان : انهم لا يتحمسون للفريق القومي لكرة القدم – الذي
يمثل كل الوطن , مثلما يتحمسون ويتعصبون , إما للأهلي , وإما للزمالك !!
سيد الأفيال : هل تعتقد ان السيسي مع الجيش , أم مع الاخوان ؟
أبوقردان : لست متاكداً . أعرف أن الشعب مع السيسي . فمع من يكون السيسي . حسب رايك ؟
سيد الأفيال : أري انه يضع رجلاً مع الجيش , والرجل الأخري عند
الاخوان . والظاهر ان شعبنا الغلبان متعود انه يتعلق في حبال
دايبة . وينفخ في القربة المقطوعة .. فهل تري أن الشعب حقاً مع السيسي ؟
أبو قردان : الأرجح ان الشعب مع الأهلي والزمالك . لكن الظاهر انه بيحب السيسي . اشتباه .. يعني
سيد الافيال : ليس حباً عقلانياً سياسياً . بل حب من أول نظرة . مثل
كلام الليل المدهون بالزبدة . يطلع عليه النهار , يسيح .. وشمس الممارسة السياسية شديدة الحرارة , بسرعة تذيب زبد ودهون الحب الطائش . حب المراهقين
أبو قردان : هذا كلام كبير وخطير . يا ” سيد الأفيال ” ضد سيادة
المشير . بصراحة انا شاكك انك مع الأخوان
سيد الأفيال ( يقسم له ) لا والله . بل أنا مع سيادة الفريق .
قصدي مع سيادة المشير السيسي . اي والله . واذا كنت لا تصدق اسمع يا سيدي
( يغني : تسلم الأيادي )
أبو قردان : يا سلام .. صوتك جميل يا حمار . قصدي يا ” سيد الأفيال ” .
سيد الأفيال : شكراً . بس .. أوعي تكون انت بقي حاطط في جيبك شعار ” رابعة ” ومخبيه !؟
أبو قردان : ( مذعوراً ) ايه ؟! أنا ؟! لا والله . حتي اسمع :
( يغني : تسلم الأيادي )
سيد الأفيال ( مشجعاً ) الله .. يا سلام .. صوتك حلو يا أبا قردان ( ثم يشاركه في غناء الأغنية التي غنيت للسيسي . عقب اطاحته بمرسي :
( تسلم الأيادي ..