إيران وقنبلة الشعوب المحتلة الموقوتة
التاريخ يؤكد أن ما من شعب بقي رهن الاحتلال والاستعمار الأجنبي، طالما يواصل كفاحه في سبيل التحرر ونيل الاستقلال.
العرب :: عبّاس الكعبي [نُشر في 20/11/2013، العدد: 9385، ص(12)]
القومية الفارسية تفرض ثقافتها على بقية الشعوب الايرانية
لم يعرف التاريخ القديم ولا الحديث دولة اِسمها “إيران” بجغرافيتها السياسيّة الحالية المبنية على أساس اِحتلال عدة أقاليم لدول وشعوب غير فارسية لها كياناتها وتاريخها وهويتها وخاصة أقاليمها الثابتة والواضحة التي منحتها صفة الشعوب، ولا تعترف الشعوب غير الفارسية في المنطقة بالجغرافيا السياسية لإيران الحالية، ولا شك أن عدم الاِعتراف هذا يعد قنبلة موقوتة مؤهلة للاِنفجار عند توفر الظروف، أمّا الاِعتراف الدولي بإيران كدولة عضو في الأمم المتحدة، فلا يمنحها الحق في مصادرة حق الشعوب في تقرير المصير.
وقامت الدولة الإيرانية الحالية على أنقاض دول وكيانات عدة لا علاقة لها لا بالتسمية المتأتية من العرق الآري ولا بالدولة الفارسيّة، ولا ذنب لها سوى جوارها للأخيرة، فراحت ضحية أطماع الدولة الفارسية في التوسع والاِستعمار والاِحتلال. ومن بين هذه الكيانات نتوقّف عند “دولة الأحواز العربية” (إمارة عربستان)، “بلوشستان”، “آذربايجان”، “كردستان” و”تركمنستان” (تركمن صحرا).
ورغم أن الدولة الفارسية تحاصر أبناء الشعوب الأخرى وتفرض عليهم طوقا أمنيا منذ عشرات السنين وحاولت منعهم من التواصل مع العالم الخارجي، إلا أن الواقع الجغرافي يبين أن الأقاليم التابعة للشعوب، تفرض طوقا جغرافيا على الدولة الفارسية فتحاصرها نظرا لتواجد “الأحواز” في الجنوب؛ فالجنوب الغربي على اِمتداد الساحل الشمالي والشرقي للخليج العربي وإطلالتها على مضيق “باب السلام” جنوبا، “بلوشستان” في الشرق ولها عمقها في “باكستان” و”أفغانستان” وتطل على بحر “عُمان” الحيوي.
“تركمنستان” في الشمال الشرقي وتمتد حتى بحر “قزوين”، “آذربايجان الجنوبية” في الشمال والشمال الغربي وتتمتع بعمق إستراتيجي في جمهورية “آذربايجان” المستقلة من “الاتحاد السوفييتي” وتحد بحر “قزوين”، أما “كُردستان” فتقع غرب فارس ولها اِمتدادها الجغرافي شمالي “العراق” و”تركيا” و”سوريا”.
وتشكل هذه الشعوب غالبية سكان ما تسمى بدولة إيران حاليا، إذ تتجاوز نسبتها الـ75 بالمئة من إجمالي السكان، إلا أن جميع السلطات تُختزل في الأقلية الفارسية، ويُمنع على أبناء الشعوب الأخرى اِحتلال المناصب العُليا في البلاد، إلا ضعفاء النفوس والمساومين على حساب قضايا شعوبهم وحقوقها الإنسانية وحرياتها الأساسية، والمتنكرين لمطالب شعوبهم بالحق في تقرير المصير والتحرير والاِستقلال.
وخشية النمو السكاني، انتهجت الدولة الفارسية في العقود الأخيرة سياسة تحديد النسل، فشجعت على التقليص من عدد الأبناء، رغم أن ذلك يتنافى ودستورها المُستمد من الشريعة الإسلامية كما تدعي، إلا أن الشعوب غير الفارسية لم تلتزم بهذه السياسة فاقتصرت على إقليم فارس وحده، الأمر الذي أدى إلى تقلص عدد الفرس مقابل الشعوب غير الفارسية. ودقت طهران ناقوس الخطر مؤخرا، ويؤكّد ذلك التصريحات المتكررة لـ”خامنئي” بضرورة “ارتفاع عدد سكان إيران من 75 إلى 150 مليون نسمة كحد أدنى”، وبيّن “محمود أحمدي نجاد” أن “اتباع سياسة تحديد النسل يعني اِنقراض الشعب الإيراني خلال الأربعين سنة القادمة”.
