إيران.. طريق الغاز يمر عبر كربلاء
وصول الغاز الإيراني لأوروبا يعني منح الأخيرة فرصة كبيرة لمساومة موسكو في الأسعار مما من شأنه أن يؤدي إلى محاصرة الأسواق الروسية للغاز.
العرب:: عبّاس الكعبي [نُشر في 04/12/2013، العدد: 9399، ص(12)]
سعي إيران لرسم هلال شيعي يطوق المنطقة المحيطة بها مازال متواصلا
تبنّى “الخميني” مخطّط استكمال اِحتلال العديد من الدول العربيّة عبر شعار “طريق القدس يمرّ عبر كربلاء”، فعَمَل على اِحتلال الجنوب العراقي حيث توجد المزارات الشيعيّة، ووَضَعَ الحرس الثوري استراتيجيته التوسعيّة إبان الحرب الإيرانيّة العراقيّة (1980-1988) والمبنيّة على أساس اِحتلال الجنوب العراقي، لتشكّل “كربلاء” نقطة اِنطلاق القوّات الفارسيّة نحو سوريا حيث مرقد “السيّدة زينب” وفقاً لبعض المصادر لتنطلق منها صوب “فلسطين” وفي طريقها تستولي على “مكّة المكرّمة” أي “السعودية” و”البحرين” و”الأردن” و”لبنان” بطبيعة الحال، وتعمل طهران اليوم على ذات المشروع خلال مدّ أنابيب الغاز عبر العراق فسوريا فالبحر الأبيض المتوسّط.
أكّدت جريدة “الأهرام” المصريّة أن “إيران قدّمت الكثير من التنازلات النوويّة لصالح المجموعة 5+1 مقابل استمرار نفوذها في سوريا”، فلسوريا أهميّة قصوى في الإستراتيجية التوسعيّة الإيرانيّة يؤكّدها “مهدي طائب” رئيس “مقرّ عمّار الإيراني الاِستراتيجي” بقوله: “إذا ما خُيّرنا بين الأحواز وسوريا فإننا نتمسك بسوريا على حساب الأحواز لأنه من الممكن استعادة الأحواز بعد فقدانها إلا أن فقداننا لسوريا يعني وصول الأعداء حتى مشارف طهران”.
وخلال السنوات العشر الأخيرة أطلقت إيران ثلاثة حقول للغاز في الأحواز والخليج العربي إلا أنها لم تحقق النجاح المطلوب لسوء الاِستغلال والعقوبات والضربات المتتالية للمقاومة الوطنيّة الأحوازيّة لمنشأة الغاز في الأحواز والمستغلّة من قبل الإحتلال الإيراني. ولكن المفارقة تَكمن في اِختيار إيران قبل أسبوعين تقريباً لرئاسة المنظمة الدوليّة للغاز (أوبك للغاز) التي تتخذ من قطر مقراً لها، وإعلان الشركة الوطنية الإيرانية للغاز عن إفلاسها بعد أسبوع واحد فقط من تسلم طهران رئاسة منظمة “أوبك الغازيّة”، الأمر الذي أكّده وزير النفط والطاقة الإيراني”بيجن زنكنة”. والأحواز وحدها تحتوي على 15% من احتياطي الغاز العالمي وتؤمّن أكثر من 92% من إجمالي إنتاج الغاز الإيراني، ولا شك أن إعلان إيران عن إفلاسها في قطاع الغاز سيفتح شهيّة كبريات الشركات الغربيّة لإبرام الاِتفاقيات الاقتصاديّة مع إيران، وهذا ما حدث فعلاً إثر الاتفاقية النووية بين طهران والمجموعة 5+1، إذ وزّعت إيران الحصص على أعضاء المجموعة وخاصة الدول الغربيّة الأمر الذي ساهم في تغيير موقف فرنسا من رافض للاِتفاقيّة إلى موافق عليها بعد حصولها على عقود في صناعة السيارات وقطاعي النفط والغاز في إيران. ولا شك أن الاتفاقية النووية ستساهم في إنقاذ المشاريع الإيرانية للغاز وبالتالي مساعدة الأخيرة في تنفيذ مخططها لإيصال الغاز إلى الدول الأوروبية، ولكن هذا النجاح المحفوف بالمخاطر، سيدقّ نواقيس الخطر لدى روسيا بصفتها أكبر مصدّر للغاز إلى أوروبا، خاصّة أن الأخيرة وقفت بقوّة في وجه المعادلة التركيّة القطريّة في سوريا والهادفة إلى تصدير الغاز القطري عبر سوريا فتركيا فأوروبا.
ووصول الغاز الإيراني لأوروبا يعني منح الأخيرة فرصة كبيرة لمساومة موسكو في الأسعار ممّا من شأنه أن يؤدّي إلى محاصرة الأسواق الروسيّة للغاز وما يزيد الأمور سوءاً على روسيا هو تحوّل أميركا من مستورد إلى مصدّر للغاز مؤخراً بفضل الاِكتشافات الجديدة وتخطيطها لتصدير غازها إلى أوروبا خلال السنوات القليلة القادمة، وبطبيعة الحال لا يمكن لموسكو التزام الصمت حيال ما يُحاك ضدّها فالمخرج المؤدّي لنجاتها هو العودة إلى طموحات الإتحاد السوفيتي بالوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي حيث منابع ثروات النفط والغاز الهائلة.
ولكن هذا الطموح ساهم في تغيير خارطة المنطقة لمصلحة الدولة الفارسيّة عام 1925 حيث تآمرت بريطانيا مع إيران لضم دولة الأحواز الغنيّة بالنفط والغاز للدولة الفارسيّة وتقويتها لخلق سد منيع أمام الزحف السوفييتي تجاه الخليج العربي الذي كانت تهيمن عليه بريطانيا بنسبة كبيرة آنذاك. ويؤكّد ذلك مشاركة بريطانيا في الحرب على الأحواز لقمع أول ثورة قامت ضد الإحتلال الأجنبي الفارسي بعد ستة أشهر من وقوعه فقصفت البوارج البريطانية مدينتي “المحمّرة” و”عبّادان” الأحوازيّتين بالمدفعيّة.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط حالياً منحاً تصاعدياً في النعرات الطائفيّة والتلويح بالتقسيم المبني على هذا الأساس، فبعد إعلان أكراد شمال العراق عن حكومتهم، سار أكراد سوريا على خُطاهم ليعلنوا عن الحكم الذاتي في مناطقهم وباركت إيران خطوتهم هذه.
كما يرجّح الكثير فرضيّة إقامة دويلة علويّة بمباركة إيران وحمايتها لضمان نفوذها إلى لبنان والبحر المتوسط.
وفي حال أصرّت روسيا على الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي لاِقتسام ثروات النفط والغاز فيها مع القوى الغربيّة، فلا شك أن هذا الإصرار سيساهم في المزيد من النفوذ الأجنبي في إيران وبالتالي تحجيم قدراتها، ممّا يعني تقوية القدرات النضاليّة للشعوب غير الفارسيّة المحتلة ضمن جغرافية ما تسمى بإيران، لتجد في هذا الصراع متنفساً للتصعيد في عملها المقاوم وتطلعاتها نحو التحرير والاِستقلال، بما في ذلك “كردستان” و”بلوشستان” و”الأحواز” التي تخوض مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الأجنبي الفارسي.
وفي حال حدوث ذلك، سوف تصبح الدولة الفارسيّة أمام خيار الحفاظ على سوريا مقابل التفريط بالأحواز على غرار ما أعلنه “مهدي طائب” رئيس “مقر عمّار الإستراتيجي