سونر كاغبتاي*جيمس جيفري* مهدي خلاجي*
دفع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة وإيران خلال الشهر الماضي، البعض إلى الاعتقاد أن طهران سوف تنضم الآن إلى النظام الدولي كطرف فاعل مسؤول. مع ذلك، يتجاهل هذا التفاؤل حقيقة أن الحكومة الإيرانية الحالية لا تزال تحمل بصمة وآثار تاريخ طويل من الاستعمار والطموحات الإقليمية الفارسية. إيران قوة ثورية تتطلع إلى الهيمنة؛ أو بعبارة أخرى، إنها دولة تسعى إلى تأكيد هيمنتها وسيطرتها في المنطقة، ولن تلعب بالقواعد المتبعة. مع ذلك، تأمل إدارة أوباما أن يكون لعقد اتفاق نووي «تأثير متجاوز» على إيران، ويقنعها بالتخلي عن طموحاتها الاستعمارية مقابل التمتع بوضع طبيعي.
لقد تعايش العالم مع قوى مهيمنة في الماضي، فدول مثل روسيا، وألمانيا، واليابان، وبريطانيا، كانت لديها تطلعات وطموحات مماثلة قبل الحرب العالمية الأولى. وكانت تلك القوى هي التي دفعت العالم نحو الحرب عام 1914، ومرة أخرى عام 1939.
في أعقاب هذا الخراب وتلك الفوضى، تم إرساء في إطار النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة أميركا قواعد للمجتمع الدولي بهدف متابعة تلك القوى. وحتى اليوم تعترف دول لديها توجهات نحو السيطرة، مثل الصين، بشرعية هذا النظام الدولي. مع ذلك تحدت إيران على نحو غير مقبول هذا النظام الدولي، ولا تزال تسعى نحو توسيع نطاق نفوذها. إنها تستخدم الإرهاب، والانتشار، والحرب بالوكالة، ودبلوماسية قديمة الطراز أحيانا من أجل تعزيز هيمنتها.
ورغم الإشارة إلى الثورة الإسلامية عام 1979، والتي قادها الخميني، باعتبارها بداية لنظرة إيران الاستعمارية للعالم، تعود طموحات إيران التوسعية إلى عهد الصفويين في القرن السادس عشر، إذ سعى الصفويون إلى الابتعاد عن الإمبراطورية العثمانية السنية القوية، وأعادوا تشكيل إيران بحيث تغدو قوة شيعية بارزة، فأصبحت إيران رسميا دولة شيعية عام 1502، وبسطت خلال القرون اللاحقة نفوذها على أفغانستان، وفي مياه الخليج، والعراق، وجنوب القوقاز. وتوقفت إيران عن توسعها خلال القرن الثامن عشر، حيث خارت قواها بعد حروب منهكة ضد العثمانيين والروس. وإبان فترة الحرب الباردة، استغل الشاه الدعم الأميركي في تعزيز قوة إيران العسكرية مرة أخرى. وزاد الدعم المالي والعسكري المقدم إلى الشيعة، ووكلائها في أنحاء الشرق الأوسط؛ ففي بداية السبعينات، على سبيل المثال، دعمت إيران الأكراد العراقيين في ترسيخ نفوذهم في العراق أثناء حكم صدام حسين. وبالمثل، في عام 1975 أصدر موسى الصدر، رجل الدين الإيراني البارز المدعوم من الشاه، فتوى تعترف بأن العلويين السوريين الذين ينتمون إلى طائفة تعد من الطوائف الإسلامية المنحرفة، من الشيعة. وأدت هذه الخطوة إلى وضع العلويين السوريين في قبضة إيران للأبد، وما يترتب على ذلك من عواقب تتمثل في الحرب الأهلية في سوريا اليوم. ومزج قادة الثورة المناهضون لأميركا في عام 1979 بين النهج القومي، الذي يستعيد أمجاد بلاد فارس الماضية، وفكر عصري يقوم على إنشاء دولة إسلامية عسكرية. مع ذلك، وبعد حرب طويلة ممتدة شرسة بين إيران والعراق في حقبة الثمانينات، أدركت الجمهورية الإسلامية أن النهج العسكري التقليدي لم يعد يكفي.
واتساقا مع نهج طهران المتمثل في «تصدير الثورة» إلى الدول الإسلامية القريبة، وضع الخميني، والحرس الثوري الإيراني، خططا حربية مرحلية متنوعة تستهدف ترسيخ النفوذ الإيراني من خلال عقد تحالفات طائفية وسياسية. وبذلك كانت إيران تتصرف بوصفها حامية طائفة الشيعة في دول مثل البحرين واليمن. وأنشأت إيران شبكة متقنة الصنع من الجماعات الشيعية المسلحة من بينها حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، وفيلق بدر في العراق، إضافة إلى ذلك، تسيطر إيران على المؤسسة الدينية الشيعية، والشبكات المالية في الشرق الأوسط. ولا يقتصر تركيز إيران على السياسة الطائفية فحسب، حيث تربطها علاقات بأطراف فاعلة سنية عدائية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط تهدف إلى تعزيز وضعها الإقليمي.
ومن أجل هذا أقامت طهران علاقات قوية مع حماس و«الجهاد الإسلامي» في غزة.
ولا يقدم لنا التاريخ أمثلة كثيرة تشير إلى النجاح في دمج تلك القوى في النظام الدولي. وتجمع القوى الثورية، التي تسعى إلى الهيمنة، بين الرغبة الاستعمارية ذات الطابع «النازي» التي شاهدناها في ألمانيا خلال حقبة فلهلم، وبين نظرة دينية أو عصرية ترفض مبادئ وأسس النظام الدولي الكلاسيكي.
في فبراير (شباط) 2013، وصف خامنئي، المرشد الأعلى لإيران وصاحب القرار الأخير في شؤون السياسة الخارجية والعسكرية، المفاوضات مع الغرب بالخدعة. وأضاف بفخر: «أنا لست دبلوماسيا، بل أنا ثوري». وسوف يحمل خامنئي، روحاني المسؤولية في حال أخفقت المفاوضات، أو اتخذت منحى لا يروق له.
ويستمد خامنئي شرعيته من المشروع الثوري الإيراني، وأي حلول وسط سوف تكون بمثابة اعتراف بأنه لا يؤمن بتلك الرواية لتاريخ العالم.
ليست طموحات إيران الاستعمارية بالأمر الجديد، فسواء خلال فترة حكم الدولة الصفوية، أو الشاه، أو الملالي، صارعت طهران من أجل بسط نفوذها وهيمنتها على المنطقة.
* سونر كاغبتاي زميل في معهد واشنطن
*جيمس جيفري سفير أميركي سابق لدى العراق، وتركيا، وألبانيا
*مهدي خلاجي متخصص في الفقه الشيعي
* خدمة «نيويورك تايمز»
نقلا عن الشرق الاوسط