وقنبلة الشعوب غير الفارسية لا تقتصر على النمو السكاني وتغيير العامل الديموغرافي لصالحها، بل تكمن في رفضها القاطع للسياسات العنصرية للدولة الفارسية التي صادرت جميع حقوقها الأساسية فحرمت عليها الدراسة بلغاتها لمحو هويتها وطمس معالمها، مثلما تمنع على الأحوازيين مثلا تسمية مواليدهم بأسماء عربية وتفرض عليهم التسميات الفارسية، ناهيك عن اتباعها سياسة التهجير القسري والجماعي للسكان بعد نهب أراضيهم لصالح المستوطنين الفرس، أو اتباع طهران سياسة تجفيف الأنهار والبحيرات في الأقاليم غير الفارسية لإجبار ملايين السكان على الهجرة القسرية.
ففي “بلوشستان”، جففت إيران بحيرة “هامون” ضمن مخطط لتهجير ثلاثة ملليين مواطن بلوشي، مثلما جففت بحيرة “أوروميّة” في “آذربايجان”، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى “كردستان” و”الأحواز” التي تشهد أكبر عملية سرقة لمياه الأنهار بعد تحريفها تجاه المناطق الفارسية وتلويث ما تبقى منها بإغراقها بالنفايات ومخلفات مصانع البتروكيمياويات.
ولن تخلف مثل هذه السياسات إلا الاِحتقان والاِنفجار بطبيعة الحال، فالأحواز وحدها شهدت أكثر من 17 ثورة واِنتفاضة مسلحة في معظمها ضد الاِحتلال الأجنبي الفارسي، وخلال الأشهر الأخيرة فقط، نفذت “المقاومة الوطنية الأحوازية” وتحديدا “كتائب الشهيد محيي الدين آل ناصر” سلسلة عمليات ضد منشأة النفط والغاز في الأحواز التي يستغلّها الاِحتلال الفارسي فكبدته خسائر تقدر بأكثر من مليار دولار؛ علما أن الاِقتصاد الإيراني يعتمد بنسبة 92 بالمئة على نفط وغاز الأحواز، فهي تؤمن 10 بالمئة من اِحتياطي النفط العالمي، وتؤمن نحو 15 بالمئة من الغاز في العالم.
أما “بلوشستان”، فتشهد موجة تصعيد في عمليات متتالية نفذتها “حركة جيش العدل البلوشية” بعد أن أمطرت معسكرا تابعا للحرس الثوري بوابل من القذائف والرصاص، ونفذّت عملية أخرى قتلت خلالها 16 عنصرا من الحرس الثوري واختطفت آخرين، فانتقمت منها الدولة الفارسية بإعدام 16 بلوشيا في يوم واحد، وردت الحركة باِغتيال -الفارسي- مدعي عام مدينة “زابُل” البلوشيّة الذي أصدر أحكام الإعدام ضد البلوش.
ولا تستثنى “كردستان” من تصعيد عملياتها، إذ تمكن “حزب الحياة الحرة” (بيجاك) من قتل عدد من عناصر الحرس الثوري الإيراني من القادة والضباط والجنود.
ولم تشهد “آذربايجان” الهدوء في السنوات الأخيرة، فلا تترك مناسبة إلا ويرفع فيها الشعب الآذري شعار “الخليج للعرب وبحر قزوين للتُرك”، وأعلنت القوى الوطنية الممثلة لنحو 25 مليون “آذري” عن ضرورة استقلال الإقليم وإلحاقه بجمهورية آذربايجان وإقامة دولة “آذربايجان الكُبرى”.
ويؤكد التاريخ أن ما مِنْ شعب بقي رهن الاِحتلال والاِستعمار الأجنبي، طالما يواصل كفاحه في سبيل التحرّر ونيل الاِستقلال، وكذلك هي الحال بالنسبة للشعوب الرازحة تحت هيمنة الدولة الفارسية، فلن تكون هي الأخرى بمنأى عن المتغيرات الإقليمية وتبدو عازمة فعلا على رسم خارطة جديدة للمنطقة بمحاصرتها الدولة الفارسية بجغرافيتها وديموغرافيتها ومقاومتها.